بين الأحد 8 والاثنين 9 ديسمبر.. يأتي هذا التحرك في حين لم تشارك تل أبيب في قلب نظام بشار الأسد. وهو مؤشر على تحركات على الساحة السورية من قبل دول أخرى لضمان مصالحهم ومواقعهم المثبتة منذ 2017.
وذكرت تقارير أمريكية أن الطيران الأمريكي المرابط في البحر الأبيض المتوسط استهدف 100 منطقة وسط سوريا يفترض أن تكون فيها جماعات تابعة لتنظيم داعش في حين قصفت في نفس الوقت القوات التركية مواقع للقوى الديمقراطية السورية (الكردية) شمال البلاد.تأتي هذه العمليات العسكرية بعد سقوط دمشق في يد الجماعات المسلحة وفي مقدمتها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) المندرجة من تنظيم القاعدة في بلاد الشام تحت قيادة محمد الجلالي الذي غير اسمه يوم الإثنين ليصبح أحمد الشرع. وكانت الجماعات المسلحة قد انطلقت من إدلب بمساندة عسكرية ومباركة سياسية تركية. أما دمشق فقد سقطت في أيدي مسلحين تابعين لفريق آخر من المعارضة المسلحة.
تحركات عسكرية
التدخلات الأجنبية على التراب السوري اتسعت لكل المناطق. من ذلك أن قامت وحدات عسكرية تابعة لقوات الاحتلال بالانتشار في كل مناطق الجولان السوري. وصرح بنيامين نتانياهو في هذا الصدد أن "هضبة الجولان هي جزء من إسرائيل وستبقى كذلك للأبد." استغلال سقوط نظام بشار الأسد لم يقتصر على الجانب الإسرائيلي. بل صرح جنرال تابع للقوى العسكرية الأمريكية أن هدفه ضرب المجموعات المسلحة التابعة لتنظيم داعش والمتواجدة في بعض مناطق وسط سوريا التي لم تسيطر عليها قوات بشار الأسد علما وأن قوات خاصة أمريكية تتمركز في الوسط "لحماية" المنشآت النفطية.
في شمال البلاد، تسيطر تركيا على الخط الحدودي المشترك ولها بين 10آلاف و 15 الف جندي مرابط في منطقة إدلب من أين انطلقت عملية قلب النظام التي لم تستغرق أكثر من 12 يوما. وتحركت قوى الجيش الوطني السوري المنفصل على الجيش النظامي عام 2017 والمدعوم من قبل أنقرا إلى مناطق في الشمال. وكانت القوات الأمريكية قد طلبت من مجموعات القوى الديمقراطية السورية (الكردية) الانسحاب من مواقعها لترك المجال لمقاتلي هيئة تحرير الشام في طريقهم نحو حمص ودمشق.
أما القوى التابعة للجيش السوري ولحزب البعث فهي لا تزال متمركزة في الخط الساحلي للبلاد بعد انسحابها من المدن السورية. في نفس السياق عبرت روسيا عن وضع قواعدها العسكرية في طرطوس وفي اللاذقية في حالة استنفار. وصرح الكرملين أنه لن يسمح بأي عملية تجاه قواعده في سوريا.
غموض على المستوى الدبلوماسي
في نفس الوقت تتواصل التحركات الدبلوماسية الدولية والغربية خاصة من أجل بلورة موقف موحد بعد سقوط نظام بشار الأسد.وطالبت الأمم المتحدة بوقف التحركات والهجمات الإسرائيلية على التراب السوري في محاولة يائسة لمنع انتشار النزاع لكامل المنطقة. كما طالب الممثل الأممي في سوريا بمحاكمة كل الأشخاص التابعين لنظام بشار الأسد الذين شاركوا في انتهاكات حقوق الإنسان والعمل على توحيد الشعب وعدم التناحر.
