الجيش السوري يستعد لشن هجوم مضاد في حماة تصعيد عسكري في سوريا ورسائل سياسية تهدّد بقلب موازين القوى

تأتي التطورات الدراماتيكية التي شهدتها سوريا في الآونة الأخيرة ، خصوصا في محافظتي حلب وإدلب،

لتضيف فصلا جديدا من التوترات في الأزمة السورية التي دخلت عامها الرابع عشر. التصعيد الذي يُسجّل في هذه المناطق يتزامن مع تصريحات متبادلة بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في النزاع، حيث تتشابك مصالح مختلف الأطراف في ما يُعتقد أنه "معركة بقاء" تتخطى حدود سوريا. في هذا السياق، لم تقتصر المواجهات على الساحة العسكرية، بل امتدت إلى الساحة السياسية، حيث طفا إلى السطح التباين العميق بين القوى الكبرى بشأن كيفية التعامل مع الأزمة.

في تصريحات حادة، وجه الرئيس السوري بشار الأسد رسالة إلى الولايات المتحدة، متهما إياها بالسعي إلى تقسيم المنطقة وزعزعة استقرارها. وقال الأسد إن التصعيد في شمال غرب سوريا "لا يعدو أن يكون جزءا من المخطط الغربي لزعزعة الأمن في المنطقة"، مشددا على أن "التصعيد لن يزيدنا إلا إصرارا على مواجهة الإرهاب والقضاء عليه".
هذه التصريحات تشير إلى تنامي التوتر بين سوريا والولايات المتحدة، حيث تتهم دمشق واشنطن باستخدام الجماعات المسلحة في شمال سوريا كأداة لزيادة الفوضى وإضعاف النظام السوري، خاصة بعد أن واصلت القوات الأمريكية وجودها في مناطق شرق الفرات تحت ذريعة محاربة تنظيم "داعش."
من جانبها، ردت روسيا وإيران بتأكيد دعمها الكامل لسوريا، حيث أكدت طهران في بيان رسمي على "رفضها لأي مساس بوحدة الأراضي السورية"، معتبرة ذلك تهديدا للأمن الإقليمي برمته. ومن هنا، يتبين أن الأزمة السورية باتت محورا للتنافس بين القوى العظمى، حيث تتسابق واشنطن، موسكو، وطهران للهيمنة على مجريات الأحداث.
خلافات وتباينات
من جانب آخر، أعلنت تركيا عن استعدادها للعب دور الوسيط بين الحكومة السورية والفصائل المعارضة، إلا أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان حذر من أي تدخل خارجي في الشأن السوري، مؤكدا أن "النظام السوري يتحمل مسؤولية التصعيد بسبب رفضه التوصل إلى تفاهمات مع المعارضة". تركيا ترى في النظام السوري خصما رئيسيا في سياستها الإقليمية، وتعتبر أنه لا يمكن لأي حل دائم في سوريا أن يتم دون إشراك المعارضة في العملية السياسية.
ولكن على الرغم من هذا الاستعداد التركي للتوسط، يظهر الخلاف العميق بين أنقرة وطهران حول كيفية التعامل مع الجماعات المسلحة. في هذا السياق، قال وزير الخارجية الإيراني إن "إيران ترى في التصعيد تهديدًا لأمن المنطقة ككل"، وهو ما يعكس التصور الإيراني المختلف، الذي يدعم النظام السوري في مواجهة المجموعات المسلحة. بينما ترى تركيا أن بعض الجماعات المسلحة في إدلب تشكل تهديدا مباشرا لأمنها، خاصة تلك المرتبطة بحزب العمال الكردستاني وذراعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي .
الموازنة بين التكتلات
روسيا، التي كانت حليفا رئيسيا للنظام السوري منذ بداية الأزمة، تتبع سياسة أكثر توازنا بين مختلف الأطراف الفاعلة في المنطقة. وتواصل موسكو تعزيز اتصالاتها مع كل من إيران وتركيا، وتدفع باتجاه حلول سياسية ضمن إطار "مسار أستانة"، الذي يسعى إلى جمع الأطراف الرئيسية، بما في ذلك الحكومة السورية والمعارضة، لتوجيه مسار التسوية السياسية.
وفي هذا الصدد، أكد الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان اتفقا على دعم كامل لسوريا في مواجهة الهجمات المسلحة. وبحسب البيان، فإن "الهجمات المسلحة تهدف إلى تقويض سيادة سوريا واستقرارها". وهذا التأكيد الروسي يعكس حرص موسكو على دعم النظام السوري، في الوقت الذي تدفع فيه لتسوية سياسية شاملة في إطار التفاوض مع تركيا ودول أخرى معنية بالملف السوري.
