أولويات المرحلة الانتقالية في سوريا إعادة بناء مؤسسات الدولة وتحسين الوضع الاقتصادي وضبط الحدود

منذ الإطاحة بنظام الأسد دخلت سوريا والمنطقة في مرحلة جديدة بكل ما تمثله من تحديات وصعوبات .

لعل الأهم هو إعادة ترتيب الداخل السوري الذي يئن من أزمات اقتصادية واجتماعية . كما تزداد المخاوف من مخاطر استمرار الاقتتال الداخلي خاصة بين الأكراد والحكومة السورية الجديدة والفصائل المدعومة من تركيا . وتبرز الى السطح مسألة تأمين الحدود مع دول الجوار من مخاطر تهريب الأسلحة والمخدرات . في هذا السياق بدأت الحكومة الانتقالية في سوريا بسلسلة تحركات مع الأردن وتم خلالها الاتفاق على تشكيل لجنة أمنية مشتركة لتأمين الحدود .

كما لا تخفى المخاوف لدى دول الجوار من عودة تنظيم داعش الإرهابي باستغلال خطر الفوضى الداخلية . وكان هذا الموضوع من أهم محاور الاجتماع السوري الأردني . وقد نفذ الجيش الأردني عدة ضربات جوية استباقية في سوريا منذ عام 2023 قال مسؤولون أردنيون إنها استهدفت مسلحين متهمين بأن لهم صلات بتجارة المخدرات، كما استهدفت الضربات منشآت للمسلحين.
وقال الصفدي في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني "بحثنا أمن الحدود وخطر تهريب المخدرات والسلاح وما تمثله داعش من تهديد".
وذكر الشيباني، الذي يزور عمان بعد قطر والإمارات عقب سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، أن تهريب المخدرات لن يشكل تهديدا للأردن في عهد الإدارة السورية الجديدة. وأضاف أن الوضع الجديد في سوريا أنهى التهديدات لأمن الأردن. وتعهد بمنع تهريب المخدرات، ومنها الكبتاغون، وأبدى استعداده للتعاون في هذا المجال بشكل موسع.
مرحلة صعبة
تعيش سوريا مرحلة فارقة تتسم بتحديات جمة في سياق المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد. فبعد سنوات من الفوضى، تواجه سوريا مابعد سقوط نظام الأسد صعوبات اقتصادية، سياسية، اجتماعية وأمنية متشابكة. حيث تبرز العديد من الملفات الحساسة التي تحتاج إلى معالجات عاجلة ومستدامة لضمان استقرار البلاد، في سياق المرحلة الإنتقالية التي تمرّ بها البلاد .
ويرى مراقبون أن المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا ستكون طويلة ومعقدة، وذلك في ظل الوضع الكارثي والمتهالك الذي تعيشه البلاد. فبعد سنوات من الحرب المدمرة التي خلفت دمارا واسعا في البنية التحتية والاقتصاد، وفي ظل تزايد الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، أصبح من الواضح أنّ عملية الانتقال إلى مرحلة الاستقرار تتطلب جهودا هائلة .فالحديث عن مرحلة انتقالية لا يقتصر على تغيير سياسي فحسب، بل يشمل إعادة بناء مؤسسات الدولة، تحسين الوضع الاقتصادي المتدهور، وتحقيق العدالة الاجتماعية التي يطالب بها الشعب السوري منذ بداية الأزمة.
تحديات المرحلة
ففي حين بدأت ملامح المرحلة الانتقالية تلوح رويدا رويدا، تبرز في الواجهة التحديات المتعلقة بإعادة بناء المؤسسات الحكومية وتعزيز سيادة القانون علاوة على الأولويات الملحة المتعلقة بالأوضاع الإقتصادية والأمنية وأيضا على علاقة بعدة ملفات هامة مثل ملف اللاجئين وملف الشمال السوري والتصعيد الأمني هناك، وهي ملفات تتطلب ليس فقط الإصلاحات الداخلية، بل أيضا التنسيق مع شركاء إقليميين ودوليين. في هذا السياق، يلاحظ المتابعون أن هناك تحرّكات دبلوماسية متزايدة من قبل عدد من المسؤولين العرب والأجانب الذين يزورون دمشق، وهو ما يعكس رغبة متزايدة في دعم استقرار سوريا وأمنها، بل والبحث عن حلول لتسوية بعض القضايا العالقة على الصعيدين السياسي والدولي.
