عن حق ابناء الجنوب الشرقي في فرجة مسرحية تحترم عقل المتلقي وتلبي جميع الأذواق المسرحية.
ستة وعشرون عاما من التجريب والتجديد واللقاءات والورشات في رحاب مدينة مدنين التي اصبح مهرجانها محجا للباحثين عن فرجة مسرحية واصبح المهرجان فرصة لتجميع أبناء المدينة ومحبي الفن الرابع.
حبيب الغرابي ورؤوف ليسير: متعة التجريب التشكيلي
ينفتح المسرح على كل الفنون، منذ اليوم الاول للمهرجان تزين فضاء مركز الفنون الركحية والدرامية في مدنين بأعمال فنانين تشكيليين من ابناء الجهة للتعريف بإبداعاتهم في الرسم والنحت وملاعبة اللون والخط، احتفت دورة 2023 بالرسامين الحبيب الغرابي ورؤوف ليسير، مدرستان تشكيليتان مختلفتان في الفكرة واشتركا في المبنى والمعنى الشامل للفن.
حبيب الغرابي السينوغراف والفنان التشكيلي يمزج بين الوانه بمهارة، اغلب اعماله تنصت للانثى وطنا وفكرة، يطغى اللون الصحراوي على لوحاته، يتدرج كما حبيبات رمل تذروها رياح صيفية في ربوع الجنوب التونسي، حبيب الغرافي فنان تشكيلي له ميزته في التعامل مع اللون والفكرة، ينتمي الى المدرسة الواقعية والتجريبية، يجرّب الخط واللون والحركة وتتحول الوانه في كثير من الاعمال الى "سمفونيات" تعزف على وتر الحب والجمال.
للغرابي اعمال تشكيلة مميزة، الوان تشبه ذاته المتفردة وحركات الخط ودرجة ميلان الريشة اثناء الرسم، انسجام بين الذات الراسمة والفكرة المرسومة، والغرابي خبير بعوالم المسرح والتشكيل فهو ينقل الرسم من مجرد لوحة جامدة الى سينوغرافيا عرض مسرحي حيّ ومتحول وبينهما يقف شامخا معتدا بذاته الإبداعية، ناحتا مسارا فنيا جدا خاص يجمع بين الفنون بكل تلويناتها.
التجربة التشكيلية الثانية توغل اكثر في الرمزية ولقاء الجمهور مع لوحات رؤوف ليسير الذي يميل في لوحاته إلى الترميز، يستنجد بالمعجم الحيواني في ابداعاته التشكيلية، يميل إلى السخرية السوداء من خلال رسومات الحيوانات، ينقد الواقع والتصريحات المختلفة من خلال لوحة "صرخة الحمار" لوحة تنقل صورة رجل يجلس على طاولته نصفه السفلي لإنسان وعوّض رأسه رأس حمار فاتح فكيه، كأنها تجسيد للتصريحات الكثيرة والنقاشات المحتدة التي يعيشها التونسي ويمارسها، هي فوضى الكلام والأفكار كما رأتها ريشة رؤوف ليسير الفنان التشكيلي الموغلة أعماله في الفلسفة والنقد.
المهرجان فرصة للنقد واللقاء رغم النقائص
المهرجان الوطني لمسرح التجريب مساحة حرة للنقد والسؤال، تظاهرة موسمية ينتظرها جمهور المسرح بمدنين للنقاش وطرح السؤال واكتشاف العروض المسرحية الجديدة، مناسبة قارة للنقد وإعمال العقل والنقاش في مواضيع تهم الفن الرابع وتكشف عن كل نواقص هذا المجال،.
فالمهرجان لا يقتصر على العرض المسرحي بل تمتد النقاشات من داخل القاعة الى الاروقة الخارجية للمركب الفضائي الى المقاهي التي يحتلها جمهور المهرجان سنويا لتتحول الى فضاءات مفتوحة للتجريب والحوار "المهرجان حلم سكنني واليوم احتفي بستة وعشرين شمعة على تأسيسه، غايتنا نبيلة لنشر المسرح والحب والنقد، هو لقاء سنوي نحتفي من خلاله بحب الحياة عبر انبل الفنون وهو المسرح" كما يقول انور الشعافي مؤسس مهرجان مسرح التجريب.
