ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي إلى أرقام مروعة، حيث بلغت حصيلة الشهداء 37,718 شخصا، فيما بلغ عدد الإصابات 86,377 منذ بداية العدوان في السابع من أكتوبر الماضي.
ففي غزة تتجلى مأساة لا تعرف حدودا بعد مرور مايقارب الـ9 أشهر من الحرب، حيث يتفاقم القصف والدمار يوما بعد يوم. فبينما يُعلن العالم أرقاما وإحصائيات غير ثابتة وقابلة للارتفاع، تتجلى الحقيقة المريرة في شوارع القطاع، حيث يتراكم الركام وتبقى الأرواح محاصرة تحته. هناك، في هذه البقعة المعزولة من العالم، ينبض الأمل بين الأنقاض وتبقى الإرادة مشتعلة، رغم جميع محاولات التدمير والإبادة.
نفذ الاحتلال الإسرائيلي أربع مجازر ضد العائلات في القطاع، مما أدى إلى وصول 60 شهيدا و140 إصابة إلى المستشفيات خلال الساعات الـ 24 الماضية فقط.وأوضحت الوزارة أنّ في اليوم الـ 264 من العدوان المتواصل، لا يزال عدد من الضحايا تحت الأنقاض وعلى الطرقات، مما يعيق جهود طواقم الإسعاف والدفاع المدني في الوصول إليهم وإنقاذهم.
وفي تقريره الجديد قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ إسرائيل تتبنى سياسة منهجية باستهداف السكان والأفراد المدنيين في قطاع غزة المحميين بموجب القانون الدولي الإنساني، أينما كانوا، وحرمانهم من أي استقرار ولو مؤقت في مراكز النزوح والإيواء، من خلال تكثيف قصف هذا المراكز على رؤوس النازحين داخلها، واستهداف المناطق المعلنة كمناطق إنسانية؛ في إصرار على فرض التهجير القسري وتدمير كل مقومات الحياة الأساسية ضمن جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 7 أكتوبر الماضي.وأضاف الأورومتوسطي في بيان له أنه ورغم مرور قرابة تسعة أشهر على الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع لم تتوقف فيها القوات الحربية الإسرائيلية عن عمليات قصف الأعيان المدنية والقتل الجماعي للمدنيين واستهداف مراكز اللجوء التابعة للأمم المتحدة، واقتراف جرائم قتل جماعية فيها، التي تشكل كل منها جريمة دولية قائمة بحد ذاتها ومكتملة الأركان.
وبيّن أن تتبع منهجية القصف الإسرائيلي يشير إلى وجود سياسة واضحة ترمي إلى نزع الأمان عن كل قطاع غزة وحرمان الفلسطينيين من الإيواء أو الاستقرار ولو لحظيًّا، من خلال استمرار القصف على امتداد القطاع والتركيز على استهداف مراكز الإيواء في مدارس الأونروا.
وأبرز الأورومتوسطي أنه إلى جانب قصف مراكز الإيواء قصفت الطائرات الإسرائيلي خلال الـ 24 ساعة الماضية ما لا يقل عن 12 منزلا في أرجاء متفرقة من قطاع ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات بعضهم لا يزال تحت الأنقاض.وشدد الأورومتوسطي على أن اتساع دائرة استهداف مراكز الإيواء التي ترفع علم الأمم المتحدة والمنازل التي تؤوي نازحين، والوقوف على طبيعة ضحاياها من العائلات والأسر التي تباد وتمسح من السجل المدني يدلل على عدم صحة التبريرات الإسرائيلية، وأن القصف بالفعل ينتهك مبادىء التمييز والضرورة والتناسب واتخاذ الاحتياطات الضرورية، فضلا عن كونه جزءا من عملية استخدم القوة النارية لإيقاع الأذى الفادح بالمدنيين وتدمير حياتهم وقدرتهم على الحياة والاستقرار.
