ويسعى المطلوب للعدالة الدولية الى فرض شروطه الجديدة بمباركة أمريكية ترامبية لنسف المرحلة الثانية من الهدنة . فهذا الاتفاق، الذي يتضمن 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، كان من المفترض ان يشهد بدء المرحلة الثانية منه خلال الأسبوع الماضي، لكن عرقلة إسرائيل للمفاوضات وخطة ترامب للتهجير ساهمت في تجميد الوضع بما يهدد الهدنة برمتها وعودة الحرب مجددا.
اذ تعرقل إسرائيل بدء المفاوضات الخاصة بالمرحلة الثانية، التي كان من المفترض انطلاقها في اليوم السادس عشر من سريان الاتفاق. وبعد أن امتنع عن تحديد موعد لبحث موقف إسرائيل من مفاوضات المرحلة الثانية، قرر نتنياهو عقد المداولات امس. يأتي ذلك فيما يجري المبعوث الأمريكي الشرق الأوسط مباحثات في المنطقة واكد خلالها ان المرحلة الثانية ستبدأ حتما دون توضيح كيف ستنطلق وبأي شروط . وبعد ان تمكنت فصائل المقاومة من الصمود طيلة 15 شهرا رغم التقتيل والابادة والاجرام الصهيوني ، يبدو ان معركة التفاوض الدبلوماسية ستكون حاسمة لفرض شكل غزة القادم ومن سيحكمها خاصة مع دولة احتلال تتمتع بدعم غير مشروط من إدارة ترامب . فما عجز عن تحقيقه نتنياهو بقوة ترسانته العسكرية يسعى لتحقيقه بالدبلوماسية الأمريكية وبخرق كل المواثيق الدولية .
دعم امريكي غير مشروط
لقد جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليكشف عن توجهات واشنطن الحقيقية، المتمثلة في دعمها الكامل لإسرائيل على حساب الفلسطينيين. هذه السياسة، التي تسعى إلى تهجير الفلسطينيين والسماح لإسرائيل بالسيطرة على كامل الأراضي المحتلة، قد تؤدي إلى تفاقم الصراع وزيادة التوترات في المنطقة، فضلا عن تقليص دور أمريكا كوسيط دولي للسلام.
وفي خطوة تعكس التوترات المستمرة في منطقة الشرق الأوسط، التقى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، يوم الأحد، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمناقشة الهدنة في قطاع غزة في إطار أول جولة له في المنطقة. اللقاء جاء في وقت حساس، خاصة في أعقاب عملية تبادل الرهائن السادسة بين إسرائيل وحركة حماس، وهي عملية تبادل لاقت اهتماما دوليا واسعا في ظل تطورات الحرب الدائرة في غزة.
زيارة روبيو تأتي في وقت حرج بالنسبة لقطاع غزة، الذي يعاني من دمار هائل بعد أكثر من 15 شهرا من الحرب. فالحرب الدامية بين ''إسرائيل'' وحركات المقاومة الفلسطينية، أبرزها حماس والجهاد الإسلامي، خلفت آثارا اقتصادية وإنسانية مدمرة في قطاع غزة، وبات من الواضح أن الصراع لن يتوقف في الأفق القريب. إذ بحث اللقاء بين روبيو ونتنياهو سبل التعامل مع الوضع الراهن، بما في ذلك مناقشة الاقتراح المثير للجدل الذي قدمه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والذي يقضي بسيطرة الولايات المتحدة على غزة بعد انتهاء الحرب.ولكن هذا المقترح وجد معارضة من قبل مصر والأردن، اللتين أبدتا تحفظات قوية على فكرة تهجير الفلسطينيين إلى أراضيهما بالإضافة إلى رفض عربي واسع.
في هذا السياق، أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو دعمه الكامل للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، مشددا على ضرورة القضاء على حركة حماس. تصريحاته جاءت أثناء لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس، مما أثار تساؤلات حول استمرارية وقف إطلاق النار الهش وجهود التفاوض المستقبلية.
روبيو أضاف أن حركة حماس "لا يمكن أن تبقى كقوة عسكرية أو حكومية" في غزة، ما يعقّد جهود التفاوض معها. وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي تكبدتها الحركة، إلا أن سيطرتها على القطاع ما تزال قائمة، مما يزيد من تعقيد الوضع.
كما أعلن وزير الخارجية الأمريكي أن جولته الحالية في المنطقة تتضمن مناقشة اقتراح ترامب المتعلق بتهجير السكان الفلسطينيين من غزة وإعادة بناء المنطقة تحت إشراف الولايات المتحدة. هذا المقترح لاقى ترحيبا من نتنياهو، الذي أكد على وجود "إستراتيجية مشتركة" مع ترامب بشأن مستقبل غزة.
