تهديد تركي بشن عملية عسكرية ضدّ الأكراد في سوريا التحديات الجيوسياسية في الشمال السوري وتأثيراتها على المنطقة

في تطور جديد على الساحة السورية هددت تركيا بإطلاق عملية عسكرية ضد القوات الكردية في الشمال السوري .

ويأتي التهديد التركي بالعملية العسكرية في وقت دقيق وحساس مع تزايد المخاوف من أن يؤدي انهيار النظام السوري إلى تصاعد الانفلات الأمني على الحدود مع دول الجوار وكذلك عودة التهديدات الارهابية في الاقليم . واليوم في سوريا الجديدة تتقاطع التحالفات والمصالح وترى انقرة في الحضور الكردي شمال سوريا تهديدا لمصالحها ولأمنها القومي . فما هي دلالات وتداعيات هذه العملية المحتملة ؟

المعلوم ان تركيا ترتبط تاريخيا بصراع مع القوات الكردية، وتعتبر أنّ أي قوة كردية قريبة من حدودها تشكل تهديدا لأمنها القومي. وترفض أنقرة تماما ما تصفه بالارتباط بين وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني "بي كا كا " الذي تصنفه منظمة إرهابية. في هذا السياق، تمثل هذه القوات، التي تسيطر على مناطق كبيرة في شمال شرق سوريا، هدفا رئيسيا لتركيا.
وهدّد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، بإطلاق عملية عسكرية ضدّ القوات الكردية في سوريا إذا لم توافق "وحدات حماية الشعب '' على شروط أنقرة من أجل مرحلة انتقالية "غير دموية" بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. وتضمنت التصريحات التي أدلى بها فيدان عبر قناة "سي إن إن تورك" تحذيرا واضحا بأن تركيا ستنفذ "اللازم" إذا استمرت القوات الكردية في رفض المطالب التركية، موضحا أن هذا قد يتضمن "عملية عسكرية''.
يأتي هذا التهديد في وقت حساس، حيث زادت الضغوطات في المنطقة بعد أن أسقطت فصائل المعارضة السورية، بقيادة هيئة تحرير الشام، بشار الأسد الشهر الماضي، وهو ما يفتح الباب لتصعيدات عسكرية جديدة في المنطقة. إذ ترى تركيا في "وحدات حماية الشعب" الكردية تهديدا استراتيجيّا لها ، وتتهمها بارتباطها بحزب العمال الكردستاني "بي كا كا''، الذي تصنّفه أنقرة كمنظمة إرهابية.
التحديات الجيوسياسية
لطالما شهدت العلاقة بين تركيا والقوات الكردية في سوريا تصعيدا مستمرا منذ سنوات، حيث يخوض حزب العمال الكردستاني صراعا استمر لعقود ضد الدولة التركية. وتصنف تركيا هذه المجموعات الكردية على أنها تهديدات أمنية بسبب روابطه مع الحزب المحظور. ومنذ اندلاع الصراع السوري في 2011، كانت تركيا تسعى مرارا إلى القضاء على ما تعتبره تهديدات قادمة من الأراضي السورية.
في المقابل، يعتقد حلفاء تركيا الغربيون، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، أن "وحدات حماية الشعب" كانت جزءا من التحالف الذي قاتل تنظيم (داعش) في سوريا. هؤلاء الحلفاء يرون أنّ الحفاظ على استقرار المناطق الكردية في الشمال الشرقي السوري أمر حيوي في محاربة 'داعش'' ومنع عودته. وتعتبر الولايات المتحدة أن القوات الكردية كانت حليفا أساسيا في مكافحة الإرهاب، وقدمت دعما عسكريا كبيرا ضد التنظيم ، إلا أن تركيا تعتبر هذا الدعم الأمريكي للأكراد ماهو إلاّ ورقة ضغط ضدّها تستخدمها واشنطن ضدّ أنقرة لتمرير تنازلات في ملفات حيوية في المنطقة.
وفي حديثه لقناة "سي إن إن تورك"، أشار فيدان إلى أن تركيا قد منحت مهلة عبر الأمريكيين للوحدات الكردية، مضيفا أن هذه المهلة واضحة: "على هؤلاء المقاتلين الدوليين الذين قدموا من تركيا وإيران والعراق أن يغادروا سوريا فورًا". ووفقًا للمسؤول التركي، لا توجد أي إشارات على نية قوات حماية الشعب الكردية في تنفيذ هذه المطالب حتى الآن، مما يزيد من احتمالات التصعيد العسكري.
وفي الوقت نفسه، أشار فيدان إلى استعداد تركيا لتولي إدارة السجون والمعسكرات التي تحتوي على عناصر تنظيم داعش في حال عدم قدرة الحكومة السورية الجديدة على القيام بذلك. هذه التصريحات تشير إلى أن تركيا مستعدة للتدخل المباشر في سوريا إذا لزم الأمر، في خطوة قد تفتح جبهة جديدة في الصراع السوري المعقد.
تركيا ومخاوف من الفراغ الأمني
ويرى مراقبون أن تصريحات فيدان تشير إلى القلق التركي المتزايد بشأن الاستقرار الأمني في سوريا بعد انهيار نظام الأسد. إذ تخشى تركيا من أن يترك الفراغ الناتج عن سقوط الأسد مجالا للتمدد الإيراني أو لظهور تهديدات من الجماعات المتشددة مثل ''داعش''. وتعتبر تركيا أن السيطرة على المناطق الكردية ومنع أي تواجد لحزب العمال الكردستاني في تلك المناطق أمر بالغ الأهمية بالنسبة لأمنها القومي.
ويبقى السؤال الأهم ما الذي سيحدث إذا بدأت تركيا عملية عسكرية ضد القوات الكردية في سوريا؟ هل ستؤدي هذه الخطوة إلى تصعيد أكبر في المنطقة؟ في حين أن تركيا قد تجد دعما من بعض حلفائها في المنطقة، إلا أن تدخلها المباشر ضد القوات الكردية قد يضعها في مواجهة مع قوى إقليمية ودولية أخرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا.
في ظل هذه التطورات، يبقى الصراع السوري في حالة من الغموض، حيث تحاول القوى المختلفة استغلال الفرص المتاحة في ظل التحولات المستمرة.