ورغم هذه التحركات الإيجابية، تظل هناك ملفات شائكة، أبرزها قضية اللاجئين السوريين المنتشرين في دول الجوار، والتي تمثل تحديا إنسانيا واقتصاديا ضخما. كما أنّ ملف إعادة الإعمار، رغم تقديم بعض العروض الدولية، لا يزال يواجه عقبات في ظل الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية المفروضة على دمشق ، والتي رغم إعلان الولايات المتحدة الأمريكية رفع البعض منها إلا أنها لاتزال قضية معقدة . ناهيك عن قضية التوازن السياسي الداخلي التي قد تشهد تحولات صعبة نتيجة لتعدد القوى المحلية والإقليمية التي تسعى إلى التأثير في مجريات الأحداث.يرى مراقبون أن التحدي الأكبر يبقى في خلق حالة من التوافق الداخلي بين مختلف الأطراف السياسية والمجتمعية، في محاولة لاستعادة الثقة المتبادلة وبناء مؤسسات دولة فعالة تُعنى بمصالح المواطن السوري في الدرجة الأولى.في ضوء هذه التحديات المتشابكة، تظل الأنظار مشدودة إلى دمشق، التي تبدو أمام خيار واحد هو السير قدما في المرحلة الانتقالية، رغم ما يحيط بها من صعوبات وعقبات كبيرة.
إعادة الإعمار
ووفق مراقبين تواجه سوريا في المرحلة الراهنة تحديا مزدوجا يعكس عمق الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات. فمن جهة، هناك ضرورة ملحة لإعادة بناء ما دُمّر خلال سنوات الحرب الطويلة، ومن جهة أخرى، يتعين على الإدارة السورية أن تواكب التطورات الاقتصادية والتكنولوجية لتحديث اقتصادها بما يتلاءم مع متطلبات المشهد الراهن. يتطلب هذا التحدي استراتيجيات طويلة الأمد ورؤى شاملة تجمع بين الواقعية في التعامل مع الوضع الراهن، والطموح في بناء مستقبل أفضل يتجاوز آثار الصراع.ورغم أن المجتمع الدولي قد قدم بعض الدعم لعملية إعادة الإعمار، إلا أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد تشكل عائقا كبيرا في جذب الاستثمارات والتمويل اللازم.
تخفيف العقوبات ..خطوة تكتيكية
لا تزال واشنطن تتابع عن كثب تطورات المرحلة الانتقالية في سوريا، في ظل التحديات المتعددة التي تواجه الحكومة السورية الانتقالية. تبدأ هذه التحديات من ضرورة إعادة بناء الشرعية الوطنية، مرورا بمواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وصولا إلى مساعي مداواة التصدعات الطائفية التي تهدد استقرار البلاد على المدى الطويل.
وفي هذا السياق، يبدو أن الإدارة الأمريكية تسعى لتحقيق توازن دقيق بين دعمها الإنساني لسوريا والإبقاء على أدوات الضغط السياسي، من خلال استمرار فرض العقوبات الاقتصادية التي كانت قد فرضتها على النظام السوري منذ عقود.
في خطوة تعكس الحذر الدبلوماسي، تخطط إدارة الرئيس جو بايدن لتخفيف بعض القيود المتعلقة بالمساعدات الإنسانية لسوريا، وفقا لما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال". هذه التخفيفات تشمل تسهيل عملية تسليم الإمدادات الإنسانية، لكنها لا تمتد لتشمل القطاعات الحيوية الأخرى مثل البناء والطاقة.
من جهته جدد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أمس الأول دعم بلاده للانتقال السياسي السلمي نحو حكومة شاملة وخاضعة للمساءلة في سوريا، وذلك خلال اتصال هاتفي أجراه مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان آل سعود.وخلال الاتصال، ذكر بلينكن أن احترام الحقوق والحريات الأساسية لجميع السوريين، بما في ذلك الأقليات، ومنع استخدام سوريا كقاعدة للإرهاب، هو هدف مشترك للمجتمع الدولي، وفق بيان صادر عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر.
وأكد أنه يجب على المجتمع الدولي تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى عموم سوريا، وشكر الحكومة السعودية على تقديم المساعدات للشعب السوري.كما ناقش بلينكن ونظيره السعودي أيضا الجهود الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة الذي من شأنه أن يسمح بالإفراج عن جميع الرهائن وزيادة المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وفق البيان.
وكانت الخارجية السعودية ذكرت في بيان مقتضب حول الاتصال أن الوزير بن فرحان بحث مع بلينكن العلاقات الثنائية والمستجدات الإقليمية.وكان وفد أمريكي برئاسة باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، التقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في 20 ديسمبر الماضي، وبحث معه رفع العقوبات ومسار الدولة.وفي أول زيارة رسمية خارج البلاد، زار وفد سوري بقيادة وزير الخارجية أسعد الشيباني السعودية حيث نقل إلى نظيره السعودي الرؤية السورية لتشكيل حكومة تضم جميع مكونات المجتمع.
