مخاطر تهدد العيش المشترك في تونس : لنضع حدا للعبث

المفارقة أن هناك اليوم شبه إجماع على ان تونس تعيش أزمة متعددة الجوانب، يختلف تمثل كل طرف وأنصاره لهذه الأزمة وعن

المسؤول عنها وما الحلول الممكنة لتجاوزها، وفق تموقعه السياسي والإيديولوجي الذي بات اليوم احد عناصر الأزمة التي تدفع للسؤال حول ما اذا كان الحد الأدنى المشترك الجامع بين التونسيين على اختلافهم لازال قائما.
فلو تجاوزنا الصراعات السياسية التي طغت على كل مظاهر الحياة اليومية وبحثنا عن إجابة في هذا السؤال لدى كل الفاعلين لمعرفة اذا ما كنا – كتونسيين- نريد فعلا العيش المشترك؟ وأي قواعد تنظم هذا العيش ؟ .
في ظل الأوضاع الراهنة- سياسيا واقتصاديا واجتماعيا- قد نقف عند التناقض والانقسام الحادين بين التونسيين و طغيان ثنائية الخير والشر- هم ونحن- في التعاطي مع الشأن العام و التي تقود في النهاية إلى نزعة إقصائية تعتقد بان الخلاص الجماعي غير ممكن إلا بالقضاء على الأخر المختلف.
اذ قذفت اختلافاتنا اليوم بالجميع إلى مربع العداء والتخوين المتبادل بشان جل القضايا والملفات المطروحة – حول الوطنية والسيادة، النظام الديمقراطي ودولة القانون ومنوال التنمية اقتصادية وهويتنا ..الخ. ويتجلى هذا بشكل واضح في المشهد السياسي وفي منصات التواصل الاجتماعي ويتقاطعان في الترويج إلى أن سبيل الخلاص هو القضاء التام على الخصوم والأعداء وانه لا مجال للتعايش مع الأخر المختلف أو تقاسم الفضاء العام معه . وهذا لا ينسف فقط أسس النظام الديمقراطي القائم على قواعد لإدارة التناقضات وحسمها بطريقة سليمة ومؤقتة. بل يهدم كل مقومات العيش المشترك الذي يرتكز على منظومة من القيم المتكاملة وبنية تعاقدية دستورية و قانونية تحدد كيفية إدارة الاختلاف و التناقض وتضبط دور المؤسسات في هذه العملية .
في اطار فعل جماعي يلاحق حلما مشتركا. ان المشهد اليوم – على ما فيه- ليس سلبيا في مجمله، إذ يوفر فرصة لجميع التونسيين لمساءلة ما يعتبر من البديهيات في المجتمع وإعادة ترتيبها لتحقيق تطلعات التونسيين في "حلم مشترك" من خلاله تتحقق ذواتهم في ظل المجموعة التي لا يطغى وجودها على الفرد.
حلم يؤطره عقد اجتماعي جديد قائم على ثلاثية الهوية التونسية والنظام الديمقراطي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الإدماجية والمستدامة، حلم يقطع بنا خطوات في مسار تحديث الدولة والمجتمع لتحقيق مفهوم العيش المشترك أو "التآنس" وفق تعريف ابن خلدون الذي يفصله فتحي التركي وينتقل به إلى مفهوم جمالي يكمن في قدرة الإنسان على تغيير طبيعته الاجتماعية إلى طبيعية اجتماعية عقلانية تؤدي إلى توافق ممكن بين الأشخاص على الحق في الاختلاف كأرضية للعيش المشترك يحقق الكرامة والحرية للفرد . دون هذا الحلم/ المشروع المشترك سنكون أمام تراكم كل عناصر الانهيار السريع للدولة وللمجتمع التونسي، والتي تغذي النزوع إلى الحلول الفردية وتقطع روابط الانتماء الى الدولة والمجموعة، فنحن اليوم في المرحلة السابقة لتفكك الدولة وتحللها. والمطروح هنا على الجميع تدارك الوضع طالما أن الانهيار لازال بطيئا في بداياته ولم يبلغ بعد مرحلة صراع الكل ضد الكل بكل تفاصيلها التي تحيي انتماءات ما قبل الدولة.
وهنا المخرج واضح لا نحتاج إلى إعادة اكتشافه، وهو الحوار العقلاني الباحث عن تعزيز المشترك وصياغة مشروع جامع يوحد جل التونسيين ويحيي لديهم الأمل بالغد الأفضل لهم ولأبنائهم وبناتهم

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115