"الجدار الحديدي" ... الاحتلال يمدّد عدوانه لجنين بعد تدمير غزة خطة الاحتلال لضمّ الضفة الغربية.. بين الواقع الدولي والشرعية القانونية

كرّس اتفاق الهدنة الأخير الذي وقع بين المقاومة الفلسطينية وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي فشلا جديدا لنيتناهو وحكومته .

فبعد عام من التقتيل وحرب الإبادة لا تزال المقاومة الفلسطينية حاضرة ميدانيا وسياسيا ودبلوماسيا وتدافع عن آخر شبر في غزة . وفي رد انتقامي شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي هجوما واسعا على مدينة جنين ومخيمها في شمال الضفة الغربية المحتلة، تحت مسمى العملية العسكرية "الجدار الحديدي". وأسفر الهجوم عن استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة نحو 40 آخرين، وسط مناشدات دولية ومحلية للضغط على سلطات الاحتلال لوقف التصعيد العسكري. ولم تكن هذه الهجمة هي الأولى في سلسلة الاعتداءات المستمرة على الأراضي الفلسطينية، لكن ما يميزها هو حجم العنف المستخدم والطبيعة المستهدفة للمؤسسات المدنية.

ففي الوقت الذي بدأ فيه تنفيذ صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بين حركة حماس وفصائل المقاومة من جهة، وحكومة الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، كانت الضفة الغربية تشهد تصعيدا متسارعا في الأوضاع الأمنية. هذا التصعيد لم يقتصر على العمليات العسكرية أو المواجهات بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي، بل طال أيضا حجم الاعتداءات من قبل المستوطنين الإسرائيليين، التي ازدادت بشكل غير مسبوق، لتشمل مناطق جديدة كان الاعتداء فيها نادرًا في السابق.

تعدّ عملية "الجدار الحديدي" استمرارية للعدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وتعيد تسليط الضوء على المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ، كما تعيد للواجهة مخطط الكيان الصهيوني لضم الضفة المحتلة. ووفق خبراء من المتوقع أن يؤدي التصعيد المستمر إلى تصاعد العنف في المنطقة، في ظل استمرار الانسداد السياسي والدبلوماسي. ولا يبقى أمام الفلسطينيين سوى مزيد من التحديات أمام واقع الاحتلال الإسرائيلي الذي يبدو أن سياساته تجاه الفلسطينيين لا تزال بعيدة عن التغيير.
ووفق مراقبين يمثل التصعيد المستمر في الضفة الغربية تهديدا خطيرا للسلام والأمن في المنطقة. من ناحية، يزيد هذا التصعيد من حجم المعاناة اليومية للفلسطينيين، الذين أصبحوا مجبرين على التعايش مع الإرهاب الاستيطاني وعمليات التهجير القسري في بعض المناطق. ومن ناحية أخرى، تؤدي هذه الاعتداءات إلى تعزيز مشاعر الغضب واليأس في صفوف الفلسطينيين، مما يزيد من تعقيد عملية التفاوض المستقبلية حول حل الدولتين.
أما على المستوى الدولي، فإن استمرار دعم حكومة الاحتلال للمستوطنين يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي، حيث تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانونية وفقا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. وفي الوقت الذي يدين فيه المجتمع الدولي هذه الانتهاكات، تظل ردود الفعل الدولية غالبًا بلا تأثير حقيقي على السياسات الإسرائيلية.
بالإضافة للتصعيد الداخلي يشير تصعيد الاعتداءات الاستيطانية في الضفة الغربية أيضا إلى خطورة الوضع الأمني في المنطقة، وإلى دور الحكومة الإسرائيلية في تشجيع هذه الأعمال الإرهابية بطريقة غير مباشرة.
حصيلة دامية
بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، تشير الأرقام الأولية إلى أنّ عدد الشهداء مرشح للارتفاع بسبب خطورة الإصابات. وتأتي هذه الحصيلة بعد ساعات قليلة من الهجوم، حيث أوضح الهلال الأحمر الفلسطيني أن قوات الاحتلال تمنع وصول طواقمه إلى المصابين داخل المخيم، مما يفاقم الوضع الإنساني في المنطقة. وكانت المستشفيات، مثل مستشفى الرازي في جنين، قد استقبلت إصابات خطيرة، بما في ذلك إصابات للأطفال، مما يعكس البعد الإنساني المأساوي للعدوان. كما أكدت مصادر طبية أنّ عددا من الأطباء والممرضين أصيبوا برصاص قوات الاحتلال أثناء تأدية واجبهم في المستشفى.
ويأتي الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال في سياق تصعيد متبادل بين الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال في الضفة الغربية. سبق هذا الهجوم سلسلة من الاقتحامات الإسرائيلية المستمرة في مناطق مختلفة بالضفة الغربية، والتي ترافقت مع مداهمات واعتقالات طالت العديد من المواطنين الفلسطينيين. ووفق مراقبين فإنّ عملية "الجدار الحديدي" ليست الأولى من نوعها، فقد سبقها العديد من العمليات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت مناطق مختلفة، بما في ذلك مخيمات اللاجئين الفلسطينية التي تمثل معقلا للمقاومة والصمود.
وردّا على العدوان، دعت حركة حماس إلى النفير العام في كافة الأراضي الفلسطينية للتصدي للاقتحامات الإسرائيلية المستمرة، خصوصًا تلك التي تستهدف المدنيين والمناطق السكنية. وقد أكدت الحركة في بيان لها أن هذا التصعيد لن يمر دون رد، وأن "الاحتلال سيدفع ثمن عدوانه". وتعتبر حماس هذه الهجمات جزءًا من سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى سحق أي مقاومة فلسطينية في الضفة الغربية.
العواقب السياسية والإنسانية
يزيد الهجوم من تعقيد الوضع الأمني في الضفة الغربية، حيث أصبحت مناطق مثل جنين والخليل نابضة بالتوترات والمواجهات بين القوات الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية.
أما على الصعيد الإنساني، فإن الوضع في جنين بات أكثر تعقيدا. فالمخيمات في الضفة الغربية تشهد تدهورا سريعا في الوضع الصحي والإنساني نتيجة الحصار والاعتداءات المستمرة.
من الناحية الإقليمية والدولية، يواصل المجتمع الدولي التعبير عن قلقه إزاء تدهور الوضع في الأراضي الفلسطينية، ولكن في كثير من الأحيان، تبدو التحركات الدبلوماسية غير فعّالة. ودعت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى وقف إطلاق النار، لكن دون تأثير ملموس على أرض الواقع. ولا شكّ أن استمرار الهجمات الإسرائيلية على المدن الفلسطينية سيؤدي إلى تصعيد المواجهات.
بين الواقع والشرعية
وبالتزامن مع العملية العسكرية في جنين ، تتزايد المؤشرات على أن الحكومة الإسرائيلية ماضية في تنفيذ خططها التوسعية في الضفة الغربية، وهو ما يعكس تحولا خطيرا في سياسات الاحتلال التي تمارسها إسرائيل على الأرض. وقد باتت هذه الخطط جزءا من إستراتيجية واضحة تسعى لتوسيع المستوطنات غير الشرعية، وهو ما يثير تساؤلات عن الشرعية القانونية لهذه السياسات في ظل المقاومة الفلسطينية والمواقف الدولية التي ترفض هذه الممارسات.
الجدل حول شرعية الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية ليس جديدا، لكنه يتصاعد مع مرور الوقت في ظل مواقف واضحة من القادة الإسرائيليين الذين يصرون على أن هذه المستوطنات تشكل جزءا من "أرض إسرائيل" المزعومة. ووفقا لهذه الرؤية المزعومة، فإن الضفة الغربية ليست جزءا من الأراضي الفلسطينية المحتلة وإنما جزء من الأراضي التي يزعمون أنها تخص إسرائيل تاريخيا. وهو ما يطرح تساؤلات حول موقف المجتمع الدولي، الذي يعتبر هذه السياسات غير قانونية بموجب القانون الدولي.

