استطلاعات الرأي في الانتخابات الفرنسية تقهقر طفيف لليمين المتطرف، وتحسن ملموس للجبهة الشعبية اليسارية، وحزب ماكرون يبحث عن تحالفات

مع انطلاق الحملة الانتخابية للتشريعية السابقة لأوانها، المبرمجة في دورتين يومي 30 جوان و7 جويلية 2024،

دخل المشهد السياسي الفرنسي في المرحلة الأخيرة من تحضيرات السباق الانتخابي. وأشارت مختلف عمليات سبر الآراء إلى تصدر حزب التجمع الوطني (من اليمين المتطرف) بنسبة تتراوح بين 31% و33% من نيات التصويت مؤكدا بذلك نتيجة 31،5% التي حصل عليها في الانتخابات الأوروبية.

وتأتي في المرتبة الثانية الجبهة الشعبية اتي تضم الحزب الاشتراكي وحزب فرنسا الأبية والحزب الشيوعي وعدد من التنظيمات السياسية الموازية. أما حزب الرئيس إيمانويل ماكرون فهو في مؤخرة السباق يبحث عن تحالفات مع اليمين الجمهوري الذي شهد انقساما في صلبه بعد أن التحق رئيسه إريك سيوتي بحزب مارين لوبان المتطرف. هذا الوضع يعطي الانطباع أنه يعيد نفس المشهد الانتخابي الذي عاشه الناخبون الفرنسيون في انتخاب البرلمان الأوروبي مؤخرا. لكن الأرقام المعلنة من قبل مؤسسات سبر الآراء تشير إلى تغيرات ممكنة في الأيام القادمة.
حركية تقهقر وتقدم
سجلت آخر عملية سبر للآراء قامت بها مؤسسة "إيفوب" يومي 13 و14 جوان تقهقرا للتجمع الوطني المتطرف الذي حقق 33% بخسارة نقطتين على عملية يوم 11 جوان. في نفس الوقت جاءت الجبهة الشعبية اليسارية في المرتبة الثانية بنسبة 28% محققة تحسنا بنقطتين. أما الأغلبية الرئاسية فلم تتعد 18%. وهي الأقطاب الثلاثة المتنافسة. تبقى الأحزاب الأقلية الأخرى التي تمثل حزب "روكونكات" (5%) وحزب الجمهوريين المنقسم بين أنصار إريك زمور الذين التحقوا بالتجمع الوطني (بنسبة 4%) وما تبقى من الشق التاريخي للحزب (5%).
تحسن نتائج اليسار ترجع إلى سرعة التوصل إلى اتفاق حول تشكيل "وحدة" انتخابية للعمل على صد اليمين المتطرف مع تحييد شخصية جون لوك ميلونشون المشاكسة. ولم تنجح الجبهة في تقديم صورة ناصعة بعد أن قرر ميلونشون عدم اختيار عدد من منتقديه في الحزب للمشاركة في السباق. لكن الأحزاب الأخرى قررت مساندتهم محدثة بذلك شرخا في الجبهة ولو يعتبره الملاحظون بدون مردود سلبي على مجرى الحملة الانتخابية. في الشق المنافس، نجح زعيم الجبهة الوطنية جوردان برديلا في جلب إريك سيوتي رئيس الحزب الجمهوري و 60 شخصية حزبية سوف يساندها في الانتخابات، وكذلك ماريون مارشال لوبان التي تخلت عن إريك زمور للالتحاق بحزبها الأول تاركة حزب "روكونكات" في التسلل.
الكتلة الثالثة وهي التي تمثل تجمع حزب "النهضة" لإمانويل ماكرون وحزب "هورايزن" لإدوار فيليب وحزب "المودام" لفرنسوا بايرو، التي سجلت 18% فقط من نيات التصويت، فهي تبحث عن تحالف مع ما تبقى من الحزب الجمهوري. لكن زعامات الجمهوريين قرروا الدخول في الانتخابات مستقلين على باقي الأحزاب. بالرغم من ذلك أعلن الوزير الأول غبريال أتال الذي يقود حملة حزبه أنه خصص 65 مقعدا لمساندة مرشحي اليمين الجمهوري وعدم تقديم منافس أمامهم. واقتصر الحزب على اختيار 489 مرشحا فقط على 577 دائرة. وهي طريقة لجلب الأصوات تجاههم في إطار مغازلتهم من أجل تحقيق تقدم على الجبهة الشعبية تمكنه من خوض الدورة الثانية وإقناع الناخبين أن حزب ماكرون هو الدرع الواقي الحقيقي من صعود اليمين المتطرف إلى السلطة.