ومع ذلك، فإن هذا الاقتراح، الذي يهدف إلى تهجير الفلسطينيين، واجه مقاومة شديدة من الزعماء العرب، بينما أبدت منظمات حقوق الإنسان قلقها من أن هذه الخطة تشكل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي.
وتأتي هذه التصريحات في وقت حساس، حيث يوشك وقف إطلاق النار على الانتهاء، دون أن يتم التوصل بعد إلى تفاهم حول المرحلة التالية من التفاوض، والتي تشمل إطلاق سراح الرهائن الفلسطينيين مقابل هدنة دائمة وانسحاب القوات الإسرائيلية. في الوقت نفسه، نفذ الجيش الإسرائيلي غارة جوية على جنوب غزة، ما دفع حركة حماس إلى اتهام تل أبيب بانتهاك الاتفاق ومحاولة تخريب التهدئة.في الوقت نفسه، تطرح هذه التصريحات عدة تساؤلات حول الدور الأمريكي في المنطقة ومدى تأثيره على القرارات الإسرائيلية.لكن الموقف الأمريكي الذي يصفه مراقبون بالدعم المطلق لإسرائيل؛ يسلط الضوء أيضا على حجم التأثير الأمريكي في المنطقة، والذي يظل مؤثرا في سياق سياسة الدعم العسكرية والدبلوماسية. من الجدير بالذكر أن الشحنة الأخيرة من "القنابل الثقيلة" الأمريكية التي وصلت إلى "إسرائيل" الأحد تعكس حجم التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
فبينما تتعالى الأصوات المطالبة بإعادة بناء غزة، فإن الواقع يشير إلى أن الحلول السياسية ستكون أكثر تعقيدا. ولعل الصراع حول اقتراح ترامب يعكس حالة الجمود الدبلوماسي التي تسيطر على المنطقة، في وقت يتزايد فيه الضغط الدولي لإنهاء الحرب رغم استمرار التعنت الصهيوني .
إذ يرى مراقبون أنّ جولة ماركو روبيو في المنطقة، ورغم أنها قد تبدو مجرد جولة دبلوماسية اعتيادية، إلا أنها تحمل أبعادا إستراتيجية خطيرة. وقد تكون زيارة الوزير الأمريكي محاولة لتخفيف حدة المواقف المتباينة بين الأطراف المعنية، لكن في النهاية تبقى السيطرة على غزة وعلاقاتها الدولية رهينة بالمزيد من العمليات العسكرية والسياسية التي من شأنها أن تساهم في تغيير المعادلة الجيوسياسية في المنطقة.
من غزة إلى أوكرانيا
مع عودته إلى البيت الأبيض عادت سياسات دونالد ترامب الخارجية إلى الواجهة، حيث يبدو أنه يواصل إعادة تشكيل المفاهيم التقليدية التي تبنتها واشنطن لعقود. فأحدث مقترحاته بشأن أوكرانيا وغزة تكشف عن نهج غير مألوف في إدارة الأزمات الدولية، مثيرا تساؤلات حول إمكانية توسيع هذه الرؤية لتشمل ملفات أخرى، مثل تايوان.
ويقدم ترامب نفسه على أنه صانع سلام عالمي، لكنه يسعى إلى تحقيق ذلك بأقل تدخل أمريكي ممكن. ففي ملف أوكرانيا، يروج لفكرة وقف القتال دون الحاجة لاستعادة كييف لجميع أراضيها أو الانضمام إلى الناتو، وهو ما يثير مخاوف حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين من أن تكون هذه الخطوة بمثابة تجميد مؤقت للصراع، بدلا من إنهائه بشكل حاسم.
ووفق مراقبين فإنّ تصريحاته الأخيرة بشأن التوصل إلى تفاهم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول بدء محادثات سلام تزيد من القلق في كييف وأوروبا، يخشى البعض أن تكون النتيجة تنازلات جيوسياسية لصالح موسكو. وبينما يدافع أنصاره عن نهجه باعتباره مقاربة براغماتية لإنهاء الصراع، يرى محللون أن مقاربته قد تمنح روسيا نفوذا أكبر على أوكرانيا دون تقديم ضمانات أمنية كافية لكييف.وفي هذا السياق ينعقد اليوم الثلاثاء لقاء روسي أمريكي في المملكة العربية السعودية ، وهو اجتماع قالت أوكرانيا أنه ليست مدعوة لحضوره رغم أن رئيسها فلوديمير زيلنسكي يؤدي يوم غد الأربعاء زيارة إلى المملكة السعودية أيضا.
من جهته أكد الكرملين أن المحادثات الروسية الأمريكية، الثلاثاء، في الرياض هدفها هو الاستعادة الكاملة للعلاقات الروسية الأمريكية.وتستضيف السعودية،اليوم الثلاثاء، اجتماعا بين مسؤولين أمريكيين وروس للتحضير للقاء ترامب وبوتين بشأن إنهاء حرب أوكرانيا.