هذه التحديات تتجسّد في التباين الكبير بين الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في الأزمة، حيث يصعب التوفيق بين الأهداف المتضاربة، لا سيما بين مصالح تركيا الأمنية والإيرانية الإستراتيجية، والمصالح الروسية التي تسعى للحفاظ على توازن القوىة في المنطقة.من أبرز المعوقات أيضا أنّ أي تصعيد عسكري قد يؤدي إلى مزيد من النزوح السكاني، ما يفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة، ويزيد من تعقيد جهود الإغاثة. كما أن استمرار القتال يزيد من تعميق الشرخ بين الأطراف، ويعزز من قوة الجماعات المسلحة التي تستفيد من الفوضى الحالية، ما يجعل من الصعب على الأطراف الدولية فرض تسوية سياسية.
هجوم مضاد في حماة
وفي ظل التوترات المتزايدة على الجبهة السورية، أفادت مصادر عسكرية أن الجيش السوري يستعد لشن هجوم مضاد واسع النطاق في منطقة حماة، وهي واحدة من المناطق الإستراتيجية في غرب سوريا.
حماة، التي تقع شمال غرب العاصمة دمشق، هي نقطة تماس بين القوات الحكومية السورية والفصائل المعارضة، بالإضافة إلى تواجد تنظيمات إرهابية في بعض المناطق. خلال الأسابيع الماضية، شهدت المدينة والريف المحيط بها اشتباكات عنيفة، حيث تكثف الفصائل المسلحة هجماتها على مواقع الجيش السوري في محاولة لتوسيع نطاق سيطرتها في المنطقة.
تعتبر هذه المدينة ذات أهمية بالغة، ليس فقط لأسباب إستراتيجية، بل أيضا لوجودها بالقرب من الطريق الرئيس الذي يربط دمشق بحلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا. إضافة إلى ذلك، فإنها تمثل نقطة مفصلية في محاولة الحكومة السورية استعادة كامل أراضيها من الفصائل المسلحة.
فيما يبدو أنه جزء من إستراتيجية أوسع لاستعادة المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة، بدأت وحدات الجيش السوري بتعزيز مواقعها في محيط حماة استعدادا لشن هجوم مضاد. وتؤكد التقارير العسكرية أن الجيش نشر المزيد من القوات، بما في ذلك الدبابات والمدفعية، في مواقع متقدمة على جبهات القتال. وقد أشار بعض الخبراء العسكريين إلى أن الهجوم المزمع قد يكون مدعوما بغارات جوية روسية مكثفة ، وذلك لضرب مواقع الفصائل المسلحة وتدمير مخازن الأسلحة.
ووفق مراقبين يحمل الهجوم المضاد المتوقع في حماة أيضا أبعادا سياسية ودبلوماسية بارزة. فمن جهة، يعكس هذا التحرك إصرار النظام السوري على استعادة السيطرة على الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، وهو جزء من إستراتيجية طويلة الأمد لإعادة تأهيل المناطق التي دمرتها سنوات الحرب.
من جهة أخرى، قد يثير الهجوم المضاد ردود فعل من القوى الإقليمية والدولية المعنية بالشأن السوري. الولايات المتحدة وتركيا، اللتان لهما وجود عسكري في سوريا، قد تواجهان تحديات إضافية نتيجة لهذه العمليات العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي هذه التطورات إلى تصعيد أكبر في المواجهات بين القوات السورية والفصائل المسلحة المدعومة من الخارج.
من غير الواضح بعد ما إذا كان الهجوم المضاد في حماة سينجح في تحقيق أهدافه العسكرية أو سيواجه مقاومة قوية من الفصائل المسلحة التي تواجه اتهامات بحصولها على دعم غير مباشر من إسرائيل بهدف مزيد بث الفوضى في المنطقة . ومع تصاعد العمليات العسكرية، يبقى الوضع في حماة مرشحا للتغير السريع، ما يفتح المجال لمزيد من التحليلات حول مستقبل الصراع السوري.

