صراع على تمثيل الرئيس ومساره: تحوّل الرمزية إلى فوضى

في المشهد التونسي، ومنذ 2021 بات من النادر أن تم

رّ مناسبة أو لحظة سياسية دون أن يُطرح السؤال المؤجّل: من يُمثّل الرئيس قيس سعيّد؟ والمقصود هنا، ليس من يُمثّل شخصه فقط، بل من يمثل مساره السياسي ويُعبّر عنه، من التيار أو التنظيم اللذي يؤطّر هذا المسار ويحوّله من شعارات إلى مشروع سياسي متكامل.

هذا السؤال يُطرح بإلحاح كلما تصاعد التنافس بين أطراف عديدة، تدّعي جميعها تمثيل «المسار»، وتزعم أنها الأجدر بتحويل رؤى الرئيس إلى مشروع سياسي منظم.وهو ما تكرر اثر الاعلان عن تأسيس حزب جديد باسم «حركة أوفياء للوطن»، يُعلن مساندته المطلقة للرئيس ويرى في نفسه تجسيدًا سياسيًا للمسار، وهو ما نتقده احمد شفتر وسخر منه في تدوينات نشرها على حسابه على «فايسبوك».

جدل من يمثل الرئيس يُطرح على الرغم من وضوح موقف الرئيس المعلن مرارًا، رفضه القاطع للأجسام الوسيطة، وتحفّظه على تأسيس حزب أو الالتحاق بأي إطار تنظيمي تقليدي. وهو ما ينتقده أنصاره اللذين يرون الأمور من زاوية مختلفة.

فبالنسبة الى جزء منهم، المسار قد تحوّل فعلًا إلى واقع سياسي منذ 25 جويلية 2021، ولا يمكن أن يظلّ معلقًا في الفضاء السياسي دون حامل هيكلي. اي إن غياب تنظيم سياسي يساند او يتبنى مشروع الرئيس سعيد، في نظرهم، لا يُعبّر عن طهارة سياسية، بل عن أزمة تمثيل بنيوية قد تُهدد بانهيار المشروع نفسه، إمّا بسبب انعدام الدعم المؤسساتي، أو نتيجة الفوضى الرمزية التي تسمح لأيٍّ كان بادّعاء تمثيل الرئيس، ما يفتح المجال لتشويش متعدد المصادر على الرسالة السياسية.

هذه الفوضى الرمزية عبّرت عن نفسها مؤخرًا من خلال تدوينات نشرها أحمد شفتر، منسّق حملة سعيّد في 2019، ردًا على خبر استقالة نائبة برلمانية وتداول نية تأسيس حزب جديد. كما سخر من تصريح إحدى قيادات حزب «حركة اوفياء»، والتي دعت التونسيين للانخراط في حزبها مقابل اشتراك رمزي بخمس دنانير. وهو ما يبرز احتدام الصراع حول من يملك تمثيل «المشروع الرئاسي».

اذ منذ لحظة 25 جويلية، تشكّل مجال مناصر للرئيس، يمكن تقسيمه إلى ثلاث قوى أو «عائلات سياسية» متباينة، أنصار الرئيس الأصليون من منسّقي حملته وتنسيقياته الجهوية – وهم ما يمكن تسميتهم بجمهوره النقي، الذين يرون في أنفسهم أصحاب الشرعية الأولى، باعتبارهم رافقوا الرئيس في حملته الانتخابية سنة 2019 من دون دعم حزبي، ولا تمويل، ولا تنظيم تقليدي. هؤلاء يعتبرون أنفسهم التعبير الأصدق عن المشروع والفكرة. لكن مع مرور الوقت، انسحب كثيرون منهم من الواجهة، وتواروا عن الأنظار، وبقي حضورهم أقرب إلى المبادرة الفردية من الفعل السياسي المؤسسي، ما قلّل من قدرتهم على التأثير في المسار ودفعهم للعب دور البوصلة الاخلاقية.

أما القوى الثانية، فهي الأحزاب التي تاسست قبل لحظة 25 جويلية، كانت تضم حركة الشعب قبل انسحابها من حزام دعم الرئيس، ولكنها اليوم لتزال تظم شق من حزب الوطنين الدمقراطيين الموحد وحزب تونس إلى الأمام. ما يميز هذه الاحزاب انها ذات مرجعيات فكرية وايديولوجية ساندت الرئيس دون أن تكون جزءًا من حملته ومشروعه.

هذه الاحزاب تتمسك بأنها تتقاطع مع الرئيس في مساره وتعتبر انها تعبر عن المسار لا عن الرئيس، ولكنها في المقابل ترى ان المسار يواجه ازمة تهدده بسبب غياب الاطار التنظيمي القادر على التعبير عنه وعلى لعب دور رافعة او حزام حزبي للرئيس ومشروعه السياسي. فهذه الاحزاب حرصت طوال هذه السنوات على ان تقدم دعمها على انه تقاطع مع خطاب الرئيس حول السيادة الوطنية، والعدالة الاجتماعية، والنقد الجذري للمنظومة السابقة.

أما القوة الثالثة، فهي الأحزاب والتنسيقيات التي وُلدت من رحم لحظة 25 جويلية، والتي تعتبر نفسها الوريث الشرعي والعضوي للمسار، بحجة أنها نشأت استجابة لقرارات الرئيس وتحت تأثيره السياسي المباشر. يُعلن رموزها دعمهم غير المشروط للرئيس، ويزعم بعضهم التنسيق المباشر مع رئاسة الجمهورية، رغم غياب أي اعتراف رسمي بذلك. لكن هذه الكيانات تعاني من ارتباك تنظيمي واضح، وتضارب في الخطاب، وانعدام هيكلية داخلية واضحة.

في قلب هذا المشهد، يواصل الرئيس قيس سعيّد السير وفق ما يبدو أنه «استراتيجية الصمت». لا يبارك أي طرف، ولا يندّد بأي جهة، ويترك الصراع مفتوحًا بين المتنافسين على تمثيله. قد يكون ذلك تعبيرًا عن رؤية قصووية للشرعية المباشرة، القائمة على ان السلطة لا تحتاج وسطاء لتمثيل إرادة الشعب. وقد يكون أيضًا خيارا سياسيا يتجنب فيه الرئيس تقليص قائمة انصاره.

لكن مهما كانت هذه الاستراتيجية فإنها تنطوي على خطر، اذ ان المشاريع السياسية لا تعيش على النوايا، بل تحتاج إلى أدوات، وهياكل، وقدرة على التمدّد السياسي والمؤسساتي. وغياب هذه العناصر يُضعف مشروع الرئيس ويربك المشهد

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115