وشدد على أن تكرار مهاجمة مباني الأمم المتحدة وقتل النازحين داخلها، فضلا عن تدميرها وحرقها، هو تحدٍّ صارخ للقانون الإنساني الدولي، ويشكل جرائم حرب قائمة بحد ذاتها، وهو يأتي بالتوازي مع تحريض سياسي وقرارات إدارية وتشريعية تسعى لتقويض عمل المنظمة الأممية.وذكّر انه خلال اجتياح جباليا ومخيمها الشهر الماضي دمرت وأحرقت القوات الإسرائيلية جميع مراكز الإيواء المقامة في مدارس الأونروا.
ووفق إعلان الأونروا؛ فخلال الأشهر الثمانية الماضية قصفت القوات الإسرائيلية أكثر من 190 مبنى تابع للأونروا وقتل أكثر من 460 نازحا نتيجة لذلك، وذلك رغم أن الأونروا تشارك إحداثيات جميع مرافقها (بما في ذلك المدارس التي يوجد بها مراكز إيواء) مع الجيش الإسرائيلي وأطراف النزاع الأخرى.كما أشار إلى أن إسرائيل تواصل توسيع عملياتها العسكرية في رفح بما في ذلك استكمال إعادة الانتشار العسكري والتمركز على طول الحدود مع مصر مع استمرار القصف والتهجير القسري للسكان، في انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي ولقرار محكمة العدل الدولية بضرورة وقف الهجوم على المحافظة، مذكرًا بأن إسرائيل لم تتأخر بالمجاهرة في رفض قرار المحكمة، من خلال تكثيف القصف والقتل والتدمير فور انتهاء الجلسة وما بعدها.
ويؤكد الأورومتوسطي أنه ينبغي على لجنة (FRC) وغيرها من اللجان الدولية، العمل بشكل عاجل على إيجاد السبل الكفيلة بفحص دقيق وموثوق حول مستوى خطر المجاعة في غزة، بما يتضمن إعلان الطرف المعطل الذي قد يحول دون قدرتها على الحصول على معلومات كافية ووافية أو يحجب البيانات اللازمة لتقييم الموقف بشكل شامل.
ويجدد المرصد الحقوقي دعوته التي سبق أن أطلقها في ماي الماضي مع سبعين منظمة حقوقية في بيان مشترك، لكافة الجهات الرسمية المعنية والمنظمات الدولية والأممية المختصة إلى إعلان المجاعة رسميًّا في قطاع غزة في ظل سرعة الانتشار الحالي للمجاعة ومعدلات سوء التغذية الحاد واتساع رقعتها جغرافيًّا وبين جميع الفئات، خاصة بين الأطفال. والمجاعة هي مصطلح تقني، يشير إلى أن سكان منطقة ما يواجهون سوء التغذية على نطاق واسع وإلى حدوث وفيات مرتبطة بالجوع أو نقص غذائي حاد. وبحسب الأمم المتحدة يمكن الحكم بوجود مجاعة عندما تجتمع 3 شروط في منطقة جغرافية محددة، سواء كانت بلدة أو قرية أو مدينة أو حتى دولة:20 % على الأقل من السكان في تلك المنطقة يواجهون مستويات شديدة من الجوع،30 % من الأطفال في نفس المكان يعانون من الهزال أو النحافة الشديدة بالنسبة لأطوالهم، تضاعف معدل الوفيات مقارنة بالمتوسط. هذا المعدل بالنسبة للبالغين هو حالة وفاة واحدة لكل 10,000 يوميا، وبالنسبة للأطفال، حالتا وفاة لكل 10,000 يوميا.
ويشدد المرصد الأورومتوسطي على أنّ مستويات انعدام الأمن الغذائي تتفاقم بشكل مضطرد في جميع أنحاء قطاع غزة نتيجة إصرار إسرائيل على ارتكاب جريمة التجويع واستخدامه كسلاح حرب، في إطار جريمتها الأشمل في الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في القطاع بما في ذلك منع وتقييد إدخال الإمدادات الإنسانية وإغلاق المعابر وفرض الحصار المشدد.
ويبرز المرصد الحقوقي تسجيل نحو 49 حالة وفاة بين الأطفال في قطاع غزة بفعل الجوع وانعدام الأمن الغذائي، فيما يواجه 3500 طفل خطر الموت بسبب سوء التغذية ونقص المكملات الغذائية والتطعيمات وتنتشر ظاهرة إصابتهم بالهزال والضعف الحاد والأوبئة، وباتوا يعانون بشدة من أجساد نحيلة ووجوه شاحبة وباهتة وعيون بارزة.
