إيطاليا تواجه موجة غير مسبوقة من المهاجرين عبر البحر: المحور الإيطالي التونسي في طليعة مقاومة الهجرة غير النظامية

أعلنت السلطات الإيطالية أنها أنقذت 1300 مهاجرا غير نظامي تم إيواؤهم يوم السبت 11 مارس الماضي في مواني كروتون وريجيو كلابريا وأوغستا

جنوب إيطاليا. وكان الرأي العام الإيطالي قد عبر عن غضبه وألمه لموت 76 مهاجرا إثر غرق باخرتهم قبل أسبوعين وجلهم قادمون من إيران وأفغانستان فرارا من القمع والملاحقة وبحثا على مكان آمن في أوروبا. وفتح القضاء تحقيقا عدليا حول عملية الإغاثة وشبهات التراخي في تقديم الإسعاف.

وعبر الرئيس الإيطالي سرجيو متاريلا عن رغبته في أن "يلتزم المجتمع الدولي بإزاحة أسباب الهجرة المتمثلة في الحروب والقمع والإرهاب والفقر". من ناحيتها قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فن در لاين أنه من الضروري التقدم في اصلاح المنظومة القانونية الأوروبية وخاصة ميثاق الهجرة واللجوء وخطة العمل في وسط البحر الأبيض المتوسط والتي من شأنها المساعدة في الحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية. أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش فذكر في تغريدة له على شبكة تويرتر أن "كل كل شخص يرغب في حياة أفضل لا بد أن يكون له الحق في الأمن والكرامة" وطالب بإرساء "معابر آمنة وقانونية للمهاجرين وطالبي اللجوء".

مشكلة متفاقمة
لا تشاطر حكومة جورجيا ميلوني المنبثقة عن تحالف اليمين المتطرف والوسط الليبرالي فكرة "معابر آمنة" بل انطلقت في البداية في غلق الموانئ الإيطالية أمام بواخر الإنقاذ التابعة للجمعيات الإنسانية الأوروبية التي تنقذ المهاجرين في أعماق البحر. ثم أقدمت، أمام الضجة السلبية في أوساط واسعة في أوروبا، على عمليات "فرز" المهاجرين وترحيل البقية إلى بلدان أوروبية أخرى. وتمكنت رئيسة الحكومة الإيطالية خلال المجلس الأوروبي الأخير من فرض وجهة نظرها على المجلس الذي أقر بالعمل على اصلاح السياسات الأوروبية في توجه نحو اقتسام عدد اللاجئين الواردين على أوروبا عبر التراب الإيطالي.
وحسب ما ورد من وزارة الداخلية الإيطالية وصل عدد الوافدين عبر بواخر الموت إلى التراب الإيطالي 17592 مهاجرا منذ غرة جانفي 2023 مقابل 5976 في نفس المدة من عام 2022 و5995 لنفس الفترة من سنة 2021 أي بمعدل ثلاثة أضعاف ما كانت عليه الأمور من قبل. وقد وفد جلهم من التراب التونسي الذي أصبح البوابة الرئيسية للهجرة غير النظامية، منذ أن أغلقت منظمة "فرونتاكس" الأوروبية جل المعابر الليبية. أما نفس المنظمة الأوروبية التي تسهر على حماية الحدود الخارجية للاتحاد فإنها اعتبرت أن عدد المهاجرين غير النظاميين ارتفع بنسبة 116% خلال شهري جانفي وفيفري مقارنة بعام 2022.

المحور الإيطالي التونسي

وأوردت السلطات الإيطالية انباء حول دخول 18000 تونسي بصورة غير قانونية للتراب الإيطالي خلال سنة 2022. وكانت إيطاليا قد طالبت السلطات التونسية منذ مدة بالعمل على إيقاف موجات الهجرة غير النظامية المنطلقة من التراب التونسي. وقدمت روما في هذا الصدد مساعدات للبحرية التونسية بضمان صيانة باخرتين. وتعمل السلطات الإيطالية على إرساء آليات مشتركة مع تونس لمقاومة هذه الظاهرة في شكل "مقايضة" : مقاومة الهجرة غير النظامية مقابل الاستثمار.
وكانت الزيارة الدبلوماسية إلى تونس التي قام بها فريق حكومي إيطالي في 18 جانفي الماضي والتي شارك فيها وزير الخارجية أنطونيو تاجاني ووزير الداخلية ماتيو بيانتيدوزي قد ركزت على فكرة أن "إيطاليا وتونس تعانيان معا" من ظاهرة الهجرة غير النظامية وأنه لا بد من حل المشكلة "من جذورها". وأكد الوفد خلال لقائه بالرئيس قيس سعيد أن إيطاليا مستعدة لرفع عدد المهاجرين النظاميين إلى إيطاليا" وادماجهم في مجالي الفلاحة والصناعة، من ناحية، ودعم تواجد مؤسسات إيطالية في تونس، من ناحية أخرى" لدعم الاستثمارات والنمو بتنظيم منتدى خاص بذلك في الأسابيع القادمة.
في المقابل تشترط روما أن تتخذ السلطات التونسية الإجراءات اللازمة لمقاومة ظاهرة الهجرة غير النظامية وتفكيك الشبكات الإجرامية التي تدير موجات العبور إلى التراب الإيطالي. الأخبار الواردة يوميا حول عمليات منع زوارق الموت من اجتياز الحدود البحرية الوطنية من قبل البحرية التونسية وإيقاف عدد هام من المهربين والمهاجرين تشير إلى تجاوب السلطات التونسية. لكن أوساط واسعة في إيطاليا تعتبر أن تونس، بالرغم من المجهودات التي تقوم بها حاليا، لا يمكنها لوحدها حل هذا المشكل. و أن التصريحات الأخيرة للرئيس قيس سعيد حول المهاجرين من جنوب الصحراء الإفريقية أدخلت بلدان جنوب أوروبا والبلدان الإفريقية في جدل يمكن أن يتحول إلى عقبة أمام إرساء استراتيجية مشتركة للقضاء على ظاهرة الهجرة غير النظامية خاصة أن تونس تعاني من مشكلة معقدة و متعددة الجوانب تتسع إلى هجرة الأدمغة وقضية المفقودين و حل مشاكل البطالة داخليا.
وما تخشاه السلطات الإيطالية أن تجد نفسها، حسب المؤشرات الجديدة للهجرة، مع حلول موسم الربيع في مواجهة أعداد متزايدة من الزوارق والبواخر في ظروف مناخية مواتية لعبور البحر المتوسط بسهولة. وتبقى الطريق طويلة أمام ما تمناه وزير خارجية إيطاليا أنطونيو تاجاني في "تمكين الشبان الأفارقة من الحلم في ديارهم" بعيدا عن الفضاء الإيطالي والأوروبي.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115