فيما مواقف العواصم الأوروبية تتغير تجاه حرب الإبادة: نداء أخير من "الصحة العالمية" لوقف الكارثة الإنسانية في غزة

بعد أكثر من 15 شهرا من الإبادة ومع استشهاد نحو 60 الف في غزة ،

بدا لافتا حدوث تغير في مواقف الدول الأوروبية . فلأول مرة تهدد عديد الدول الأوروبية بمراجعة علاقتها مع إسرائيل وذلك في لحظة فارقة من تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويقف العالم على مشهد إنساني بالغ القسوة في قطاع غزة مئات الآلاف تحت الأنقاض ، أعداد غير مسبوقة من الشهداء، وأطفال يموتون جوعا، ومستشفيات تنهار فوق من تبقى فيها من أطباء ومرضى. غزة، التي توصف اليوم بأنها "مقبرة الصمت الدولي"، أصبحت في مركز مشهد دولي محتدم، قد يعيد رسم قواعد المساءلة والمحاسبة في القانون الدولي ضدّ المحتل الغاصب.

ولم تعد الاتهامات الموجهة لإسرائيل فقط من قبل الشارع العربي أو منظمات فلسطينية أو منظمات دولية. بل جاءت هذه المرة من دول غربية ومؤسسات حقوقية دولية. فمحكمة العدل الدولية تنظر في دعاوي تطالب بمحاسبة إسرائيل على سياسات التجويع المتعمدة ضد أكثر من مليوني مدني في غزة، عبر منع دخول الغذاء والماء والدواء منذ بداية شهر مارس 2025، بل وتدمير البنية التحتية للحياة بحرب إبادة مستمرة منذ أكتوبر 2023.
ما يلفت الانتباه أن هذه الاتهامات تتقاطع مع تقارير موثقة من منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية"، التي قالت إن سياسات ''إسرائيل'' ترقى إلى "الإبادة الصامتة" عبر "سلاح الجوع" .
خلال الأشهر الأخيرة، بدا أن مواقف العواصم الأوروبية بدأت تتجاوز عبارات القلق التقليدية. برلين وباريس وأوسلو ولندن، كلها أعربت علنا عن "صدمتها" من فظاعة الصور الخارجة من غزة. لكن الأهم من التصريحات، هو التحرك القانوني والدبلوماسي فقد دعمت فرنسا وايرلندا وإسبانيا علنا جهود محكمة العدل الدولية. أما الاتحاد الأوروبي فقد دعا في بيان رسمي إلى "الرفع الفوري للحصار" والسماح غير المشروط بدخول المساعدات. بدوره ناقش البرلمان الأوروبي لأول مرة اقتراحا لفرض عقوبات اقتصادية على ''إسرائيل'' إن لم تستجب لنداءات إنسانية عاجلة.
وفي خطوة غير مسبوقة، أعلنت المملكة المتحدة تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، وذلك على خلفية التصعيد العسكري الأخير في قطاع غزة. هذا القرار يأتي في وقت حساس، حيث تتزايد الضغوط الدولية على إسرائيل بسبب الأوضاع الإنسانية المتدهورة في القطاع.
وأعلن وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، عن تعليق المفاوضات مع إسرائيل، مؤكدًا أن هذا القرار جاء نتيجة لتصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 500 شخص خلال الأيام الثمانية الماضية، وفقا للمصادر الطبية المحلية. كما أشار إلى أن الحصار المفروض على القطاع منذ مارس 2025 أدى إلى نقص حاد في الإمدادات الأساسية، مما يهدد بحدوث مجاعة.
في رد فعل رسمي، وصف وزير الخارجية الإحتلال الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، القرار البريطاني بأنه "مخيب للآمال" و"يضر بالعلاقات بين البلدين". وأضاف أن إسرائيل ستواصل الدفاع عن أمنها القومي، معتبرا أن مثل هذه القرارات لن تؤثر على موقفها الثابت في مواجهة التحديات الأمنية.
ويُعتبر هذا القرار تحولا ملحوظا في السياسة البريطانية تجاه إسرائيل، حيث كانت المملكة المتحدة تُظهر تقليديا دعما قويا لإسرائيل. إلا أن التصعيد الأخير في غزة، وما رافقه من انتقادات دولية، دفع لندن إلى إعادة تقييم علاقاتها التجارية مع تل أبيب.