موازين القوى الإقليمية والدولية

ويرى مراقبون أنه في حال قررت تركيا تنفيذ تهديداتها، فإن ذلك سيؤدي إلى تصعيد واضح في النزاع السوري، وهو ما قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على مستوى المنطقة. من جهة، ستجد تركيا دعما من بعض الحلفاء الإقليميين الذين يعارضون نفوذ القوات الكردية في سوريا، مثل بعض الفصائل السورية المعارضة التي تتلقى دعما من أنقرة. لكن، من جهة أخرى، قد يدخل الصراع التركي ضد الكرد في مواجهة مع قوى إقليمية ودولية أخرى، حيث تعتبر الولايات المتحدة وحلفاؤها الأكراد في سوريا شركاء رئيسيين في الحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي.
ولطالما قدمت الولايات المتحدة دعما عسكريا مستمرا لوحدات حماية الشعب الكردية خلال الحرب ضد "داعش"، ولا تزال تعتبر هذه القوات جزءا أساسيا من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. مما يعني أن أي تحرك تركي ضد هذه القوات سيضعها في مواجهة مع واشنطن، وهو ما قد يؤدي إلى توترات كبيرة بين البلدين، العضوين في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
إضافة إلى الولايات المتحدة، فإن روسيا تلعب دورا محوريا في سوريا. على الرغم من أن موسكو لم تظهر دعما مباشرا للقوات الكردية، إلا أنها قد تتبنى موقفا يهدف إلى الحفاظ على الاستقرار النسبي في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد''، والتي تشمل وحدات حماية الشعب الكردية. فإذا اختارت تركيا توجيه ضربات مباشرة إلى هذه القوات، قد تؤدي هذه الخطوة إلى تصادم مع روسيا .
ويعتبر متابعون أن أية تدخل تركي مباشر ضدّ القوات الكردية في سوريا قد يفتح الباب أمام تصعيد عسكري واسع النطاق في شمال شرق سوريا، ما سيؤدي إلى موجات جديدة من النزوح ودمار البنية التحتية، خاصة في ظل الوضع الحالي المرهق في البلاد. قد يؤدي هذا أيضا إلى تأثيرات غير مباشرة على دول الجوار، مثل العراق والأردن ولبنان، إذ أن تصعيدا في سوريا قد يجر هذه الدول إلى التورط في صراعات أكبر.
من جهة أخرى تحمل أية عملية عسكرية تركية في الشمال السوي ضد القوات الكردية في سوريا قد تؤثر أيضا على الوضع الداخلي في تركيا. في وقت يواجه فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة، قد يعزز الهجوم العسكري ضدّ الأكراد من شعبيته الداخلية في ظل الرغبة الشعبية في التصدي لما يعتبره الأتراك تهديدا إرهابيا. لكن في المقابل، قد يؤدي التصعيد العسكري إلى تصاعد الانتقادات المحلية والدولية، وزيادة التوترات بين مختلف الأطياف السياسية في الداخل التركي.
تصعيد عنيف
من جهة أخرى تواصلت أعمال القتال في شمال سوريا، بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وفصائل سورية تتبع الجيش الوطني السوري، في محاولة الجيش للسيطرة على سد تشرين وجسر قره قوزاق على نهر الفرات في ريف حلب، الذي يعد من أهم السدود المائية في سوريا، وهو ذو أهمية إستراتيجية في المنطقة.