البحث عن أغلبية مفقودة
تجدر الملاحظة أن تنظيم الانتخابات في دورتين للتصويت على شخص واحد ومنح أي مرشح يحصل على 12،5% من الأصوات الترشح ثانية للدور الثاني يفتح المجال أمام ثلاثيات في الدور الثاني تحتم على الثالث في الترتيب أن يختار من يساند من التجمع الوطني وأي حزب يأتي في المرتبة الثانية. مع العلم أن حزب مارين لوبان جاء الأول في 93% من الدوائر الانتخابية خلال الانتخابات الأوروبية الأخيرة. وهو متواجد في كل الدوائر. ولا يزال الجدل قائما فيمن سوف يساند من في الدورة الثانية بدون أن تحسم مختلف الأحزاب ذلك بوضوح.
في هذا الإطار المعقد تشير مؤسسات سبر الآراء أن السيناريو الأقرب إلى التحقيق هو أن يأتي حزب التجمع الوطني المتطرف في الصدارة تليه الجبهة الشعبية أمام حزب ماكرون. وفي هذا للسيناريو المرجح اليوم لا يرى الخبراء أن الأرقام الحالية تمكن جوردان برديلا من الحصول على أغلبية في البرلمان. فالتقديرات الأولية تعطي حزبه ما بين 235 و265 مقعدا في حين يحتاج إلى 289 مقعدا للتمتع بأغلبية برلمانية تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده. وهو السيناريو الذي لا يرغب فيه الرئيس ماكرون الذي قرر حل البرلمان ودعوة الناخبين "لتوضيح موقفهم" من مسألة مستقبل الحياة البرلمانية. في صورة عدم التوصل إلى فرز أغلبية برلمانية فسوف تدخل البلاد في حالة من الفوضى يصعب التكهن على ما يمكن أن تفضي إليه في وضع يسوده الاحتقان وتشقه تنظيمات متطرفة لا تبخل في استعمال العنف.
يبقى معطى آخر يمكن أن يكون حاسما في النتائج النهائية هو مسألة العزوف عن التصويت. فإن نسب المشاركة في الانتخابات التشريعية وفي الانتخابات الأوروبية تختلف جذريا. وإن تعطي كل عملية اقتراع صورة على وضع الرأي العام الانتخابي على المستوى الوطني فإن صيغة الاقتراع على الشخص وتوزيع الدوائر الانتخابية تؤثر حتما في النتائج. بالنسبة للانتخابات القادمة التي تأتي في بداية موسم الصيف وفي فترة العطل المدرسية، سجلت وزارة الداخلية رقما قياسيا خلال الأسبوع الأول 400 ألف توكيل للأشخاص الذين لا يمكنهم المشاركة في الانتخابات حضوريا. وهو رقم يقدر بستة أضعاف ما تم تسجيله في انتخابات 2022. ولا يمكن التعرف الآن عممن سوف يصوت لمن من هذه الأعداد. بالنسبة للذين عزفوا عن الانتخاب في السابق تبقى كل الافتراضات واردة. ويعتقد الملاحظون أن النتائج النهائية في الدورة الأولى وفي الدورة الثانية سوف تلعب فيها نسبة المشاركة بصورة حاسمة لفائدة اليمين المتطرف أو لصالح الجبهة الجمهورية التي تناضل ضدها.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115