من جهة أخرى، يُظهر هذا القرار تزايدا في الضغوط الدولية على إسرائيل، خاصة من قبل حلفائها التقليديين. ويُعتقد أن المملكة المتحدة تأمل من خلال هذه الخطوة إلى دفع إسرائيل إلى إعادة النظر في سياساتها في غزة والامتثال للقانون الدولي.يُعد تعليق المملكة المتحدة لمفاوضات التجارة مع إسرائيل خطوة دبلوماسية هامة قد يكون لها تأثيرات بعيدة المدى على العلاقات بين البلدين.
رغم كل الجهود ، يبقى السؤال الملح معلقا. هل ستؤدي هذه التحركات إلى محاسبة حقيقية؟ أم أن إسرائيل، كما في مرات سابقة، ستنجو من العقاب؟ الجواب مرهون بمدى قدرة المجتمع الدولي على تحويل الغضب إلى قرارات ملزمة، وعلى إخراج ملف غزة من أرشيف الأزمات المزمنة إلى واقع الحلول العادلة.
ويرى محللون أن ما يحدث في غزة ليس فقط اختبارا لضمير العالم، بل هو اختبار لمفهوم القانون الدولي نفسه.
نظام صحي ينهار
وفيما تتسابق الجرافات الإسرائيلية لإزالة آخر ما تبقى من البنية التحتية، صرح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن "النظام الصحي في غزة قد تجاوز نقطة الانهيار".
لم يكن تحذير غيبريسوس رسالة استغاثة فقط ، بل وثيقة إدانة صريحة للواقع المأساوي الذي باتت تعيشه المرافق الطبية الفلسطينية تحت الحصار والقصف المتواصل.تصريحات غيبريسوس، التي نُشرت عبر منصة "إكس" مساء الأربعاء، جاءت لتؤكد ما كانت تقارير محلية ودولية قد نادت به منذ أسابيع أنّ النظام الصحي في غزة لم يعد فقط على شفا الانهيار، بل أصبح خارج الخدمة فعليا في كثير من المناطق.
وبحسب ما ورد، فإن العمليات البرية الإسرائيلية الأخيرة، المصحوبة بطلبات إخلاء جماعية لسكان مناطق شاسعة، وضعت عشرات المنشآت الصحية إما داخل مناطق الإخلاء أو على مقربة مباشرة منها. من بين هذه المنشآت ومستشفيات رئيسية مثل الإندونيسي وكمال عدوان والعودة، ومستشفيان إضافيان و4 مستوصفات و6 نقاط صحية قريبة من مناطق الخطر .ومجمع ناصر الطبي ومستشفى شهداء الأقصى و17 نقطة صحية أيضا مهدّدة بشكل مباشر.
هذا التمدّد العسكري الإسرائيلي داخل القطاع، لم يُبْقِ أي فسحة للعمل الإنساني، حيث أصبح العاملون الصحيون والمرضى محاصرين، ليس فقط بالنار، بل بانعدام الإمكانيات وانقطاع الإمدادات.
النداء الذي أطلقه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية لم يكن الأول، لكنه حمل هذه المرة لهجة أكثر حدة، وأكثر مباشرة. فقد دعا صراحة إلى الحماية الفورية لجميع المرافق الصحية والعاملين فيها ، وقف استهداف المستشفيات والمراكز الصحية ووقف إطلاق النار فورا، كشرط أساس لإعادة الحياة إلى القطاع الصحي .
ويأتي هذا التحذير في وقت أعلنت فيه المنظمة عن فشل متكرر في إيصال الإمدادات إلى غزة بسبب العمليات العسكرية وغياب ممرات إنسانية آمنة، وهو ما وصفه غيبريسوس بأنه "كفيل بتعطيل عمل أي مستشفى مهما كانت قدراته".
53 ألفا و655 حصيلة شهداء الإبادة
أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، أمس الأربعاء، ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين لحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية إلى "53 ألفا و655 شهيدا و121 ألفا و950 مصابا" منذ 7 أكتوبر2023.
جاء ذلك في "التقرير الإحصائي اليومي لعدد الشهداء والجرحى جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة"، والصادر عن الوزارة.وقالت الوزارة: "وصل مستشفيات قطاع غزة 82 شهيدا، و262 مصابا خلال 24 ساعة الماضية".
وذكرت أن "حصيلة الشهداء والإصابات منذ (استئناف إسرائيل للإبادة) في 18 مارس 2025 بلغت 3 آلاف و509 شهداء، و9 آلاف و909 مصابا".وبناء على ذلك، أعلنت الوزارة "ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 53 ألفا و655 شهيدا و121 ألفا و950 مصابا منذ السابع من أكتوبر 2023".
وأشارت إلى أنه "ما زال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم".ومطلع مارس الماضي، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حركة حماس وإسرائيل بدأ سريانه في 19 جانفي 2025، بوساطة مصرية قطرية وإشراف أمريكي.
وبينما التزمت حماس ببنود المرحلة الأولى، تنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، من بدء مرحلته الثانية استجابة للمتطرفين في ائتلافه الحاكم، وفق إعلام عبري.واستأنفت إسرائيل منذ 18 مارس الماضي جرائم الإبادة عبر شن غارات عنيفة على نطاق واسع استهدف معظمها مدنيين بمنازل وخيام تؤوي نازحين فلسطينيين.
عباس يطالب برفع الحصار عن غزة
وطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس المجتمع الدولي إلى التدخل من أجل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية هناك.
وقال عباس ، في بيان أوردته وكالة الأنباء الرسمية (وفا) أمس الأربعاء ، إن استمرار الحصار المفروض على القطاع يعمق الأزمة الإنسانية، مطالبا بفتح المعابر والسماح بإدخال الإمدادات الطبية والغذائية عبر البر والبحر والجو.
كما دعا إلى وقف العمليات العسكرية في القطاع، والإفراج عن المحتجزين، وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلية، مؤكدا استعداد السلطة الفلسطينية لتحمل المسؤوليات الإدارية في غزة.وأشار الرئيس الفلسطيني إلى أن هذه الخطوات تمثل مدخلا ضروريا لإعادة إعمار القطاع، واستئناف الجهود السياسية نحو حل الدولتين استنادا إلى قرارات الأمم المتحدة.
وأضاف أن فلسطين تتطلع إلى أن يسهم المؤتمر الدولي للسلام، المزمع عقده في نيويورك الشهر المقبل، في تعزيز الاعتراف الدولي بها كدولة مستقلة وعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة.
وأكد عباس استعداد حكومته للتعاون مع جميع الأطراف الدولية المعنية بتنفيذ خطوات عملية لدعم سكان القطاع، بما يشمل تطبيق المبادرة العربية-الإسلامية لإعادة الإعمار، دون تهجير السكان المحليين.وتواصل إسرائيل منذ مطلع مارس الماضي إغلاق المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، في إجراء تربطه بتطورات المفاوضات الجارية بشأن وقف إطلاق النار. وقد حذّرت منظمات إغاثية من أن استمرار هذا الإغلاق يفاقم الأزمة الإنسانية، ويزيد من خطر تفشي الأمراض ونقص الغذاء.