من جانبه قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن باريس ستدعم العملية الانتقالية في سوريا من أجل بناء دولة "حرة ذات سيادة" عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد.جاء ذلك في كلمة خلال الاجتماع السنوي للسفراء الفرنسيين، الاثنين في قصر الإليزيه بالعاصمة باريس بشأن أولويات السياسة الخارجية الفرنسية.وأكد ماكرون أن العملية الانتقالية في سوريا يجب متابعتها بجدية.وأشار إلى أنهم سيدعمون العملية الانتقالية نحو بناء دولة "حرة ذات سيادة" في سوريا تعكس التنوع العرقي والسياسي والطائفي في البلاد.وأضاف الرئيس الفرنسي أن هذا الدعم سيستمر "على المدى الطويل".
ضغوط دولية
ورغم تخفيف بعض القيود على المساعدات الإنسانية، تدرك واشنطن أنّ نجاح المرحلة الانتقالية يتطلب أكثر من مجرد تخفيف القيود الإنسانية، بل يحتاج إلى تقدم حقيقي على صعيد الإصلاحات السياسية والمصالحة الوطنية.
في الداخل الأمريكي، لا تزال هناك تحفظات كبيرة داخل الكونغرس بشأن الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة دون تحقيق تقدم ملموس في مجال المصالحة الوطنية. هذه التحفظات تشير إلى انقسام داخلي بشأن كيفية التعامل مع الملف السوري، حيث تتباين الآراء بين تيار يدعو إلى تعزيز الدعم الإنساني كخطوة أولى، وآخر يرى أنه من الأفضل انتظار وضوح الرؤية السياسية في سوريا قبل اتخاذ أي خطوات إضافية.
فالنقاشات الجارية في واشنطن تعكس تباينا في المواقف، مما يجعل من الصعب التنبؤ بموقف السياسة الأميركية بشكل نهائي. ومن هنا، يبقى الملف السوري مفتوحا على العديد من الاحتمالات، حيث لا تزال المواقف الدولية في مرحلة الترقب، ولا تبدو هناك مؤشرات قوية على تغيير جذري في السياسة الأميركية تجاه دمشق في الوقت الراهن.
خطوة نحو استعادة الدور الإقليمي
من جهة أخرى استأنف مطار دمشق الدولي، أمس حركة المغادرة والقدوم للطائرات بعد إعادة تأهيله بشكل شامل عقب سقوط النظام السابق. وقد شهد المطار عودة النشاط تدريجيًا وسط إجراءات فنية وأمنية ولوجيستية أشرفت عليها السلطات الجديدة.
وقالت وكالة الاناضول نقلا عن مراسلها ان " هذه الخطوة تؤكد أن الأجواء السورية أصبحت آمنة تمامًا لحركة الطيران، سواء الرحلات القادمة والمغادرة أو تلك التي تعبر الأجواء السورية كترانزيت".وأوضح أن استئناف الرحلات من مطار دمشق الدولي يحمل أبعادًا أمنية وسياسية مهمة. وأشار إلى أن "عودة حركة الطيران رسالة واضحة بأن الأوضاع الأمنية في سوريا أصبحت مستقرة، بما يتيح للطائرات القدوم والمغادرة بشكل آمن".
كما أكد المسؤولون أن استئناف عمل المطار يعكس تحسن الظروف الأمنية إلى مستوى يرضي شركات الطيران العالمية.من الناحية السياسية، يُتوقع أن تعزز هذه الخطوة حركة الوفود الرسمية الدولية إلى سوريا لعقد المناقشات والمباحثات مع الإدارة السورية الجديدة. كما ستتيح لمسؤولي الحكومة الانتقالية مرونة أكبر في التنقل الدولي، وهو ما كان يمثل تحديًا كبيرًا في ظل صعوبات السفر عبر الطرق البرية إلى الدول المجاورة مثل الأردن ولبنان والعراق.
ويشكل مطار دمشق الدولي بُعدا رمزيا إلى جانب أهميته اللوجستية، حيث يعد استئناف عملياته رسالة تقول فيها السلطات الجديدة إن سوريا تسير نحو إعادة بناء علاقاتها الإقليمية والدولية.واختتم مشاقبة قائلاً: "هذا التحول يبعث برسالة للمجتمع الدولي مفادها أن سوريا أصبحت جاهزة للتواصل والتفاعل على مختلف الأصعدة، بما في ذلك قطاع الطيران الذي يعكس الاستقرار الداخلي وقدرة البلاد على المضي قدمًا نحو التعافي".

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115