يوم الثلاثاء 10 سبتمبر في مدينة فيلادلفيا (بنسيلفانيا) معقل الديمقراطية الأمريكية. وهي المناظرة الثانية في السباق بعد تلك التي شارك فيها الرئيس جو بايدن والتي أدت إلى تخليه لصالح كامالا هاريس في 21 جويلية إثر مردوده الرديء وخوف الديمقراطيين من انتقال السلطة إلى ترامب.
أدار المناظرة كل من الصحفي دافيد موير و لينزا يدافيس اللذان يقدمان نشرة أخبار "الأخبار العالمية الليلة" على قناة "أي بي سي". دخلت كامالا هاريس (59 سنة) المناظرة وهي وجه غير معروف لدى الناخب الأمريكي محملة بعبء تخلي الرئيس بايدن وبضرورة إعطاء صورة رئاسية مشرقة للناخبين تمكنها من دخول التاريخ كأول امرأة تترأس الولايات المتحدة الأمريكية. من ناحيته، ظهر دونالد ترامب (78 سنة) هادئا على غير عادته واختار عدم الانفعال والخوض في خطابات عنصرية خلفت أثرا سلبيا في الماضي في حين اتخذت كامالا هاريس نهجا هجوميا جعل دونالد ترامب في حالة دفاع أمام الانتقادات التي وجهت له من قبل نائبة الرئيس.
أمريكيتين في الحلبة
ظهر من بداية المناظرة أن المرشحين قدما نظرتين مختلفتين على الولايات المتحدة الأمريكية. ترامب أكد على تقهقر البلاد وتعدد مشاكلها مع التلويح بانها سوف تنسحب من قيادة العالم، بسبب الديمقراطيين، وأنها سوف تشبه فينيزويلا في حين ركزت هاريس على المستقبل وعلى ضرورة جلب جيل جديد من السياسيين لخدمة الشعب الأمريكي مركزة على فكرة أن دونالد ترامب يجتر فكرة ماضوية وأنها تعمل لصالح مستقبل الأمريكيين.
وكان هذا الخلاف واضحا في كل المسائل التي عرضت على النقاش مثل الهجرة والاقتصاد والبطالة والصحة ودور أمريكا في العالم. وعقبت هاريس على الوضع الكارثي الذي ورثته الإدارة الأمريكية قائلة:"ترك لنا دونالد ترامب أسوأ حالة بطالة منذ الكساد الأعظم" مضيفة: "ما فعلناه هو تنظيف الفوضى التي خلفها دونالد ترامب". وكانت مداخلة المرشحين حول أحداث الكابيتول التي كان ترامب وراءها فرصة لدونالد ترامب أن يحاول التنصل منها معتبرا أنه لم يشارك فيها، بل طلب منه القاء خطاب فقط. أما كامالا هاريس فقد نفت فكرة "سرقة الانتخابات عام 2020" التي يروجها أنصار ترامب وتقول للمرشح ترامب:" في الواقع تم طردك من قبل الناخبين".
اختلافات واضحة
وارتكز النقاش على المسائل الداخلية حول ثلاثة مواضيع أساسية تمثلت في الوضع الاقتصادي ومسألتي الهجرة والإجهاض. وكان من الواضح أن دونالد ترامب استخدم أفكار القديمة التي كان يروجها في حملته عام 2020 وكررها في المناظرة لكن الصحفيين مديرا الحوار من قناة "أي بي سي" أوقفاه لتسفيه ما قاله في موضوع المهاجرين الذين "يأكلون الكلاب" وفي موضوع "قتل الأطفال" في عملية الإجهاض. وهو حدث غير معهود أن يتدخل الصحفي في المناظرة ليناقش أقوال المرشح. لكن أمام عملية نشر أخبار زائفة كان على الصحفيين أن يتدخلا من أجل فرض الحقيقة في النقاش.
