فقد وقع ترامب والأمير محمد على الاتفاق الذي وصفه مقدما الحدث بأنها "وثيقة شراكة اقتصادية استراتيجية"، فيما وقّع وزراء ومسؤولون سعوديون وأمريكيون مذكرات تفاهم أخرى في مجالات الدفاع والطاقة. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو بين الصفقات الاقتصادية والسياسية والأمنية مالذي سيتغير في المنطقة وما تأثير الزيارة على مسار حرب الإبادة المتواصلة في غزة ومباحثات وقف اطلاق النار المتعثرة .
ووفق تقارير تؤكد الاستقبال الحافل الذي حظي به ترامب، والمرافقات الجوية من قبل مقاتلات سعودية، مستوى التنسيق العالي والرمزية السياسية التي أرادت الرياض إرسالها إلى الداخل والخارج. فالزيارة تأتي في وقت حساس تمر فيه المنطقة بجملة من التحديات، من أبرزها تصاعد التوترات الإقليمية، وأزمات الأمن والطاقة، والصراعات الممتدة في اليمن غزة وسوريا، بالإضافة إلى التغيرات المتسارعة في النظام الدولي.من جهته، وصف ترامب زيارته بـ"التاريخية"، في إشارة إلى رغبته في إعادة صياغة الدور الأمريكي في المنطقة بعد سنوات من التراجع النسبي والانكفاء.
وتتضمن الزيارة سلسلة من اللقاءات والاجتماعات الثنائية ومراسم رسمية، إضافة إلى توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والدفاعية. وسيحضر ترامب منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، وهو ما يشير إلى حرص الجانبين على دفع عجلة الشراكة الاقتصادية إلى الأمام، في ظل توجه سعودي حثيث لتنويع مصادر الدخل الوطني والحد من الاعتماد على النفط.
ومن المتوقع أن يُلقي ترامب كلمة خلال المنتدى، قبل أن يتوجه إلى جولة في منطقة الدرعية التاريخية، وهو ما يحمل دلالة رمزية بشأن احترام التراث السعودي وتوطيد العلاقات الثقافية.
أما على الصعيد السياسي، فإن القمة الخليجية – الأمريكية المقررة اليوم الأربعاء تشكل محطة مركزية في الزيارة. فمن المنتظر أن تبحث القمة ملفات شائكة مثل القضية الفلسطينية، والملف النووي الإيراني، والتحديات الأمنية التي تواجه دول الخليج، إلى جانب قضايا التنمية والاستثمار.
وثيقة الشراكة الاستراتيجية
وقع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد وترامب، امس الثلاثاء، "وثيقة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية" بين البلدين.
جاء ذلك ضمن سلسلة اتفاقات ثنائية وقعها البلدان على هامش قمة عقدها ترامب وابن سلمان في قصر اليمامة الرياض، وشملت مجالات عدة بينها الطاقة والدفاع، حسب قناة "الإخبارية" السعودية الرسمية.
وقالت القناة إن ابن سلمان وترامب "وقعا وثيقة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية بين الحكومتين السعودية والأمريكية".
وأضافت أن البلدين وقعا اتفاقيات أخرى في مجالي الطاقة والدفاع، أبرزها مذكرة نوايا بين وزارتي الدفاع في البلدين بشأن تطوير وتحديث قدرات القوات المسلحة السعودية من خلال القدرات الدفاعية المستقبلية.
كما وقعا مذكرة تعاون في مجال التعدين والموارد التعدينية بين وزارة الصناعة والثروة المعدنية في المملكة ووزارة الطاقة بالولايات المتحدة، ومذكرة تفاهم بين وزارتي الطاقة للتعاون في مجال الطاقة.
إضافة إلى مذكرة تفاهم للتعاون في مجال التعدين والموارد المعدنية بين وزارة الصناعة والثروة المعدنية في السعودية ووزارة الطاقة في الولايات المتحدة، وخطاب نوايا لتعزيز التعاون المشترك وتطوير المتطلبات المتعلقة بالذخيرة والتدريب وخدمات الإسناد والصيانة وتحديث الأنظمة وقطع الغيار للأنظمة البرية والجوية لوزارة الحرس الوطني.