كما ينبه إلى إن تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية، باعتبارها جريمة حرب، كانت التهمة الأولى التي وجهها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" ووزير الحرب "يوآف غالانت" في 20 ماي عند إصدار مذكرات قبض بحقهما بتهمة المسئولية عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
فضلا عن ذلك، أكدت شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة (FEWS NET)، ومقرّها الولايات المتحدة، في تقريرها الأخير، الذي نُشر في 31 ماي أنه من المحتمل أن تكون المجاعة قد بدأت في شمال قطاع غزة في أفريل من هذا العام، وتوقعت أن تستمر المجاعة حتى شهر جويلية على الأقل في حال لم تحدث تغييرات كبيرة في تقديم المساعدات الغذائية.
فيما أورد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا" أن العديد من الأسر في قطاع غزة أفادت بأنها تتناول وجبة واحدة فقط كل يوم، وبعضها يتناول وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة أيام، ويعتمدون في الغالب على الخبز وتقاسم الطعام مع أسر أخرى وتقنين المخزونات. وأكد المكتب الأممي أن قيود الوصول استمرت في تقويض تسليم المساعدات والخدمات الإنسانية الضرورية في جميع أنحاء غزة بشكل خطير، وأن السلطات الإسرائيلية منعت أو عرقلة أكثر من 60% من المهام الإنسانية الدولية المنظمة إلى شمال قطاع غزة.
وينطبق على الوضع الغذائي في قطاع غزة مفهوم المجاعة بحسب التصنيف الدولي المعتمد، وهو التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" (IPC) وفق ما أكدت التقرير الصادر في 18 مارس الماضي، والذي أظهر أن كامل السكان في القطاع يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهي المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أو أعلى، بما يشمل ذلك نصف السكان في المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أي مرحلة الكارثة/المجاعة.
ويأتي ذلك في ظل انهيار فرص العمل وغياب السيولة النقدية وانهيار القدرة على الإنتاج المحلي، ما جعل جميع سكان قطاع غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية المقدمة لهم من الخارج، وبالتالي فإن توقفها أو استمرار تقييدها يعني حرمانهم بشكل مطلق من الحصول على المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية التي لا غنى عنها لبقائهم على الحياة. وبناء على ما سبق، جدد الأورومتوسطي مطالبته لجميع الدول بتحمل مسؤولياتها الدولية بفرض العقوبات الفعالة على إسرائيل، ووقف كافة أشكال الدعم والتعاون السياسي والمالي والعسكري المقدمة إليها، بما يشمل التوقف الفوري عن عمليات نقل الأسلحة إليها، بما في ذلك تراخيص التصدير والمساعدات العسكرية، وإلا كانت هذه الدول متواطئة وشريكة في الجرائم المرتكبة في قطاع غزة، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية.
كما حث المرصد الأورومتوسطي المحكمة الجنائية الدولية على المضي في التحقيق في كافة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، وتوسيع دائرة التحقيق في المسؤولية الجنائية الفردية عن هذه الجرائم لتشمل جميع المسؤولين عنها، وإصدار مذكرات قبض بحقهم، والاعتراف والتعامل مع الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة باعتبارها جريمة إبادة جماعية دون مواربة، كونها من الجرائم الدولية التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
مستوى الجوع كارثي
وفي الشهر التاسع من الحرب، يواصل الجيش الإسرائيلي حصاره المفروض على نحو 2,4 مليون نسمة في القطاع الذي يهدده خطر المجاعة على نحو "كبير ومستمر" وفقا لتقرير إطار التصنيف المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الذي تعتمد عليه وكالات الأمم المتحدة.وبحسب هذا التقرير ما زال نحو نصف مليون شخص يعانون من الجوع بمستويات "كارثية" في غزة.
