بينهم 18 ألف طفل في وقت تعالت فيه الأصوات الداعية الى تدخل عاجل للمجتمع الدولي لوقف العدوان الصهيوني ووضع حد لكارثة العصر الإنسانية . وبين أرقام وحصيلة القتلى المتزايدة ومتاهات الدبلوماسية والمفاوضات المتعثرة ، يبحث الغزاويون عن أي فسخة أمل لحياة ممكنة على أرضهم الصامدة بعيدا عن التجويع والتقتيل .
وبينما يدخل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مرحلة تصعيد جديدة، طرحت حكومة الاحتلال الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو خطة جديدة تُعيد صياغة النهج الاستراتيجي لحرب الإبادة التي تشنها ضدّ القطاع. في المقابل، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس عن تصعيد عالمي في مواجهة ما وصفته بـ"حرب الإبادة والتجويع". وتتقاطع الخطتان في لحظة سياسية وإنسانية فارقة، قد تحدد ملامح المرحلة المقبلة في الصراع الممتد.
وخلال اجتماع "المنتدى الوزاري المصغر"، عرض نتنياهو مساء الاثنين خطة تقضي بإعطاء الوسطاء الدوليين "فرصة أخيرة" لإقناع حركة حماس بقبول مقترح صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، الذي كانت إسرائيل قد وافقت عليه منذ أسبوعين. لكن الرسالة الأقوى في الخطة لم تكن الدبلوماسية، بل التهديد باتخاذ خطوات أحادية تشمل ضم أراض في قطاع غزة وإنشاء إدارة مدنية وأمنية خاصة، وهو ما يُعد تحولا جذريا في العقيدة الإسرائيلية تجاه القطاع الذي يعاني من حرب ابادة مستمرة تشنها تل ابيب منذ أكتوبر 2023.
ووفق محللين يبدو أن إسرائيل تستعد فعليا لسيناريو "ما بعد حماس"، عبر تشكيل إدارة ميدانية بديلة، رغم أن ذلك قد يجرّ تداعيات سياسية وأمنية داخلية ودولية. ومع تصاعد الضغوط الغربية، خصوصا من فرنسا التي دعت لتبني حل الدولتين، تضع حكومة نتنياهو نفسها أمام خيارين: إمّا التوصل لاتفاق مؤقت، أو الانزلاق نحو واقع مفروض بالقوة قد ينسف ما تبقى من المسار السياسي التقليدي.
تصعيد عالمي ويوم نصرة غزة
في ردّ مباشر دعت حركة حماس إلى تصعيد عالمي ضد العدوان والإبادة الجماعية والتجويع. وحددت الأيام الثلاثة الأولى من أوت المقبل كمحطة مفصلية للحراك الجماهيري الدولي، من بينها يوم 3 أوت الذي أعلنته يوما عالميا لنصرة غزة والقدس والأسرى، وفاء لزعيمها الراحل إسماعيل هنية، الذي اغتالته ''إسرائيل'' في طهران .
وتراهن حماس على الشارع العالمي، وعلى تصاعد الأصوات المناهضة للحرب، في محاولة لفرض ضغوط سياسية على الدول الداعمة لإسرائيل، خصوصا الولايات المتحدة.
وتزامن التصعيد السياسي مع تصاعد كارثة إنسانية وصفتها الأمم المتحدة بـ"الأسوأ منذ عقود". ووفقا لبيانات برنامج الأغذية العالمي، فقد تجاوزت غزة عتبة المجاعة في أجزاء واسعة، مع وجود نصف مليون إنسان في "المرحلة الخامسة" – وهي أعلى درجات انعدام الأمن الغذائي. وتقول وزارة الصحة في غزة إن عدد ضحايا المجاعة وسوء التغذية بلغ 147 شخصا حتى الآن، بينهم 88 طفلا، في وقت تواصل فيه إسرائيل إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية.
المفارقة القاتلة أن هذا الانهيار الإنساني يحدث بينما تتحدث إسرائيل عن إعادة "الإدارة المدنية"، دون السماح بمرور الإغاثة في سياق سياسة "التجويع كأداة ضغط"، بما يمثل انتهاكا القانون الإنساني الدولي، وجرائم ضد الإنسانية.
