في شؤون بعض البلدان الأوروبية أربكت الحياة السياسية في بريطانيا وألمانيا ورومانيا. وهوما جعل بعض الزعماء الأوروبيين يعبرون عن غضبهم مما اعتبروه تدخلا في الشؤون الداخلية لبلدانهم.
وكان إلون ماسك، أكبر ملياردير في العالم، والرئيس المدير العام لشركة "سبايس إكس" و"تسلا" والشبكة الاجتماعية "إكس" (تويتر سابقا)، والذي يعبر منذ فترة عن أفكار يمينية شعبوية، قد هاجم الحكومة البريطانية في عدة تغريدات على شبكة "إكس" في موضوع مقاومة بريطانيا للتعدي الجنسي على الأطفال على خلفية متابعة شخص ينتمي لليمين المتطرف. وطالب بإطلاق سراح الناشط المتطرف طومي روبنسون معتبرا أن بريطانيا "تتبع نظاما بوليسيا" وأن "على ستارمر أن يرحل وأن تتم متابعته عدليا".
ولم يكتف إلون ماسك ببريطانيا، بل تدخل مباشرة في الحملة الانتخابية الألمانية التي هي دائرة الآن من أجل تجديد البرلمان في شهر فيفري القادم. وتهجم على المستشار الألماني ألاف شولتزوكتب على شبكة "إكس" أنه"أهبل" و"أحمق غير كفئ". كما أنه اعتبر رئيس الدولة فرانك ولتر شتاينماير "طاغية". وهو ما جعل المستشار الألماني يرد على ماسك قائلا:"الرئيس الألماني ليس بطاغية معادي للديمقراطية وألمانيا هي ديمقراطية قوية ومستقرة".
زعزعة الاستقرار الأوروبي
وكان تدخل الرئيس الفرنسي أمام السفراء الفرنسيين أشد حدة ضد تصريحات الملياردير الأمريكي. فلقد اعتبر أن الملياردير يمثل "حركة عالمية رجعية جديدة" ترغب في التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأوروبية من أجل "زعزعة الاستقرار الأوروبي". وأشار ماكرون إلى ما سماه "الفوضى العالمية" وتنامي "إضعاف القوانين الدولية" و الأعمال التي تقوم بها "قوى إمبريالية" تتحرك كقوى "زعزعة" مشيرا إلى التدخل الروسي في رومانيا الذي أدى إلى إلغاء الانتخابات من قبل المجلس الدستوري الروماني. ووعد ماكرون بالاعتماد على "القوة المعنوية، لكن كذلك على القوة الصرفة" للتصدي لمحاولات "إضعاف أوروبا".
وكان إلون ماسك قد طالب بانتخابات جديدة في بريطانيا -التي لا يحمل جنسيتها- فهو أمريكي كندي من أصل جنوب إفريقي. مع العلم أن الحكومة البريطانية الجديدة هي نتاج انتخابات فاز فيها الحزب العمالي بأغلبية ساحقة تاريخية. ووعد إلون ماسك، الذي قابل ناجل فرج زعيم الحزب اليميني المتطرف الذي كان المحرك الأساسي في "البركسيت"، بدعم حزبه ماديا من أجل الفوز. وتدخل ماسك مجددا في الانتخابات الألمانية بدعمه للحركة اليمينية المتطرفة وريثة الحركة النازية التي أشارت عمليات سبر الآراء أنها تحصل على 20،5% من نية التصويت مقابل 31% للمعارضة المحافظة في حين يأتي حزب الديمقراطيين الاشتراكيين بقيادة ألاف شولتز في المرتبة الثالثة. ووعد ماسك في تغريدة أن "حزب "أ أف دي" سوف يحصل على فوز ملحمي" في الانتخابات القادمة.
واعتبر نائب المستشار الألماني ووزير الاقتصاد روبار هابك أن "الغناء الفاحش والتحكم في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية والذكاء الاصطناعي وعزيمة عدم الاكتراث بالقوانين هي هجوم مباشر على نظامنا الديمقراطي". أما الوزير الأول النرويجي جوناس غار ستور فقد عبر عن قلقه من أن "شخصا يمتلك شبكات تواصل اجتماعي وموارد اقتصادية ضخمة يقحم نفسه بطريقة مباشرة في الشؤون الداخلية لبلدان أخرى."
عولمة من نوع شعبوي جديد
وأصبح من البديهي أن نعتبر أن رجوع دونالد ترام -الحليف الطبيعي لإلون ماسك- هو مؤشر على تغيير مرتقب لموازين القوى في العالم. وأن العلاقات القائمة بين إلون ماسك والوزير الأول المجري فيكتور أوربان الذي التقاه في فلوريدا عند زيلرته لدونالد ترامب، وكذلك علاقته الحميمة بجيورجيا ميلوني رئيسة الوزراء الإيطاليةـ تعتبر كلها مؤشرات على تداخل المصالح بين النفوذ الأمريكي الجديد وقوى اليمين المتطرف التي وصلت إلى السلطة في المجر وإيطاليا. تدخل ماسك لدعم اليمين المتطرف الألماني وحركة ناجل فرج في بريطانيا تدخل في نفس الإستراتيجية القائمة على فرض واقع جديد في العلاقات الدولية.
سوف يتنقلإلون ماسك إلى أوروبا نهاية هذاالأسبوع لملاقاةزعيمة اليمين المتطرف الألماني أليس فايدل وكذلك بعض الوجوه اليمينية الراديكالية في فرنسا في خطوة اعتبرها بعض المحللين أنها "استفزاز" تدخل في إطار التأثير على الناخبين في أوروبا ودعم الفكر الشعبوي اليميني لأغراض اقتصادية في خدمة مصالحه الاقتصادية المباشرة. في نفس الوقت عبرت جيورجيا ميلوني عن دعمها لإلون ماسك التي اعتبرت أنه "نابغة" و"مجدد خارق للعادة" ونددت بالذين يعتبرونه "وحشا". دخول الملياردير الحلبة السياسية بتعيينه "مسؤولا على التقشف الإداري" في حكومة دونالد ترامب القادمة يعطيه بعدا استراتيجيا جديدا يعكس نوايا البيت الأبيض في توسيع رقعة المساندين من بين النظم والحركات اليمينية المتطرفة والشعبوية في العالم على حساب القوى السياسية التقليدية في إطار إعادة صياغة العلاقات الدولية لا على أساس تقاسم السلطة بل لاستبدال النظام العالمي القائم على العولمة بنظام يدعم القوى الشعبوية اليمينية العالمية في خدمة المصالح الأمريكية.