نتنياهو: مناورة بين الضغوط وصراع البقاء

بينما تتواصل المفاوضات غير المباشرة بين "إسرائيل" وحركة حماس

بوساطات إقليمية ودولية، حول صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، يجد رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، نفسه محاصَراً بجبهات متشابكة: ضغوط داخلية من شركائه في اليمين والشارع داخل الاحتلال الإسرائيلي، وضغوط خارجية من الإدارة الأمريكية.
في هذا السياق، يبدو أن نتنياهو يفضّل المناورة على اتخاذ القرار، ويُروّج لروايتين متناقضتين، في محاولة للبقاء في الحكم دون أن يدفع الثمن سياسياً.
وفقاً للمحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، فإن نتنياهو يتّبع سياسة ذات وجهين: من جهة، يُحذّر واشنطن من أن أي صفقة شاملة تنهي الحرب قد تؤدي إلى سقوط حكومته، ومن جهة أخرى، يطمئن حلفاءه في اليمين المتطرف بأنه يستطيع استئناف الحرب بعد فترة تهدئة تمتد لستين يوماً، “لتحقيق أهداف الحرب، وفي مقدمتها هزيمة حماس”.
هذا التناقض ليس طارئاً، بل يعكس مناورة مدروسة لكسب الوقت، خصوصاً مع قرب دخول الكنيست عطلته الصيفية نهاية الشهر الجاري، والتي تمتد حتى أكتوبر، مما يمنحه هامشاً أوسع للمناورة دون القلق من حلّ الائتلاف أو التوجه إلى انتخابات مبكرة.
في السياق الأمريكي، تشير التقارير إلى أن الرئيس دونالد ترامب يُبدي تأييداً واضحاً لنتنياهو، رغم الصعوبات التي يواجهها. وقد تجلّى ذلك في زيارة غير معتادة لمايك هاكابي، أحد أبرز حلفاء ترامب، إلى محكمة نتنياهو في تل أبيب، حيث يُحاكم بقضايا فساد. وبحسب هرئيل، لم تكن الزيارة محض صدفة، بل جاءت بإيعاز مباشر من ترامب، كرسالة دعم سياسي ونفسي لنتنياهو، وتشجيع له على التوصل إلى اتفاق بشأن الصفقة.
رغم ذلك، يتعامل نتنياهو مع الضمانات الأمريكية بعدم تجدد الحرب باعتبارها “تفصيلًا هامشياً”، ويؤكد أنها لن تُقيّد إسرائيل فعلياً، ما يفضح رغبته في إبقاء الباب مفتوحاً أمام استمرار حرب الإبادة الجماعية.
وعلى الجبهة الداخلية، لا تبدو الأمور أكثر استقراراً. فنتنياهو يواجه انتقادات متزايدة من الرأي العام بسبب فشل الحكومة في تمرير قانون إعفاء الحريديين من الخدمة العسكرية، وسط استياء واسع من استمرار امتيازاتهم، في وقت يُقتل فيه جنود أسبوعيًا في غزة، وتُسجّل حالات انتحار في صفوف العائدين من القتال.
وعلى الرغم من تصعيد حزبي “شاس” و”يهدوت هتوراه”، إلا أن استقرار الائتلاف لم يتأثر بعد. لكن إذا تصاعدت الضغوط، قد يُضطر نتنياهو لتقديم موعد الانتخابات، رغم أنه يفضّل الانتظار حتى ربيع 2026، وفق تقديرات محللين.
اللافت أن نسبة التأييد في دولة الاحتلال لصفقة الأسرى وإنهاء الحرب قد ارتفعت مؤخراً، وسط دعوات متزايدة لتشكيل لجنة تحقيق رسمية حول إخفاقات السابع من أكتوبر، ما يزيد من الضغوط على نتنياهو ويُضيّق هامش المناورة أمامه.
وينقل هرئيل عن ضباط في جيش الاحتلال الإسرائيلي أن العمليات الجارية في قطاع غزة باتت تفتقر إلى هدف عسكري تقليدي.
يتضح من ذلك أن المهمة الأساسية لقوات الجيش هي تأمين عمليات الهدم التي تنفذها جرافات ومعدات ثقيلة لشركات مقاولات، حيث يتقاضى المقاولون أجوراً بناءً على عدد البيوت المدمرة، وقد مُنح الضباط حرية التصرف في تدمير أكبر قدر ممكن من المباني لزيادة أرباح الشركات.
بهذا، تبدو الحرب في غزة وفق هذا الوصف عملية اقتصادية مربحة للشركات الإسرائيلية، في سياق تدمير ممنهج واستراتيجي، يهدف إلى تحقيق أهداف الإبادة وفي مقدمتها التهجير القسري.
في نهاية المطاف، يكشف هذا المشهد ان نتنياهو عالق بين الحسابات الداخلية والسياسات الكبرى، بين شبح محاكمة قد تطيح به، وضغوط داخلية متصاعدة، وتحالفات خارجية متقلّبة.
نتنياهو لا يسعى إلى حسم الحرب، بل يحارب من أجل بقائه السياسي والسيطرة العسكرية على القطاع.
صفقة الأسرى، وإن تمت، لن تُنهي المأساة الفلسطينية، ما دامت الساحة الفلسطينية منقسمة وغير مدركة لخطورة النتائج الكارثية على القضية. وإسرائيل، التي ترفض الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، تواصل حرب الإبادة في قطاع غزة، بينما لا تقلّ الضفة الغربية خطورة في ظل التصعيد والتهجير والاستيطان.

بقلم :مصطفي إبراهيم 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115