هل نحن أمام نقطة تحول؟
وتتسارع التطورات دون أفق واضح فمن جهة، تحاول "إسرائيل" فرض معادلة جديدة على الأرض، عبر خطوات أحادية تخلط الأوراق السياسية. ومن جهة أخرى، تسعى حماس إلى تدويل القضية مجددا، في ظل موجة كبرى من التعاطف العالمي المتزايد مع غزة. في حين يقبع أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع، محاصرين بين المجاعة والدمار.
فرنسا تكسر صمت الاتحاد الأوروبي
على صعيد متصل وفي تحول دبلوماسي واضح، صعدت فرنسا من تحركاتها السياسية تجاه النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، داعية الاتحاد الأوروبي إلى ممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل لقبول حل الدولتين، في وقت تتزايد فيه الانتقادات الدولية للحرب الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة.
وطالب وزير الخارجية الفرنسي، جان-نويل بارو المفوضية الأوروبية بشكل مباشر، بتحويل الموقف الأوروبي إلى أدوات ملموسة للضغط على الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك تجميد مستحقات مالية لصالح السلطة الفلسطينية ووقف الاستيطان في الضفة الغربية.
هذا التصعيد الفرنسي لا يأتي بمعزل عن المواقف الأوروبية التقليدية. فبينما تردد الاتحاد الأوروبي لعقود في اتخاذ خطوات عملية لدعم حل الدولتين، تتبنى باريس الآن سياسة أكثر جرأة، تسعى من خلالها إلى إعادة تفعيل المسار السياسي المجمد منذ سنوات.
وأشار بارو، خلال كلمته أمام اجتماع رفيع المستوى حول حل الدولتين، إلى أن "المنطقة تسير في اتجاه التلاشي المستمر لهذا الحل، مما يتطلب تدخلًا سياسيًا عاجلًا يعيد التوازن". كما انتقد بشدة طريقة إيصال المساعدات إلى غزة، واصفًا نظام التوزيع العسكري المدعوم من مؤسسة أميركية بأنه "ساهم في مقتل المئات".
وبدا الموقف الأمريكي متحفظًا بل ورافضا بشكل قاطع لهذا المؤتمر. فقد وصفت الخارجية الأمريكية الاجتماع بأنه "إهانة دبلوماسية"، واعتبرته "غير مثمر وفي غير وقته"، في تكرار للموقف الإسرائيلي الرافض تماما لحل الدولتين، الذي يراه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو تهديدا قوميّا وأمنيّا.
غير أن هذا الرفض لم يمنع مشاركة 125 دولة في المؤتمر، بينها 50 وزيرا، ما يعكس التغير النسبي في المزاج الدولي حيال الصراع. فالدول الأوروبية، وحتى بعض الأصوات داخل الاتحاد الأوروبي، بدأت تتحدث عن إمكانية فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل أو استخدام أدوات مالية ودبلوماسية للضغط.
وألمحت دوبرافكا شويسا، مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون البحر المتوسط، إلى أن الاتحاد يدرس بالفعل فرض تدابير جديدة، مطالبة إسرائيل بتحويل الأموال المحتجزة وتسهيل وصول المساعدات إلى غزة، مؤكدة أن الاتحاد "يحول دون انهيار السلطة الفلسطينية ماليًا"، في إشارة إلى التزام أوروبي بمبلغ 6.1 مليار يورو لدعم المؤسسات الفلسطينية.
ويبدو أن باريس لن تكتفي بالتصريحات فقط. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلن قبيل المؤتمر أن بلاده ستعترف رسميا بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، ما قد يشكل منعطفا دبلوماسيا إذا ما تبعته دول أوروبية أخرى.
وقد تشكل خطوة كهذه من دولة محورية في الاتحاد الأوروبي سابقة تدفع بقية الدول إلى كسر الجمود السياسي الذي لازم الصراع لعقود.
ووفق خبراء فإن التحول الفرنسي لا يمكن فصله عن مشهد دولي متغير ، فاستمرار الحرب في غزة، وتصاعد أعداد الضحايا المدنيين، وتدهور الأوضاع الإنسانية، كلها عوامل زادت من حدة الضغوط على الحكومات الغربية للتحرك. كما أن تراجع الثقة في مصداقية عملية السلام، التي ظلت لعقود رهينة للوساطة الأمريكية، يفتح الباب أمام أدوار جديدة أوروبية أو متعددة الأطراف.