اتفاقيات عسكرية
وفي خضم الزيارة وقعت شركة درع الحياة للصناعات العسكرية السعودية، امس الثلاثاء، اتفاقية مع شركة كولت العالمية لتصنيع وتوطين الأسلحة الخفيفة والمتوسطة داخل المملكة، بقيمة تصل إلى 500 مليون دولار، وذلك على هامش منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي. وقالت وسائل الإعلام السعودية انه من المترقب إعلان 35 اتفاقية بين المملكة وأمريكا تشمل 6 قطاعات، أبرزها الذكاء الاصطناعي والنقل والصحة والقطاع المالي، مشيرا إلى توقعات بتخصيب وقود اليورانيوم داخل السعودية وسط شروط ورقابة أمريكية. وفي وقت سابق من امس، افتتح وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، فعاليات منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، وسط مشاركة ضخمة من كبرى شركات القطاع الخاص من الجانبين، وترقب التوقيع على اتفاقيات استثمارية ضخمة بين السعودية والولايات المتحدة. ويصطحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته للسعودية رؤساء كبرى الشركات الأمريكية والتي تبلغ قيمتها السوقية نحو 38ر7 تريليون دولار. وعرضت قناة "الإخبارية" السعودية الرسمية، عبر إنفوغراف، أبرز هذه الشركات والقيم السوقية الخاصة بها، والتي تتصدرها إنفيديا وأمازون وتسلا. وقال كيرك شولتز المدير الإقليمي الأول لتطوير الأعمال الدولية لدى شركة "بوينغ" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ، "إن شراكتنا مع المملكة لا تقتصر على توفير معدات أو طائرات عسكرية، بل تشمل التوطين لجلب الوظائف". وأضاف شولتز، أن المملكة تمتلك حاليا أكبر أسطول من طائرات" إف 15 "خارج الولايات المتحدة بالإضافة إلى مروحيات "أباتشي 64 - إتش مما يدل على الشراكة الكبيرة التي تتمتع بها بوينج للدفاع في المملكة. من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة "أوبر" العالمية دارا خسروشاهي، إن الشركة تجري محادثات مع شركاء في مجال القيادة الذاتية ومع الوزارات في المملكة العربية السعودية.
سياق تاريخي وتجارب سابقة
وتعيد زيارة ترامب الحالية إلى الأذهان زيارته الأولى عام 2017، حين أبرم اتفاقيات ضخمة مع الرياض، بلغت قيمتها 460 مليار دولار، منها صفقات تسليح فورية بـ110 مليارات دولار. ساهمت هذه الاتفاقيات آنذاك في إعادة تعريف العلاقة بين البلدين على أسس تجارية وعسكرية واضحة ودشنت مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي.
ورغم بعض التباينات التي شهدتها علاقات البلدين خلال السنوات الماضية، لا سيما في ملفات حقوق الإنسان وتقييم الدور الإقليمي للسعودية، إلا أن استمرار التنسيق بين الجانبين يشير إلى أن المصالح المشتركة لا تزال تحكم بوصلة التحالف.
وتأتي زيارة ترامب في ظل مرحلة انتقالية يمر بها الشرق الأوسط، وتزايد التحركات الدولية فيه من قبل قوى كبرى كالصين وروسيا. وبالتالي فإن واشنطن تسعى من خلال هذه الزيارة لتأكيد حضورها وتحديث إستراتيجيتها في المنطقة، عبر شراكة وثيقة مع الرياض.
ويرى محللون أن مخرجات هذه الزيارة، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، ستكون موضع متابعة حثيثة من قبل الفاعلين الإقليميين والدوليين، لما لها من تأثير مباشر على ديناميكيات القوة والتحالفات في منطقة تتسم بالهشاشة والتعقيد، لكنها تظل حاسمة في رسم ملامح النظام الدولي الجديد.
اجتماعات ولقاءات
وترافق ترامب في الزيارة نخبة من قادة الأعمال بما في ذلك الملياردير إيلون ماسك. واستهل ترامب جولته بالرياض، حيث ينعقد منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، وبعدها سيتجه إلى قطر اليوم الأربعاء، ثم الإمارات يوم غد الخميس. ولا يتضمن برنامج الجولة زيارة إسرائيل، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات حول مكانة الحليف الوثيق في أولويات واشنطن وفق رويترز''
وقال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح في افتتاح المنتدى "رغم أن الطاقة لا تزال حجر الزاوية في علاقتنا، توسعت الاستثمارات وفرص الأعمال في المملكة وتضاعفت أضعافا مضاعفة".