وكانت انتقادات ترامب عادية تندد بنظام الصحة الذي أدخله الرئيس أوباما وبدخول 21 مليون مهاجر للولايات المتحدة في عهد بايدن" التي "دمرت البلاد" حسب قوله. من ناحيتها أكدت هاريس على أن "حظر الإجهاض إهانة للمرأة الأمريكية خاصة إن كانت بحاجة للرعاية الصحية" وأنها تدعم حرية المرأة" في اختيار ما يناسبها. وكان واضحا أن المرشحين كانا يخاطبان ناخبيهما في المسائل التي تهم كل شق. لكن كامالا هاريس كانت تخاطب الكاميرا وتتوجه للشعب الأمريكي مؤكدة على حرصها على خدمة الجميع قائلة:""إنني أؤمن بطموحات الشعب الأمريكي".
هاريس تدافع عن حلّ الدولتين
الجزء الآخر للمناظرة اهتم بالدور الأمريكي في العالم. ودار النقاش حول المسائل الراهنة مثل الحرب في أوكرانيا وفي غزة ومسائل العلاقة مع أفغانستان وإيران والحلفاء. وفي حين أكد ترامب على قدرته على إيقاف الحرب في أوكرانيا "في 24 ساعة" معتبرا أن أوروبا تدفع أقل بكثير مقارنة بالولايات المتحدة لمساندة أوكرانيا وردّت هاريس بالقول: "حلفاؤنا في الناتو ممتنون للغاية لأنك لم تعد رئيساً. وإلا لكان بوتين يجلس في كييف وعينيه على بقية أوروبا". وكان نفس الخلاف واضحا في مسألة أفغانستان حيث ندد ترامب بتخلي الولايات المتحدة عن الشعب الأفغاني في حين قالت هاريس أنها وافقت على مسألة خروج الجيوش الأمريكي من أفغانستان وأن دونال ترامب هو الذي تعامل مع طالبان وقبل زعيمها للتشاور معه.
لكن الخلاف الأقوى كان في مسألة الشرق الأوسط حيث اعتبر ترامب أن "كامالا هاريس تكره إسرائيل، إذا أصبحت رئيسة، أعتقد أن إسرائيل لن تكون موجودة في غضون عامين... إسرائيل ستزول". في المقابل كررت كامالا هاريس ما كانت قالته للوزير الأول الإسرائيلي في واشنطن أن لإسرائيل حق الدفاع عن النفس لكن هذه الحرب لا بد أن تتوقف فورا لتحرير الأسرى مضيفة أنها تؤيد حل الدولتين وحق الفلسطينيين في تقرير المصير وقيام دولتهم في المستقبل.
نهاية المناظرة كانت فرصة للمرشحين للتأكيد عن قناعاتهما وتوجهاتهما. لكن المشاهد لم يحصل على فكرة واضحة على استراتيجية الولايات المتحدة في المستقبل ولا على البرامج المطروحة. كان من البديهي أن دونالد ترامب فقد حضور جو بايدن ليجادله في سياساته وهو المسؤول عن الإدارة الأمريكية. في المقابل ظهرت كامالا هاريس لتطمئن الناخب الأمريكي على قدرته تحمل المسؤولية الرئاسية في المستقبل.
في صورة تنظيم مناظرة ثانية بين المرشحين يمكن لهما أن يتعمقا في تقديم برنامجين مختلفين للناخبين. مباشرة بعد نهاية المناظرة أعلنت النجمة الغنائية تايلور سويفت التي تحظى ب 283 مليون متابع على شبكة إنستغرام بدعمها للمرشحة الديمقراطية. وهو الحدث الأبرز الذي كان يخشاه قادة الحزب الجمهوري لما للمغنية من تأثير على الشباب الأمريكي. يبقى أقل من شهرين على موعد 5 نوفمبر موعد الاقتراع للمرشحين للنجاح في جمع أكبر عدد ممكن من المساندين من بين الذين لم يقرروا بعد لمن يسندوا صوتهم.