مصير فرنسا الحكومي يحدد يوم 30 جوان كل السيناريوهات تشير إلى انتصار التجمع الوطني العنصري والمتطرف

خطير ما يحصل في بلاد فولتير ومونتسكيو، في بلاد الأنوار وحقوق الانسان.

هل يعتنق غالبية الفرنسيين سياسات عنصرية تدفع إلى كراهية الأجانب والفصل العنصري بين الفرنسيين وبين الفرنسيين والأجانب؟ ذلك ما تشير إليه خطابات زعيم اليمين المتطرف وجل استطلاعات الرأي منذ أن قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حل البرلمان واستدعاء الناخبين للتصويت في انتخابات سابقة لأوانها لتجديد الجمعية العامة يومي 30 جوان و7 جويلية 2024.

بدون شك، في صورة وصل التجمع الوطني لسدة الحكم سوف تهم نتائج الانتخابات مباشرة كل التونسيين والأجانب من غير الأوروبيين لما لبرنامج حزب مارين لوبان الصريح من إجراءات موجهة ضد المهاجرين وطالبي اللجوء وكل المقيمين الأجانب في فرنسا. وهو ما سوف يحتم أخذ العبر، في غياب الإجراءات المضادة، من قبل حكومات وشعوب المهاجرين إلى فرنسا.
أغلبية محتملة لليمين المتطرف
آخر استطلاعات الرأي المسجلة يوم 24 جوان، أي أسبوعا قبل يوم الاقتراع، أظهرت تقدما ملموسا للحزب الذي يقود حملته الانتخابية الشاب (28 سنة من العمر) جوردان برديلا بنسبة تتراوح بين 35،5% (مؤسسة إبسوس) و36% (مؤسسة إيفوب). تأتي في المرتبة الثانية الجبهة الشعبية اليسارية بنسبة 29،5% متفوقة على الأغلبية الرئاسية التي لم تحصد سوى 20،5% (إيفوب) أو 19،5% (إيبسوس). في كل الحالات التي ترجمتها الاستطلاعات منذ يوم 10 جوان يأتي التجمع الوطني المتطرف في طليعة الأحزاب خاصة بعد أن انظم إليه جزء هام من حزب الجمهوريين اليميني بقيادة إيرك سيوتي. باقي الأحزاب المشاركة لن تصل إلى عتبة 12،5% التي تمكنهم من المشاركة في الدورة الثانية مما يجعل من التجمعات الثلاثة الكبرى أهم المشاركين في الدورة الثانية.
نفس الاستطلاعات أخذت بعين الاعتبار تنظيم الانتخابات في دورتين مما يحتم في الدورة الثانية تحالفات من أجل الفوز لم تتضح بعد ملامحها. لكن أعلنت شخصيات مرموقة من أحزاب الجبهة الشعبية نيتها استخدام "الجدار الجمهوري"، أي التصويت لصالح الأغلبية الرئاسية في حالة جاء مرشحها في المرتبة الثانية لسد الطريق أمام التجمع الوطني، علما وأن مرشحي اليمين المتطرف حصلوا على المرتبة الأولى في 93% من البلديات خلال الانتخابات الأوروبية الأخيرة التي حقق فيها الحزب انتصارا ساحقا بنسبة 31،5%.
أشارت دراسات ميدانية مستقلة الى أن نسب المشاركة في التصويت المحتملة يومي 30 جوان و7جويلية ارتفعت إلى 64% بالنسبة لآخر للانتخابات الأوروبية (51،49%) وهو ما يدل على مخزون هام يقتسمه المترشحون. وأكدت تلك التقارير أن الفرنسيين ينوون منح التجمع الوطني فوزا واضحا كعملية "عقاب" للرئيس ماكرون، بدون إعطاء الحزب أغلبية واضحة تمكنه من التحكم في مقاليد السلطة. وأشارت في نفس السياق إلى أن مبدأ "التصويت ضد" تقتسمه كل الأحزاب بنسبة 41% للتجمع الوطني و44% للأغلبية الرئاسية و47% للجبهة الشعبية. وهو ما يؤكد مرة أخرى انقسام المشهد إلى ثلاثة فصائل لا يتمتع أي منها بالأغلبية المطلقة. لكن بعض المحللين المستقلين لا يستثنوا أن يحصل حزب مارين لوبان على أغلبية مطلقة بسبب الكراهية المتنامية ضد الرئيس إيمانويل ماكرون ونية طي صفحة الماضي.
