مشروع القانون عدد 23 (تشغيل من طالت بطالتهم): هل يكفي النص لإصلاح الواقع؟

قدّمت لجنة التخطيط والتنمية المستدامة بمجلس نواب الشعب

تقريرها المتعلّق بمشروع قانون انتداب خريجي التعليم العالي ممّن طالت بطالتهم، مع توصية بتعجيل عرضه على الجلسة العامة للمصادقة عليه.

وبذلك يقترب مشروع القانون عدد 23 لسنة 2023 من آخر مراحله التشريعية، وسط مؤشرات على أنّه لن يواجه عراقيل جوهرية تُسقطه، نظرًا لحمله شعار «الإنصاف الاجتماعي»، وتوجّهه إلى فئة من التونسيين ظلّت خارج سوق الشغل رغم حيازتها على شهائد جامعية.

في ظاهره، يبدو المشروع خطوة نحو ردّ الاعتبار لهذه الفئة المهمّشة، لكن كما يُقال في المثل الفرنسي «الطريق إلى الجحيم معبّدة بالنوايا الحسنة». فالمقترح، وإن استند إلى مطالب اجتماعية مشروعة، فانه تغافل عن حقيقة خرق مبدأ دستوري وهو المساواة، بما في ذلك مبدأ النفاذ إلى الوظيفة العمومية على أساس الكفاءة والتكافؤ.

فالقانون، في صيغته المعدّلة والمكوّنة من ثمانية فصول، حافظ على تخصيص حوالي 3000 انتداب استثنائي لفائدة من تجاوزت بطالتهم عشر سنوات، تمتدّ على ثلاث سنوات، مع إسقاط شرط المناظرة الوطنية المفتوحة وتعويضها بآلية الفرز بالملفات.

تبرير هذا التوجه تحت عنوان التمييز الإيجابي لفائدة فئة اجتماعية تعاني التهميش، لا يسقط انه يمسّ من أسس الشفافية والجدارة، او انه يكرّس منطق الاستثناء الفئوي، وهو منطق طالما تم انتقادُه من قبل نفس الأطراف التي تتبنّاه اليوم، وانه خطوة في طريق تفاقم مظاهر اللامساواة داخل الجهاز الإداري.

هذا المشروع يرسخ مفارقة تتمثل في أنّ بعض مؤسسات الحكم في تونس، ومنها الوظيفة التشريعية، ما زالت تتمسك بفكرة أنّ الحل القانوني قادر بمفرده على معالجة أزمات هيكلية معقّدة، كأزمة سوق الشغل، عبر سنّ قانون استثنائي لا يشمل سوى بضعة آلاف، دون أن يكون له أثر فعلي في معالجة عمق الأزمة.

هنا حسن نوايا المُشرّع لا تكفي معالجة أزمة التشغيل في ظل استمرار التباين بين مخرجات الجامعة وحاجيات السوق، بل هي ستفاقم من أزمة إدارة مثقلة بالبيروقراطية، وتعقد وضع المالية العمومية، فاية مقاربة تعول على النص القانوني دون تخطيط أو تقييم جدوى، ستُفاقم الوضع بدل إصلاحه.

هذا المسار، القائم على قناعة ضمنية بأن النص التشريعي قادر على حلّ كل الأزمات، هو اعلان ضمني بان العقل التونسي بات يُقصي أدوات التحكيم والتخطيط وتقييم الأثر، لصالح استجابة ظرفية تغلب فيها الاعتبارات الاجتماعية على منطق النجاعة والمردودية.

وما يثير الانتباه هو أنّ تمرير هذا المشروع قد يُقبر أي أمل في إطلاق إصلاح هيكلي شامل، ويُرسّخ منطق التسوية الاجتماعية المؤقتة لتهدئة الأوضاع، عوض المضي في الخيارات الصعبة والضرورية. ومع غياب معايير واضحة للانتقاء والتكوين، كما يخشى أن يتحوّل المشروع إلى بوابة جديدة لإنتاج الزبونية والمحسوبية، تحت غطاء العدالة الاجتماعية.

مثل هكذا توجه هو انعكاس لخلل متكرر في مقاربة الأزمات الهيكلية من قبل السلطات التونسية عبر اللجوء إلى أدوات تشريعية لتسوية مشاكل اقتصادية واجتماعية معقدة، دون إخضاعها لتقدير موضوعي أو لقراءة دقيقة لتكاليفها ومردوديتها. فالإشكال لم يعد عدد الموظفين، بل مدى فاعليتهم، وارتباطهم الحقيقي بالوظائف الحيوية للدولة.

وهو ما يعيدنا إلى المربّع الأول، والى ضرورة بناء سياسة عمومية قائمة على التحكيم الرشيد، وربط التوظيف بالإنتاجية، والتكوين بالحاجيات، والتشريع بالإصلاح لا بالترضية.

فلا يمكن إصلاح ما هو بنيوي بأدوات ظرفية، ولا إنقاذ الدولة من أعطابها العميقة إلا بالاعتراف بأن العدالة الاجتماعية لا تتحقق بالاستثناءات

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115