وجاء تصريح أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ليؤكد موقف المنظمة الدولية الرافض لمثل هذه السياسات، حيث وصف أي محاولة لضمّ الضفة الغربية، سواء جزئيا أو كليا، بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي. وأضاف غوتيريش قلقه من "مواصلة تفاقم الوضع" في الضفة الغربية، في ظلّ اشتباكات مستمرة وتوسع غير مسبوق للمستوطنات الإسرائيلية. هذا التصريح يعكس التأكيد الأممي على أنّ المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة تشكّل انتهاكا جليا للقرارات الدولية، لا سيما تلك المتعلقة بالحق الفلسطيني في تقرير المصير والعودة.
وعلى الرغم من المواقف الدولية، إلا أنّ الواقع على الأرض يشير إلى تصعيد مستمر في السياسات الاستيطانية الإسرائيلية. فهذا التوسع يأتي في وقت يتزامن مع إلغاء الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في بداية ولايته، لأمر تنفيذي أصدره سلفه، جو بايدن، والذي كان يتيح فرض عقوبات على الأفراد الذين يقوضون جهود السلام في الضفة الغربية. هذه الخطوة تتيح لإسرائيل مزيدا من الحيز للتحرّك على الأرض بدون خشية من ردود فعل أمريكية قوية.
وتعزز هذه المعطيات من سياسات حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، التي تسعى إلى فرض واقع جديد في الضفة الغربية عبر تدابير مدنية تستهدف إضفاء الطابع الدائم على وجود الاحتلال. هذه السياسات تشمل توجيه إدارة الضفة الغربية من الجيش الإسرائيلي، كما نصت عليه محكمة العدل العليا الإسرائيلية، إلى إدارة مدنية دائمة يقودها موظفون حكوميون إسرائيليون.
إزاء هذه السياسات الإسرائيليّة، تتزايد التحديات أمام الفلسطينيين الذين يواجهون تهديدا متصاعدا على حقوقهم في الأرض والحرية. هذا التصعيد المستمر في الاستيطان وتوسيع المستوطنات يؤدي إلى تهجير العديد من الفلسطينيين، ويعزز الإحتلال الصهيوني. فضلا عن ذلك، فإنّ هذه السياسات تؤثّر سلبا على جهود السلام، حيث يتضح أن حكومة نتنياهو تواصل التصعيد دون التزام حقيقي بحلّ الدولتين، ما يخلق حالة من الجمود السياسي التي تنعكس على واقع الفلسطينيين في الضفة وغزة.