وعن سبب اختيار السعودية لعقد الاجتماع، أشار الكرملين إلى أنها مكان يناسب روسيا والولايات المتحدة.وردا على سؤال بشأن إذا كان رفع العقوبات جزءا من القضايا المطروحة على اجتماع السعودية، أوضح الكرملين أن الاتصالات تدور بشأن استعادة العلاقات والتحضير لمفاوضات محتملة بشأن أوكرانيا.
وذكر الكرملين أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومعه يوري أوشاكوف مستشار السياسة الخارجية للرئيس فلاديمير بوتين سيشاركان، في محادثات مع مسؤولين أميركيين في السعودية بشأن العلاقات الأمريكية الروسية.وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين إن الاجتماع سيركز أيضا على الإعداد لمحادثات سلام محتملة بشأن أوكرانيا.وأضاف أن لافروف وأوشاكوف سيتوجهان للرياض، الإثنين.
وفي وقت سابق، وصل وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى السعودية للقاء مسؤولين روس في المملكة. ويرافقه مستشار البيت الأبيض للأمن القومي مايك والتز والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف. وفي هذا السياق يرى مراقبون ان ادارة ترامب تحاول الإلمام بكل الملفات الحارقة في العالم من غزة وصولا إلى اوكرانيا.
يرى أنصار ترامب أنه يعيد لأمريكا دورها كقوة عظمى، لكن وفق مفهوم "السلام من خلال القوة"، وهو ما يعكس رغبة في تقليل الانخراط العسكري المباشر، مع فرض شروط أمريكية على القضايا العالمية. في المقابل، يرى منتقدوه أن هذه المقاربة قد تؤدي إلى تآكل النفوذ الأمريكي في العالم، خاصة إذا بدت واشنطن أقل التزاما تجاه حلفائها التقليديين.مع استمرار الجدل حول رؤيته للسياسة الخارجية، يبقى السؤال الأهم: هل سينجح ترامب في فرض نهجه غير التقليدي، أم أن التعقيدات الجيوسياسية ستفرض عليه العودة إلى المسارات التقليدية؟
"إسرائيل" تهدد
في الأثناء أكد الناطق باسم رئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،أمس الإثنين، أن إسرائيل لن تسمح بتسلم السلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة.
وذكر بيان مكتب نتنياهو: "كما تعهدت في اليوم التالي للحرب في غزة لن تكون حماس ولن تكون السلطة الفلسطينية".وأضاف: "أنا ملتزم بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل غزة مختلفة".
ومن المقرر أن تتواصل المحادثات حول المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الرهائن الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين خلال الأسبوع الجاري، وفقا للمبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف.وتشمل المرحلة الثانية من المفاوضات الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين المتبقين الذين لا يزالون على قيد الحياة.
إرجاء القمة العربية المصغرة
من جهة أخرى أُرجئت إلى يوم الجمعة قمة عربية مصغرة كانت مقررة الخميس في الرياض لمناقشة الرد على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة وتوسعت لتشمل دول مجلس التعاون الخليجي الست إلى جانب مصر والأردن، بحسب ما أفاد دبلوماسيان عربيان وفق وكالة فرانس براس أمس الإثنين.
وقال مصدر سعودي فضل عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول الحديث للإعلام إنّ "مؤتمر القمة العربية المصغر في الرياض تم تأجيله من الخميس إلى الجمعة 21 فيفري الجاري"، مشيرا إلى أنّه "سيضم قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست مع مصر والأردن لبحث البدائل العربية لخطط ترامب في قطاع غزة". وأكّد مصدر دبلوماسي عربي آخر إرجاء القمة يوما واحدا.
وكان العاهل الأردني عبدالله الثاني قال للصحافيين في واشنطن إنّ مصر ستقدّم ردا على خطة ترامب، مشيرا إلى أنّ الدول العربية ستناقشه بعد ذلك في محادثات في الرياض.وأثار ترامب ذهولا عندما أعلن مقترحا الأسبوع الماضي يقضي بسيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وإعادة بناء المناطق المدمرة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" بعد ترحيل الفلسطينيين إلى مكان آخر من دون خطة لإعادتهم.
وواجه الاقتراح الصادم ردود فعل إقليمية ودولية رافضة واسعة النطاق، كما أثار تحركا عربيا موحدا في شكل نادر.ويتمسّك ترامب باقتراحه في كل مناسبة، ويقضي بأن تكون ملكية قطاع غزة للولايات المتحدة، على أن يهجر سكانه إلى الأردن ومصر من دون ان يكون لهم الحقّ بالعودة بعد إعادة إعماره.وبالنسبة إلى الفلسطينيين، فإن أي محاولات لإجبارهم على الخروج من غزة من شأنها أن تعيد ذكريات "النكبة" في عام 1948.