تصعيد مستمر
في اليوم الـ662 من حرب الإبادة على قطاع غزة، قالت مصادر في مستشفيات غزة إن 62 فلسطينيا استشهدوا بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ فجر امس الثلاثاء، بينهم 11 من طالبي المساعدات.
كما حصد الجوع مزيدا من المواطنين في القطاع المنكوب، وقالت لجنة الطوارئ إن الكميات القليلة من المساعدات التي دخلت -وفق الهدنة الإنسانية التي أعلنت عنها إسرائيل- لم تغير شيئا.وقال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن 87 شاحنة مساعدات دخلت -أمس أمس- إلى القطاع، غالبيتها نُهبت بـ"تواطؤ إسرائيلي مباشر وممنهج"وفق الجزيرة نت .ومن جانب آخر، تصاعدت معارك المقاومة مع قوات الاحتلال، وأعلنت مواقع إسرائيلية إصابة 6 جنود أحدهم بحالة حرجة، في ما درجت على تسميته بأنه "حدث أمني" في غزة، وأكدت هيئة البث الإسرائيلية تعرّض موقع محصّن للواء كفير بخان يونس لمحاولة اقتحام.
وفي أول مؤتمر أممي لدعم حل الدولتين، قال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إن كارثة الحرب تؤكد أنه لا بديل عن تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، وأكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود أن مبادرة السلام العربية أساسٌ لأي حل عادل، في حين اتهمت فرنسا إسرائيلَ باعتماد نهج "يغذي الإرهاب، ويؤكد ضرورة إحداث تحوّل".
مصر تؤكد رفضها تصفية القضية الفلسطينية
في الاثناء أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي،امس الثلاثاء، أن بلاده لن تقبل بتصفية القضية الفلسطينية من خلال مخططات تهجير الفلسطينيين.جاء ذلك خلال لقاء عبد العاطي مع نظيره الفلسطيني، رئيس الوزراء محمد مصطفى، على هامش المؤتمر الدولي رفيع المستوى حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، المنعقد بمقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك، برئاسة مشتركة بين المملكة العربية السعودية وفرنسا.
وقال بيان للخارجية المصرية إن عبد العاطي شدد خلال اللقاء على "رفض مصر لأي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية عبر مخططات التهجير".
وأكد "مواصلة القاهرة جهودها الحثيثة للوساطة، للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة في ظل الكارثة الإنسانية غير المسبوقة".
وأضاف البيان أن الجانبين بحثا الخطوات المستقبلية لتنفيذ خطة التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة، عقب التوصل إلى وقف لإطلاق النار، بما في ذلك مؤتمر التعافي المبكر وإعادة الإعمار الذي تعتزم مصر استضافته بالتنسيق مع الحكومة الفلسطينية والأمم المتحدة.
وفي 4 مارس الماضي، اعتمدت قمة عربية طارئة بشأن فلسطين خطة قدمتها مصر لإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين منها، على أن يستغرق تنفيذها خمس سنوات، وتتكلف نحو 53 مليار دولار.
لكن إسرائيل والولايات المتحدة رفضتا الخطة وتمسكتا بمخطط يروج له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ 25 جانفي الماضي لتهجير فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو ما رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى ومنظمات إقليمية ودولية.وتناول اللقاء تطورات الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة، في ظل تصاعد الاقتحامات العسكرية والانتهاكات الإسرائيلية اليومية في المدن والمخيمات الفلسطينية، حيث أدان عبد العاطي التوسع الاستيطاني الإسرائيلي المتسارع في الضفة.
وتطرق عبد العاطي إلى تداعيات قرارات إسرائيل بشأن إغلاق المدارس والمستشفيات التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في القدس الشرقية، مؤكدا "دعم مصر الكامل للدور الحيوي وغير القابل للاستبدال للوكالة الأممية"، وفق المصدر ذاته.
وفي ماي الماضي اقتحمت الشرطة الإسرائيلية 6 مدارس تابعة للأونروا في القدس الشرقية المحتلة وطالبت بإخلائها بالقوة تنفيذًا لقرار صدر في أفريل بإغلاقها، في خطوة أثارت غضبا فلسطينيا باعتباره "انتهاكا مباشرا لحقوق التعليم ورمزية الوجود الفلسطيني في المدينة المحتلة".