مهرجان مسرح التجريب رغم تراجع جمهوره في العامين الاخيرين يبقى فرصة للقاء بين ابناء الجهة وممارسي المهنة المسرحية، اصبح المهرجان عبارة عن مختبر مصغّر للنقد وتقديم افكار ورؤى مختلفة عن الواقع، هو فرصة تحلق الذات من واقعها وتتجاوزه الى واقع منشود يكون افضل عبر المسرح والفنون، المهرجان فرصة للقاء بين محبي الفن الرابع في ولايتي مدنين وتطاوين.
واصبحت للتظاهرة اسماء قارة تواكبه سنويا، فالتجريب لا يمكن ان ينجز دون حضور الصحفي منير هلال من راديو تطاوين وعلي اليحياوي وشكري قمعون وعبد الله شبلي وكامل حداد ومحمد راشد واسماء حمزة المواكببن للفعل المسرحي في تطاوين.
التظاهرة لا يغيب عنها مراد طواهرية ابن بن قردان والمشرف على نادي المسرح بدار الثقافة بن قردان، هو فضاء للقاء بين جلال جمودي (بني خداش) وحامد محضاوي ومحمد الباشا ورشيد رحموني والاسعد جحيدر ونادية تليش وحمزة بن عون وكيلاني زقروبة، اسماء قارة لا تغيب عن التظاهرة، وفية للفكرة "التجريب جزء من روحي، هنا اشعر بانني فنانة متكاملة محاطة بالحب والفن" كما تذكر الممثلة نادية تليش المهرجان.
و"المهرجان الوطني لمسرح التجريب ناصية حلم، هو بوصلة حقيقيّة تشير إلى ضرورة زرع ورود الفن والتحرّر والفكر في ربوع هذه المدينة،.لا أقصد تحويل المهرجان إلى أيقونة مقدّسة أو مزارا نحجّ إليه كلّ سنة، بل نريده كرمزيّة مقاومة مكافحة، وكفعل ميداني ثقافي يساهم في بث الوعي ونشر القيم التحرريّة والثقافة الإبداعيّة، من أجل كسر السلطة الوحشيّة للجمود والركود والتبعيّة" حسب تعبير الشاعر والكاتب حامد المحضاوي.
انفتح على تعبيرات ابداعية اخرى فحضر الشعر وقرأ كل من ضو ضيف الله وجلال حمودي اجمل كتاباتهم واحتفى المهرجان بكاتب من ابناء الجهة لتقدم فوزية ضيف الله اخر اصداراتها "شذرات من حياة".
تطور تعامل المهرجان مع الصورة، في الدورات السابقة وقع الاكتفاء بصور ايمن السريتي التي تنزّل مباشرة على صفحة "الفايسبوك" لمركز الفنون الركحية، لكن دورة 2022و2023 اصبح التعامل مع الفيديو والصورة باكثر حرفية اذ باتت الصور مباشرة بالاضافة الى ركن "البورتريه" المصوّر الذي يستضيف يوميا وجوها من المسرحيين الموجودين اما للعرض او الفرجة ليقدموا نظرتهم عن المسرح والاعمال والمهرجان بالاضافة الى الربط المباشر واستوديو راديو مدنين بالمركز يوميا، واصبحت حلقات النقاش تبث بتقنية "الستريمينغ" على صفحة المركز بالاضافة الى ارتفاع عدد المصورين والتقنيين الذين اصبحوا مجموعة تعمل في انسجام وخلية لا تعرف "التعب" تحرص على تقديم صورة مباشرة وحينية للجمهور.
المهرجان يجمع عدد من الفنون وينفتح على تعبيرات ابداعية متباينة، في الدورة الحالية غابت اعمال ابناء الجهة كذلك التعبيرات القصيرة التي تعود الجمهور على متابعتها كما ان حفل الافتتاح لم يكن من انتاج مركز الفنون الركحية بمدنين وكانت آخر الاعمال منذ عامين "مسرحية غربة" مع الاشارة الى غياب جمهور الندوة الفكرية وهي نقاط يمكن تفاديها متى وضعت على طاولة النقد.