كرّمه المعرض الوطني للكتاب التونسي في حياته رحيل الفيلسوف والمترجم محمود بن جماعة

"منذ أن كان تلميذا في المعهد كان يحرص على حضور حصص الترجمة

ويقوم بتعريب النصوص المطلوبة من باب التسلية والهواية لا من باب الفرض"... حتى كبر مع هذا التلميذ هذا الشغف ليتخصص في دراسة الترجمة وليصبح من أهم متفقدي مادة الفلسفة في تونس. إنّه المترجم والفيلسوف والشاعر الراحل محمود بن جماعة.

فقدت تونس رجل الفكر والمعرفة والفلسفة محمود بن جماعة الذي غيبّه الموت يوم 7 جانفي 2025 عن سن ناهزت 84 سنة.

ترجم نصوصا محورية في تاريخ الفلسفة

جمع محمود بن جماعة بين أكثر من فن في الكتابة، فكان مترجما وفيلسوفا وشاعرا في الآن ذاته... وهو الذي قال "إنّ اهتمامي بالفلسفة والترجمة والشعر يتيح لي تنوعا في الكتابة ويسمح لي أيضا بتحقيق أبعاد ذهنية ووجدانية في الذات يكون تكاملها تجاوزا للانزواء في اختصاص محدد وشرطا للتوازن النفسي".
وقد كان الراحل من المحظوظين الذين تمّ تكريمهم في حياتهم وبحضورهم ضمن فعاليات المعرض الوطني للكتاب التونسي سنة ببادرة من مدير المعرض محمد المي بعد أن حثه صديقه الطاهر بن قيزة على تكريم محمود بن جماعة في حياته وقد تم إصدار كتاب عنه يتضمن شهادات عن أثره ومنجزه...
وبمناسبة تكريم المتفقد العام في مادة الفلسفة والمترجم والشاعر محمود بن جماعة في المعرض الوطني للكتاب التونسي، كان الأستاذ الطاهر بن قيزة قد قال :"ترك أستاذنا محمود بن جماعة الجامعة ولم يترك الفلسفة فقد بقي وفيا للخط الفكري الذي اختاره منذ بداية حياته، وهو التنوير والتربية والانتصار إلى حقوق الإنسان ونصرة الضعفاء. فمضى ينقل من الفرنسية إلى العربية نصوصا محورية في تاريخ الفلسفة.
عن مسيرة الفيلسوف والمترجم، كان الدكتور توفيق العلوي قد تطرق في مداخلة بعنوان " محمود بن جماعة مترجما: العقد الفريد" إلى بدايات تجربة الترجمة عند محمود بن جماعة سواء كانت مؤلفات فلسفية أو قصائد شعرية. وأضاف بالقول: "وأنت تقرأ محمود بن جماعة سرعان ما تنساب إلى قراءة ممتعة، تنسيك أحيانا أنّ النص مترجم لتتأكد بأن الترجمة القيمة ليست مجرد نقل لفظي، إنما هي نص المترجم يسابق إليك النص الأصلي."

والراحل من مواليد مدينة صفاقس في عام 1941، وحاصل على الأستاذية ودبلوم الدراسات العليا في الفلسفة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية من فرنسا، ثم حصل على شهادة السنة الأولى من التعمق في البحث بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية من تونس. مارس مهنة تدريس الفلسفة بالفرنسية ثم بالعربية في الأقسام النهائية بالمعاهد الثانوية ومدارس ترشيح المعلمين، ثم وصل إلى رتبة متفقد تعليم ثانوي، ثم متفقد أول في الفلسفة، ثم رتبة متفقد عام في التربية.

كان يعد كتابا عن الفلسفة الإسلامية

استطاع الأستاذ محمود بن جماعة أن يجمع بين الأدب والفلسفة طوال مسيرته المهنية في عالم الترجمة التي انطلقت فعليا منذ أواسط السبعينيات حيث ترجم العديد من القصائد الشعرية والأدبية من العربية إلى الفرنسية كقصائد أبي القاسم الشابي و"صباحك سكر" لنزار قباني وقصيدة "أنا في انتظارك" التي غنتها أم كلثوم والعديد من القصائد الأخرى التي صدرت في دواوين شعرية إلى جانب النصوص الفلسفية لكبار الفلاسفة في العالم. في رصيده العديد من المؤلفات المعرّبة منها "الحرية" لفريديريك لوبياس، "الأكسيومية أو منظومة الأوليّات" لروبار بلانشاي، "مقال في أصل اللامساواة بين البشر" لجون جاك روسو، "قصص في الحب" لجوليا كريستيفا، "أجمل قصة في تاريخ الفلسفة" للوك فيري وغيرهم.
وكان الراحل محمود بن جماعة قد أعلن قبل رحيله بأيام عن إعداده لكتاب خاص بالفلسفة الإسلامية مستذكرا العصر الذهبي لتدريس الفلسفة في تونس، قائلا: " في رأيي أن الفترة التي تولى فيها محمد الكراي التفقد في مادة الفلسفة (1969-1975) هي أحسن فترة من حيث البرامج وانفتاحها على العلوم الإنسانية، ومن حيث التغيرات العميقة في منهجية التدريس إذ قطعتْ عن أسلوب الدروس الأكاديمية والتلقينية واعتمدت النصوص سندا لمعالجة أي مسألة وفق الطريقة الحوارية، مع الاحتراز من أن أن يتحول الدرس إلى سلسلة غير مترابطة من تحاليل النصوص، أو ينساق الأستاذ وراء تأريخ الفلسفة. ولئن لم يتم آنذاك إدماج الفلسفة الإسلامية في برنامج الفلسفة العامة، فقد حصل تحول مهم جدا في تدريس الأولى بالتأكيد على القضايا بدل الأعلام أو المسائل المختصة في علم الكلام، وأعد كتاب في الغرض خاص بالفلسفة الإسلامية (وقد كانت تسمى، من قبل، "التفكير الإسلامي"). وليعلم الجميع أن ضارب الفلسفة في شعبة الآداب آنذاك 6، وفي شعبة العلوم التجريبية 4."
بعد مسيرة ثرية من المعرفة والتفكير والإبداع، رحل محمود بن جماعة وبين يديه مسودات كتاب عن الفلسفة وبين شفتيه وصية بالاهتمام بالفلسفة لأنها حصن المجتمعات المتقدمة.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115