في الختام، يمثل الهجوم المضاد في حماة خطوة جديدة في مسار الحرب السورية، التي لا تزال مفتوحة على احتمالات متعددة، في وقت يواصل فيه الشعب السوري دفع ثمن باهظ من جراء هذا الصراع الطويل والمستمر.
المعارضة تتوسّع بريف حماة
ميدانيا أعلنت إدارة العمليات التابعة للمعارضة السورية المسلحة، صباح أمس الثلاثاء، السيطرة على مدن وبلدات "حلفايا" و"معردس" و"طيبة الإمام" بريف حماة الشمالي بعد معارك عنيفة مع الجيش السوري والمجموعات العسكرية المدعومة من إيران.
وكانت المعارضة قد أعلنت في وقت سابق سيطرتها على قرى جديدة في ريف حماة لا سيما في سهل الغاب، إضافة إلى سيطرتها على مواقع عسكرية إستراتيجية في حلب بينها مطار النيرب العسكري ومدرسة المشاة، ومحافظة ادلب بالكامل.
يأتي ذلك في وقت أعلن فيه الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) الاثنين مقتل نحو 25 شخصا شمالي غربي البلاد في غارات جوية شنها الطيران الحربي السوري والروسي.وفي سياق متصل، نقلت وكالة ''رويترز'' عن مصدرين في الجيش السوري قولهما إن عناصر من فصائل مدعومة من إيران دخلت سوريا قادمة من العراق، وتتّجه إلى شمالي الأراضي السورية لتعزيز قوات النظام السوري التي تقاتل قوات المعارضة.
ضربة إسرائيلية على طريق مطار دمشق الدولي
على صعيد آخر شنّت إسرائيل أمس الثلاثاء ضربة على سيارة على طريق مطار دمشق الدولي، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، ما أسفر عن مقتل شخص لم تتضح هويته وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ونقلت وكالة سانا عن مصدر في شرطة ريف دمشق "انفجار سيارة جراء عدوان إسرائيلي استهدفها على طريق مطار دمشق الدولي"، دون تفاصيل أخرى.
وأفاد المرصد أن مسيّرة إسرائيلية نفذت الضربة على السيارة، "ما أدى إلى مقتل شخص كان بداخلها وإصابة آخر دون معرفة هويتهما حتى اللحظة".

وحصلت الضربة قرب جسر عقربا في ريف دمشق، حيث يوجد مطار عسكري مخصص للمروحيات. وكثّفت اسرائيل منذ سبتمبر بشكل ملحوظ ضرباتها على سوريا على وقع المواجهة المفتوحة التي كانت تخوضها مع حزب الله في لبنان المجاور قبل أن يسري وقف لإطلاق النار منذ الأسبوع الماضي.ونادرا ما تؤكّد إسرائيل تنفيذ الضربات، لكنّها تكرّر تصدّيها لما تصفه بمحاولات إيران لترسيخ وجودها العسكري في سوريا. وتقول أخيرا إنها تعمل على منع حزب الله من "نقل وسائل قتالية" من سوريا إلى لبنان.
من جهته قال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري في مؤتمر صحفي أمس الثلاثاء إن قطر تعمل مع تركيا وشركاء آخرين في المنطقة للتوصل إلى حلول لإنهاء الأعمال القتالية في سوريا.
وعندما سُئل عن تقارير أوردتها وسائل إعلام رسمية إيرانية تفيد بأن إيران وروسيا وتركيا ستجتمع للتباحث بشأن سوريا خلال منتدى الدوحة هذا الأسبوع، قال الأنصاري إنه ليست لديه معلومات عن أي خطط من هذا القبيل، لكن قطر دائما منفتحة على ذلك.
دعوات "لإيجاد حل سياسي"
من جهته دعا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر نظام بشار الأسد وجميع الأطراف السورية، إلى التوصل لحل سياسي لوقف الصراع الدائر.جاء ذلك تعليقا على التطورات التي تشهدها سوريا منذ أيام، وذلك في كلمة ألقاها خلال فعالية بالعاصمة لندن.وقال ستارمر: "نجدد دعوتنا للنظام (السوري) وجميع الأطراف إلى العمل من أجل التوصل إلى حل سياسي لوقف الصراع".
ودخلت قوات المعارضة حلب عصر الجمعة، وسيطرت على المدينة، وبسطت سيطرتها على كامل محافظة إدلب، السبت.وبخصوص قطاع غزة، أكد رئيس الوزراء البريطاني ضرورة إنهاء الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، وضمان إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.وفي سياق آخر، تطرق ستارمر إلى الحرب الروسية الأوكرانية، مؤكدا استمرار دعم بلاده لأوكرانيا.وقال: "على الجميع أن يفكروا للحظة فيما سيعنيه انتصار روسيا لقارتنا والعالم".

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115