ويخوض الجيش السوري المدعوم من تركيا، منذ عدة أيام معارك ضد الفصائل العسكرية التابعة لـ (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، استخدمت فيها أسلحة ثقيلة والطيران المسيّر، لكنها لم تتمكن حتى الآن من إخراجهم من منطقة السد.
وبحسب ''بي بي سي'' في دمشق، بلغت حصيلة المعارك 280 قتيلاً خلال الأيام الثلاثة الأخيرة أغلبهم من فصائل الجيش الوطني السوري. وأعلنت إدارة العمليات العسكرية التابعة للإدارة الجديدة في سوريا ، انتهاء الحملة الأمنية التي استمرت خمسة أيام في أحياء مدينة حمص وسط البلاد، بعد أن أعلنت عن ضبط عدة مستودعات أسلحة جرى خلالها توقيف عدد من المطلوبين المتهمين بجرائم قتل لصالح الحكم السابق.
وشملت الحملة من لم يسلموا أسلحتهم ولم يخضعوا للتسوية، كما حذرت من عمليات الأخذ بالثأر من التابعين للحكم السابق في حمص.لكن واصلت قوات إدارة العمليات العسكرية حملتها العسكرية في ريف اللاذقية، إذ دخلت قوات من إدارة العمليات منطقة المزيرعة التي تعرضت فيها قواتها لكمين في المنطقة قبل أيام، أدى إلى مقتل عدد من عناصرها.وقال مصدر من إدارة العمليات في اللاذقية إن عناصر إدارة العمليات منحوا مهلة زمنية للعناصر المسلحة في المنطقة لتسليم سلاحهم والخضوع للتسوية.
من جانبهما أصدر أكبر فصيلين مسلحين في السويداء، "حركة رجال الكرامة" و"لواء الجبل" الدرزيّان، بياناً مشتركاً أكدا فيه استعدادهما للاندماج ضمن جسم عسكري يكون نواة لجيش وطني سوري جديد. وترفض حتى الآن القوتان تسليم أسلحتهما.
فرنسا: بعض العقوبات المفروضة على سوريا "قد ترفع سريعا"
من جهته قال وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو أمس الأربعاء في تصريح إذاعي إن بعض العقوبات المفروضة على سوريا "قد ترفع سريعا".وأضاف "ثمة عقوبات مفروضة على بشار الأسد وجلادي نظامه، هذه العقوبات بطبيعة الحال لن ترفع. وثمة عقوبات أخرى تعرقل راهنا وصول المساعدة الإنسانية ما يمنع انتعاش البلاد، وهذه قد ترفع سريعا".
ومضى يقول "ثمة عقوبات أخرى أيضا هي موضع نقاش مع شركائنا الأوروبيين التي قد ترفع لكن وفقا للوتيرة التي تأخذ توقعاتنا الأمنية حول سوريا في الحسبان".
وتؤيد ألمانيا كذلك تخفيف بعض العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا على ما ذكرت مصادر دبلوماسية في برلين .وأعلنت واشنطن من جهتها الأسبوع الماضي تخفيفا موقتا للعقوبات المفروضة على سوريا "لعدم عرقلة" توفير الخدمات الأساسية.وزار بارو ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك الجمعة دمشق حيث التقيا قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع.
وقال بارو "طلبنا أن تتمثل في المرحلة الانتقالية السياسية كل أطياف المجتمع السوري ولا سيما النساء. وأطلعت على إعلان بالأمس على أن اللجنة المشكلة للحوار الوطني ستضم نساء. وكان هذا طلب صريح من جانبنا وقد تمت تلبيته".ومضى يقول "آمل أ تنجح سوريا. وهذا الرهان الأساسي في الحوار الوطني الذي سينطلق".

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115