وأضاف قبل وصول ترامب "وبالتالي... عندما يتحد السعوديون والأمريكيون تحدث أمور جيدة جدا... وتحدث في أغلب الأحيان أمور عظيمة عندما تتحقق هذه المشروعات المشتركة".
ويأمل ترامب في الحصول على استثمارات بتريليونات الدولارات من منتجي النفط الخليجيين. وكانت السعودية تعهدت بتقديم 600 مليار دولار، لكن ترامب قال إنه يريد تريليون دولار من المملكة، وهي أحد أهم حلفاء واشنطن.وبدأ المنتدى بفيديو يظهر نسورا وصقورا تحلق احتفاء بالتاريخ الطويل بين الولايات المتحدة والمملكة.
ويشارك في المنتدى لاري فينك الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك وستيفن شوارتزمان الرئيس التنفيذي لشركة بلاكستون ووزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت ووزير المالية السعودي محمد الجدعان.وقال فينك متحدثا خلال المنتدى، بالتزامن مع وصول ترامب إلى الرياض، إنه زار السعودية أكثر من 65 مرة في 20 عاما. وأشاد بمسعى المملكة لتنويع موارد اقتصادها بعيدا عن النفط.
وتحدث ماسك لفترة وجيزة مع ترامب وولي العهد خلال مراسم استقبال رسمية أقيمت للرئيس الأمريكي.ويركز ولي العهد جهوده على تقليص اعتماد اقتصاد المملكة على النفط والغاز ضمن برنامجه لإصلاح الاقتصاد (رؤية 2030) والذي يتضمن مشاريع عملاقة على غرار مشروع نيوم، وهي مدينة مستقبلية بمساحة بلجيكا.
وانضم إلى ترامب على مأدبة غداء مع ولي العهد عدد من كبار رجال الأعمال الأمريكيين بما في ذلك ماسك رئيس شركتي تسلا وسبيس إكس وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة أوبن إيه.آي.
النفط والأمن
حافظت السعودية والولايات المتحدة على علاقات راسخة لعقود قائمة على اتفاق وطيد وهو أن تضخ المملكة النفط وتوفر الولايات المتحدة الأمن.وقال ترامب أيضا إنه ربما يسافر يوم غد الخميس إلى تركيا للمشاركة في محادثات محتملة قد تجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وجها لوجه وفق ''رويترز''.
وهذه هي الزيارة الخارجية الثانية لترامب منذ توليه منصبه بعد زيارته لروما لحضور جنازة البابا فرنسيس. وتأتي الزيارة في ظل توتر جيوسياسي.وبالإضافة إلى الضغط من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا، تسعى إدارة ترامب لإيجاد آلية جديدة بشأن غزة التي دمرتها الحرب، وتحث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الموافقة على اتفاق جديد لوقف إطلاق النار هناك.
والتقى مفاوضون أمريكيون وإيرانيون مطلع الأسبوع في عُمان لمناقشة اتفاق محتمل لكبح البرنامج النووي الإيراني. وهدد ترامب بعمل عسكري ضد إيران إذا فشلت الجهود الدبلوماسية.
ونقلت وكالة نور نيوز الإيرانية عن رئيس أركان القوات المسلحة محمد باقري قوله اليوم الثلاثاء إنه ينبغي على الدول المجاورة لإيران التخلي عن الحياد ولعب دور أكثر فاعلية في ضمان أمن المنطقة، وقال في الوقت نفسه إن أي عدوان على إيران سيقابل برد حاسم.
ووفقا لما قالته ''رويترز''، من المتوقع أنّ يعرض ترامب على السعودية صفقة أسلحة تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار. وربما تشمل هذه الصفقة مجموعة من الأسلحة المتطورة.وقال مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف الأسبوع الماضي إنه يتوقع إحراز تقدم قريبا فيما يتعلق بتوسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم، وهي مجموعة من الاتفاقات التي توسط فيها ترامب خلال ولايته الأولى، والتي نالت إسرائيل بموجبها اعتراف دول عربية شملت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.