وقال فيليب لازاريني المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا) "في كل يوم يفقد 10 أطفال ساقا أو ساقين في المتوسط (في غزة). عشرة أطفال يوميا يعني أنهم نحو 2000 طفل بعد أكثر من 260 يوما من هذه الحرب الوحشية".
ولا ترحم الحرب عمال الإغاثة أيضا، إذ أعلنت منظمة أطباء بلا حدود على منصة إكس مقتل أحد العاملين فيها وهو فادي الوديعة مع خمسة أشخاص آخرين، من بينهم ثلاثة أطفال، في هجوم في مدينة غزة بينما كان يقود دراجته متوجها إلى العمل.وأكد الجيش أنه قتل فادي الوديعة الذي صوره على أنه "عنصر مهم" في حركة الجهاد الإسلامي التي تقاتل إلى جانب حماس.
خشية من اندلاع حرب بين إسرائيل وحزب الله
ميدانيا نفذ الجيش الإسرائيلي عمليات قصف مدفعي وغارات خلفت الكثير من القتلى في قطاع غزة حيث تدور معارك مع مقاتلي حماس في رفح في الجنوب، في وقت حذرت فيه الولايات المتحدة إسرائيل من خوض حرب مع حزب الله اللبناني يمكن أن تتطور إلى نزاع إقليمي.
وفي شمال القطاع المدمر جراء الحرب المتواصلة منذ تسعة أشهر تقريبا، قال الدفاع المدني إن ثلاثة أطفال وامرأة قتلوا في وقت مبكر أمس الأربعاء في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في بيت لاهيا. كذلك استهدف القصف منزلا في حي الشجاعية بمدينة غزة.وفي رفح، أفاد شهود عيان عن اندلاع معارك بين الجنود ومقاتلين فلسطينيين في غرب المدينة.
وقال محمد المغير المسؤول في الدفاع المدني في غزة وفق وكالة فرانس براس، إن طواقمه انتشلت جثث "15 شهيدا من مناطق مختلفة في مدينة رفح خلال الساعات الماضية".وأدت الحرب في غزة التي اندلعت إثر هجوم غير مسبوق شنته حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر إلى تبادل يومي تقريبا للقصف وإطلاق النار عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية بين حزب الله، حليف حركة حماس الإسلامية، والجيش الإسرائيلي.
وعلى الرغم من تراجع حدة تبادل إطلاق النار في الأيام الأخيرة، إلا أن التصعيد والتهديدات المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله الأسبوع الماضي أثارت مخاوف من نشوب حرب جديدة.وحذر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن خلال استقباله نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت في البنتاغون ، من أن "الحرب بين إسرائيل وحزب الله يمكن أن تتحول بسهولة إلى حرب إقليمية، ستكون عواقبها وخيمة على الشرق الأوسط".
وقال غالانت "نعمل بشكل وثيق للتوصل إلى اتفاق، ولكن يجب علينا أيضًا الاستعداد لجميع السيناريوهات المحتملة".وفي 19 جوان، حذّر حسن نصر الله الأمين العالم لحزب الله الذي يحظى بنفوذ كبير في لبنان، من أنه لن يسلم "أي مكان" في إسرائيل من صواريخ حركته، غداة من إعلان الجيش الإسرائيلي أنه أقر "الخطط العملياتية" لهجوم محتمل على لبنان.وبعد أربعة أيام، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن المرحلة "المكثفة" من القتال تقترب من نهايتها في قطاع غزة، قائلاً إنه بعد ذلك، يمكن لإسرائيل "إعادة نشر بعض القوات في الشمال" عند الحدود مع لبنان وفق الأناضول.
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان امس الأربعاء "يبدو أن إسرائيل التي دمرت غزة، تضع لبنان نصب عينيها الآن ونرى أن القوى الغربية تربت على كتف إسرائيل في الكواليس لا بل تدعمها" مشددا على أن خطط "نتانياهو لتوسيع الحرب إلى المنطقة ستؤدي إلى كارثة كبرى".وفي ظل "وضع لا يمكن التكهن بتطوراته" حسب تعبيرها، دعت كندا رعاياها إلى مغادرة لبنان في أسرع وقت ممكن.