من ناحيته حذر أنطوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي الإثنين من مغبة استغلال تنظيم القاعدة فترة التحلل لاسترجاع قدراته في سوريا وزرع مواقع آمنة. "وكما أظهرت قصاتنا خلال نهاية الأسبوع، لن نترك مجال لمثل ذلك" السيناريو. وهو نفس الموقف الذي عبر عنه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي اعتبر أن الخطر يمكن أن يأتي من تنظيم القاعدة وأن الإدارة الجديدة سوف تعمل في نفس الاتجاه لمقاومته.
في حين بدأت مظاهر تشكيل حكم جديد في دمشق، لم تتبلور بعد مواقف سياسية واضحة من قبل القوى العظمى المتواجدة عسكريا في سوريا. ففي غياب موقف أوروبي موحد، أعلنت ألمانيا وفرنسا عن نيتهما التعامل بصورة إيجابية مع الوضع في سوريا وأن أهم مسألة تكمن في عدم انسياق البلادفي نزاعات داخلية، بل أكدت على ضرورة التوصل إلى توافق واسع من أجل ضمان وحدة البلاد. ولا تزال مواقف موسكو وطهران غير معلنة رسميا في حين لها مصالح مباشرة بالرغم من سقوط النظام. أما تركيا التي ساهمت في تخطيط وتمويل وتسهيل تحركات المقاومة السورية المسلحة فهي تخرج المنتصر الأول في العملية. وهي تسيطر على كل المعابر الحدودية مع سوريا وتمركز عشرات الآلاف من الجيش التركي على الشريط الحدودي المحتل.
قضية اللاجئين
ففي الوقت الذي لم تستقر فيه الأوضاع بعد وفي تواجد جماعات وتنظيمات قتالية مختلفة في الشمال والوسط والجنوب، إضافة إلى القوى النظامية المتبقية، فإن البلدان الأوروبية بما فيها تركيا قررت إيقاف عمليات تسجيل اللاجئين السوريين. بل إن تركيا قد فتحت معبرين لتسهيل ترحيل اللاجئين السوريين إلى مدنهم الأصلية. كذلك قامت فرنسا وألمانيا والنمسا بنفس الخطوات. فقد أعلنت ألمانيا أنها وضعت حدا لتنظيم استقبال وتوطين اللاجئين السوريين الذين وصلوا التراب الألماني. وكانت ألمانيا قد استقبلت مليون سوريا منذ 2015. نفس الموقف اتخذته فرنسا التي تدرس مطالب لجوء لأكثر من 45 ألف لاجئ سوري. أما النمسا فقد قررت الدخول في عملية ترحيل للاجئين بالرغم من الأوضاع الغامضة على كل التراب السوري.
وتبقى القضايا العالقة في انتظار مواقف واضحة. من ذلك أن مقاتلي هيئة تحرير الشام التي تعتبر أهم فصيل مسلح في سوريا، والتي هي مدعومة من قبل تركيا، تعتبرهم الدول الغربية "إرهابيين" وأن زعيمهم محمد الجلالي مصنف من بين الإرهابيين. ولا يعرف إلى حد الآن مصير الموقف الأمريكي من ذلك. في نفس السياق عدد الفصائل المقاتلة السورية لا تنتمي إلى نفس الاتجاهات ففيها الجهادي السلفي وفيها من بتبع تنظيم الإخوان المسلمين ومنها مجموعات مقاتلة علمانية وأخرى تابعة لبعض الطائفات. وهي تتمتع بدعم من قبل دول إقليمية لا تتوافق فيما بينها. لذلك طالب الأمين العام للأمم المتحدة جميع الأطراف بالعمل من أجل توحيد الصفوف والعمل على بناء دولة جديدة تسع الجميع. في حين الواقع على الأرض لا يسمح اليوم بتحقيق فوري لهذا التوجه. ويخشى الجميع أن تتجه سوريا إلى تحقيق السيناريو الليبي لما لتشابك المصالح وتعدد الجهات الأجنبية المتداخلة في الملف السوري.