مساعدات إنسانية بقيمة 50 مليون يورو لغزة
في الأثناء أعلنت المفوضية الأوروبية أمس الأربعاء تقديم مساعدات إنسانية إضافية بقيمة 50 مليون يورو (7ر56 مليون دولار) لغزة والضفة الغربية ضمن حزمة مساعدات أكبر للمنطقة.
وقالت المفوضة الأوروبية لإدارة الأزمات حجة لحبيب إن الأموال، التي سيتم توفيرها لمنظمات المساعدات في المنطقة، تهدف " للمساعدة في تلبية الاحتياجات العاجلة وتخفيف معاناة الفلسطينيين".وأضافت" ولكن لا يمكن أن تصل المساعدات للذين يحتاجونها بدون دخول آمن وبدون عوائق للعاملين في مجال الإغاثة الإنسانية. يجب ضمان ذلك".وبذلك يبلغ إجمالي المساعدات الإنسانية المخصصة لغزة والضفة الغربية خلال العام الجاري 170 مليون يورو.
وقالت المفوضية إنها ستقدم مساعدات إنسانية إضافية بقيمة 20 مليون يورو لسوريا لتلبية الاحتياجات الأساسية مثل الطعام والرعاية الصحية، ليبلغ الإجمالي هذا العام 5ر202 مليون يورو.وقالت لحبيب " في سوريا، نحن نعزز التمويل لمنطقة شمال شرق البلاد، حيث يحتاج المواطنون بشدة الرعاية الصحية والحماية، ونحن نقوم بذلك بحيادية وبدون أي تمييز".وسيتم تخصيص 13 مليون يورو إضافية للبنان.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115