في محاضرة قيّمة لرضا الكشتبان في كلية الآداب بمنوبة حفريات في العلاقات الثّقافية التونسية الإسبانية بين الأمس واليوم

ما بين الأندلس سابقا وإفريقية قديما علاقات تبادل والتقاء سيما إن كانت الفنون هي لغة الحوار بين الحضارتين.

في هذا السياق قدّم الأستاذ رضا الكشتبان مداخلة ثرية وقيّمة بعنوان "حفريات في العلاقات الثّقافيّة التّونسيّة الاسبانيّة بين الأمس و اليّوم" في إطار "الملتقى التُّونسي الاسبَانِي الأمريكي اللاتيني السابع للأدباء والمفكرين" الذي نظمه قسم اللغة والآداب الإسبانية بكلية الآداب الآداب بمنوبة على امتداد يومي 25 و26 أكتوبر 2023.

حضر هذا الملتقى حوالي 35 مشارك من تونس والمكسيك وبوليفيا وفينيزويلا وكولومبيا واسبانيا وعدد من السفراء في تأكيد على أن تونس هي أرض الحضارات وملتقى الثقافات.

ابن خلدون وابن زيدون وحوار الثقافتين

إنّ العلاقات الثقافية بين تونس وإسبانيا "تتجاوز روابط التواريخ البسيطة الى التلاقح الأجناسيّ أحيانا والتداخل اللّغوى أحيانا أخرى، فإسبانيا الحضارة قريبة منّا ، لصيقة بنا تلازم بعض أنماط عيشنا وطرق حياتنا وضروب مآكلنا و ملبسنا و لغتنا و تعابيرنا ، حاضرة في معاهدنا و كلياتنا ... " وفقا للمحاضر ورئيس الجمعية التونسية للتربية والثقافة رضا الكشبتان الذي أكد أنّ "الحفر في العلاقات العريقة بين البلدين على المستوى الثقافي يقتضي - بعدا أنثروبولوجيا للثقافة بالبحث في العادات و التقاليد و الأكلات والتمثّلات الثّقافيّة ".
عن الحركة الأدبية في الأندلس قديما وعلاقتها بإفريقية ، قال الأستاذ رضا الكشتبان في مداخلته :"لقد تواشجت الطبيعة بأشجارها و أنهارها وعطورها وأنوارها و مجاريها بالعمران تتآزر فيه القباب و السواري و الأعمدة و التزيين بصنوف أنواع الخزف ، وهي لوحة في الأصل تخالف العمارة الشرقيّة بغياب الماء عنها و ندرة الاخضرار فزهراء رادس و زهراء المهدية هي امتداد لزهراء ابن زيدون :
إنّي ذكرتك بالزهراء مشتاقا *** و الأفق طلق و مرأى الأرض قد راقا
لقد ازدهرت الحركة الأدبية بالأندلس ازدهارا حاول فيه الرّواد تجاوز الاتباع الشرقي الى الابداع المغربيّ فحضر الشعر مع ابن خفاجة و ابن زيدون خاصّة و المقامات مع السرقسطي و الأخبار مع طوق الحمامة مع ابن حزم و الترسّل مع رسالة التوابع و الزوابع مع ابن شهيد و فلسفة ابن رشد و ابن طفيل وابن يقضان و ابن عبد ربّه ...

كما أثّر المنتج الابداعي الأدبي في دروس المدرسة التّعليمية التّونسيّة كابن زيدون و ابن هانئ و ابن حزم و ابن شهيد و ابن طفيل ، هي مدونة ابداعية حاولت أن تكون بعيدة عن التوابع قريبة من الزّوابع تكشف التأثّر و التّأثير بين المجالين ثقافيا عبر التّاريخ ، و حضر لوركا ثوريا و مناضلا و حاملا لواء الحريّة للانسانية جمعاء بشعره الملتزم و رحل ابن خلدون شرقا و غربا في كتابه يؤرخ مسيرته و مساره انطلاقا من الايالة التونسية الى الجزائر فالمغرب فالأندلس فمصر... وقد انتشرت أقسام الاسبانية في أغلب المؤسسات الجامعية كمعهد بورقيبة اللغات الحية و ابن شرف و كلية منوبة حيث يدرس شعراء الاسبانية و كتابها من بينهم ذكرا لا حصرا ـ ميغال دي أنامونو ، غارسيا لوركا ،لويس ثرنودا ، ثربنتس ، غابريال غارسيا ماركيز ، بابلو نيرودا ... "

المترجم رضا مامي يصل بالأدب التونسي إلى إسبانيا

لا يمكن عند الحديث عن العلاقات الثقافية التونسية - الإسبانية ، تجاهل دور المترجم والشاعر وأستاذ الأدب والحضارة الأسبانية في الجامعة التونسية رضا مامي في التعريف بإبداعات تونس في الفكر والأدب وهو الذي بفضل ترجمته لكتاب «من عيون شعر الشابي» إلى اللغة الإسبانية قررت الجامعات في إسبانيا إدراج شعر الشابي ضمن برامج تدريس الأدب المقارن والأدب العربي المعاصر. وهو ما ذهب إليه وأكده المحاضر رضا الكشتبان في محاضرته "حفريات في العلاقات الثّقافيّة التّونسيّة الاسبانيّة بين الأمس و اليّوم"، إذ قال:"ولعل جهود الدكتور رضا مامي ارتقت بمجموعة من الشعراء التّونسيين من ضيق الجغرافيا الى فضاء الجامعات الاسبانية ليستقر جزء من الأدب التونسي في رحاب اسبانيا و بلدان أمريكا اللاتينية . و لعل أبهى الجسور الثقافية و الفنيّة أن يكون الشّابي هناك و لوركا هنا ، الشّابي الذي كان آحادي اللغة يطير بجناح واحد حصره في حومة اللغة العربية ، فجاء رضا مامي ليسافر به الى اسبانيا دون جواز سفر الا بما امتلكه من قدرة على نقل اللسان العربي الى آخر اسباني ..."

ويضيف رضا الكشتبان: " و لعلّ قصيدة " أغنية حبّ الى ابن زيدون " لعبد العزيز قاسم التي نشرها في ديوانه " نوبة حبّ في عصر الكراهيّة "و نال بها جائزة ابن زيدون لسنة 1986 من المعهد العربيّ الاسباني بمدريد دليل على الحوار المفتوح بين الحضارتين، والتي يقول فيها:
يا ابن زيدون أعرني منك لحنا و هــــديلا
انّني عنكَ ورثتُ الشّوق و الحزن الطّويلا
هذه ولاّدة تســــألُ تستــــــجدي الدّليــــــلا
أوما زال التّنــــــائي عن تدانيـــــنا بديــلا

في خاتمة مداخلته انتهى رضا الكشتبان إلى أن بين تونس واسبانيا تداخل في مجالات الحياة في بعديها المادّي و اللامادّي انطلاقا من موروث في الموسيقى بين المالوف والفلامنكو وصولا إلى إرادة الحياة في شعر الشابي ونضال لوركا و لوحات بيكاسو .. حيث كانت "الإنسانية في سيرورتها التاريخية أخذ وعطاء وحوار قد يبدأ ولا ينتهي."

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115