الكراهية والعنصرية الممنهجة
بعد أن فتحت وسائل الإعلام اليمينية، التي هي على ملك رؤوس أموال خاصة مساندة لليمين المتطرف، باب نشر خطابات الكراهية للأجانب والمهاجرين، وفي مقدمتهم المسلمين، وذلك منذ أكثر من ثلاث سنوات على مدار الساعة، لم يتأخر عشرات مرشحي الجبهة الوطنية على بلورة خطابات عنصرية واضحة تمس بعضها بالقوانين الفرنسية المناهضة للعنصرية واللاسامية. وأكد ذلك بكل صراحة خطاب جوردان برديلا خلال المناظرة التلفزيونية التي جرت يوم 25 جويلية مع الوزير الأول غابريال أتال ومانويل بونبار عن الجبهة الشعبية. وقدم برديلا ما اعتبره إجراءات يعتزم القيام بها ضد المهاجرين والأجانب.
من ذلك أن أعلن على سلسلة قوانين وإجراءات تهدف إلى "إزاحة العراقيل الإجرائية أمام طرد الأجانب" و "الحد من جمع شمل العائلات المهاجرة" والتي لها تصاريح إقامة قانونية، و "حذق حق الأرض" الذي يسمح بالمولودين على الأراضي الفرنسي التمتع بالجنسية في سن الرشد، وتنظيم استفتاء حول الهجرة. وأثار تصريحه اعتزام منع حاملي الجنسيتين من "المسؤوليات الإستراتيجية" التي تخص الأمن والدفاع الوطني والمخابرات وهو اجراء لم يستعمل منذ حكومة فيشي المساندة لنظام هتلر النازي عام 1944. جل هذه الإجراءات المبرمجة تتصادم مع الدستور الفرنسي والقوانين الأوروبية المشتركة. وهو ما جعل بعض المحللين يعتبرون أن خطاب جوردان برديلا في الخط السوي للسباق الإنتخابي هو عبارة عن مطالبة مقنعة ب"فركسيت"، أي خروج فرنسا من الإتحاد الأوروبي على غرار ما حصل في البركسيت مع بريطانيا العظمى.
حصانة دستورية من العنصرية والتمييز
مع اقتراب موعد الاقتراع وتجنيد الناخبين لفائدة الأطروحات الشعبوية والعنصرية، يبقى في آخر المطاف اللجوء إلى الدستور في حالة نجح التجمع الوطني في الوصول إلى الحكم في تركيبة "التعايش" مع إيمانويل ماكرون. فسوف يجد رئيس الدولة نفسه يلعب دور المدافع عن الدستور وعلوته. يبقى أمامه أن يحتكم للمجلس الدستوري ولمجلس الدولة داخليا وأن ترفع الأحزاب والجمعيات شكاوى لدى المحكمة الأوروبية المختصة. يمكن لرئيس الدولة كذلك رفض التوقيع على قوانين عنصرية أو تمس بالمساواة بين المواطنين.
من ناحية أخرى، سوف تواجه أي حكومة يمينية متطرفة مجلس الشيوخ، الذي يتمتع بأغلبية يمينية جمهورية تساندها في تلك الحالة أحزاب اليسار. ولو أن حزب الجمهوريين قد التحق بعدد كبير من المرشحين بالتجمع الوطني فإن أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ اليمينيين لم يعبروا عن أي مساندة لقيادة حزبهم. في كل الحالات (بأغلبية مطلقة أو نسبية) سوف يجد التجمع الوطني نفسه في مواجهة كل التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني مما يبشر بأجواء سياسية واجتماعية ساخنة ومتشنجة في صيف 2024 وما يليه من أشهر خاصة أن الرئيس ماكرون فقد حقه الدستوري بحل البرلمان مدة سنة بعد أن حله يوم 10 جوان الماضي. كل هذه الظروف سوف يكون لها لا محالة انعكاس سلبي على المهاجرين واللاجئين وحاملي جنسيتين و كل المسلمين المقيمين على الأراضي الفرنسية.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115