إطلاق نار وانفجارات في جنين
ميدانيا تواصلت العملية العسكرية الإسرائيلية أمس الأربعاء في جنين في شمال الضفة الغربية المحتلة وقد سمعت أصوات إطلاق نار وانفجارات في المدينة التي تعد نقطة اشتعال.وقال محافظ المدينة كمال أبو الرب وفق مع وكالة فرانس براس "الوضع صعب للغاية".
وأضاف "قام جيش الاحتلال بتجريف جميع الطرق المؤدية إلى مخيم جنين وإلى مستشفى جنين الحكومي، وهناك إطلاق نار مستمر وتفجيرات وطائرة إسرائيلية تحلق في سماء المدينة والمخيم".وكانت القوات الإسرائيلية بدأت أمس الأول عملية عسكرية أطلقت عليها اسم "السور الحديدية".
وجاءت العملية غداة تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبعد أيام قليلة من سريان اتفاق وقف إطلاق النار في الحرب بين الدولة العبرية وحركة حماس في قطاع غزة والتي بدأت بعد هجوم مباغت لمسلحي حماس في السابع من اكتوبر 2023.وبحسب أبو الرب، تم حتى الآن اعتقال 20 شخصا من المدينة ومخيمها والقرى المجاورة.
من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى "أقصى درجات ضبط النفس" من قبل قوات الأمن الإسرائيلية وأعرب عن "قلق عميق" وفقا للمتحدث باسم نائبه فرحان حق.
تصعيد إسرائيلي في لبنان
على صعيد آخر واصل جيش الاحتلال الإسرائيلي خروقاته لاتفاق وقف إطلاق النار مع "حزب الله" في لبنان، وذلك قبل 72 ساعة من انتهاء أول 60 يوما للاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر الماضي.
ومن أبرز بنود الاتفاق، انسحاب إسرائيل تدريجيا إلى جنوب الخط الأزرق (المحدد لخطوط انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000) خلال 60 يوما، وانتشار قوات الجيش والأمن اللبنانية على طول الحدود ونقاط العبور والمنطقة الجنوبية.
وقالت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية،أمس الأربعاء: "صعّدت قوات الاحتلال الإسرائيلي من وتيرة تعدياتها على أملاك المواطنين والمرافق العامة ودور العبادة، لإلحاق الأذى في قرى حدودية، لا سيما عيتا الشعب ويارون".
ولفتت الوكالة إلى أن إسرائيل "أنهت بناء الجدار الإسمنتي بين لبنان وفلسطين المحتلة، على طول الخط الأزرق من (بلدة) يارين إلى (بلدة) الضهيرة، في القطاع الغربي جنوبي لبنان".وأفادت بأن الجيش الإسرائيلي عمد إلى نسف وتفجير منازل في بلدة عيتا الشعب، وأطراف بلدة حانين، في قضاء بنت جبيل جنوبي لبنان.
الوكالة أكدت أن إسرائيل نفذت 3 تفجيرات في القطاع الشرقي، الأول عند أطراف بلدة حولا، لجهة وادي السلوقي، والثاني في بلدة مركبا، والثالث في بلدة الطيبة. كما شنت مُسيرة إسرائيلية غارة بين وادي خنسة والمجيدية- قضاء حاصبيا، في القطاع الشرقي (جنوب)، وفق الوكالة.
ومنذ 27 نوفمبر 2024، يسود وقف هش لإطلاق النار أنهى قصفا متبادلا بين إسرائيل و"حزب الله" بدأ في 8 أكتوبر2023، ثم تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر الفائت.وبدعوى التصدي لـ"تهديدات من حزب الله" ارتكبت إسرائيل حتى نهاية الاثنين 601 خرقا، ما خلّف 37 قتيلا و45 جريحا، وفق إحصاء للأناضول استنادا إلى بيانات رسمية لبنانية.ودفعت هذه الخروقات "حزب الله" إلى الرد، في 2 ديسمبر 2024، للمرة الأولى منذ سريان الاتفاق، بقصف صاروخي استهدف موقع "رويسات العلم" العسكري في تلال كفر شوبا اللبنانية المحتلة.
وبموجب الاتفاق، سيكون الجيش اللبناني الجهة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح في جنوب البلاد، مع تفكيك البنى التحتية والمواقع العسكرية، ومصادرة الأسلحة غير المصرح بها.وأسفر العدوان الإسرائيلي على لبنان عن 4 آلاف و68 شهيدا و16 ألفا و670 جريحا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص، وتم تسجيل معظم الضحايا والنازحين بعد تصعيد العدوان في 23 سبتمبر الماضي.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115