خفايا تهديد دونالد ترامب للحليف الأوروبي الهيمنة على أوروبا طريق لمواجهة الصين؟

أطلق دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق والمرشح للانتخابات الرئاسية لنوفمبر القادم،

قنبلة دبلوماسية واستراتيجية في خطاب أمام مناصريه يوم السبت 10 فيفري 2024 في ولاية جنوب كارولاينا عندما هدد البلدان الأوروبية أعضاء منظمة الحلف الأطلسي بعدم الدفاع عن الدول الأعضاء التي لا تدفع مساهماتها المالية في المنظمة في صورة تعرضت لهجوم روسي.

تراوح الرد الرسمي الأمريكي والأوروبي بين "الاستياء" و"التنديد" لهذه التصريحات "غير المسؤولة" التي من شأنها تغيير موازين القوى في أوروبا وتشجيع الجانب الروسي على مواصلة عملياته العسكرية على التراب الأوروبي. اعتبر الرئيس جو بايدن أن ذلك "محزن وخطير" في حين اعتبر اندرو بايتس، الناطق الرسمي باسم الرئيس الأمريكي، أن "تشجيع اجتياح أقرب حلفائنا من قبل أنظمة قاتلة لا معنى له". من الجانب الأوروبي الذي أظهر استياء وتخوفا من إمكانية تغيير عقيدة المنظمة الأطلسية، قال المستشار الألماني ألافشولتز أن تصريحات ترامب "غير مسؤولة وخطيرة".
من هي الدول المستهدفة؟
تصريح دونالد ترامب في محتواه الإجرائي ليس بالجديدة. فقد سبق أن طالب عندما كان في البيت الأبيض الأوروبيين بدفع مستلزماتهم لمنظمة الحلف الأطلسي كاملة. وتم عام 2006 إقرار مبدئ دفع 2% من الدخل العام لكل بلد لميزانية المنظمة. وإن امتثل عدد من الدول الأعضاء بذلك فإن عددا كبيرا لم ترتق مساهماتهم لذلك المستوى. مع الاعلم أن الدول المساهمة الكبرة هي الولايات المتحد وألمانيا (16،2%)وبريطانيا العظمى (11،2%) وفرنسا (10،4%) وإيطاليا (8،7%). وتأتي في مقدمة البلدان المستهدفة التي لم تسدد مقدار 2% فرنسا (1،89%) وألمانيا (1،49%) وإيطاليا (1،51%) وهي التي شن ضدها خلال رئاسته حملة "عقوبات"اقتصادية ضد منتوجاتها من السيارات والمنتوجات الكحولية والأجبنة في عملية لمنعها من اكتساح السوق الأمريكية. وتأتي الدول الشرقية الأوروبية في طليعة قائمة الأعضاء الممتثلين للتراتيب المشتركة.

إعادة صياغة العلاقات الدولية
أن يرجع دونالد ترامب، الذي تعطيه عمليات سبر الآراء تقدما واضحا يصل إلى 17 نقطة على منافسه جو بايدن، له علاقة مباشرة بإعادة صياغة موازين القوى لصالح واشنطن. من المعروف أن ترامب لا يشاطر الإدارة الأمريكية موقفها من موسكو ومن الرئيس فلاديمير بوتن بالتحديد. وهو يعطي إشارة إلى التوجهات العامة المستقبلية لإدارته الشأن الأمريكي في صورة رجوعه للبيت الأبيض. فمن ناحية لا يرغب في مواصلة دعم أوكرانيا وهو ما يقوم به حلفاؤه في الكونغرس الذين لا يزالون يماطلون في الموافقة على ميزانية إضافية قدرت بمبلغ 61 مليار دولار. ومن ناحية أخرى يقوم بضغط على الأوروبيين من أجل تمويل حرب تدور في فضائهم الأوروبي مع القبول بحل تفاوضي مع موسكو.
في نفس الوقت صرح الرئيس فلاديمير بوتين في حوار تلفزي مع الصحفي تاكر كارلسونالذي كان يعمل في قناة "فوكس نيوز" المحافظة أن الأوروبيين الذين "يصرخون" أن " روسا سوف تمنى بهزيمة استراتيجية في ساحة القتال(...) أصبحوا واعون الآن بأن ذلك أمرا مستحيلا. لن يحدث ذلك أبدا. أعتقد أن من هم في السلطة الآن في الغرب واعون بذلك". وأضاف في تحول استراتيجي ملحوظ "إذا تم فهم هذه العملية جيدا، لا بد أن يفكروا فيما بعد. نحن مستعدون لهذا الحوار." موقف جديد من فلاديمير بوتين يتماشى وموقف ترامب الرامي إلى اقناع الأوروبيين بالدخول في "عقلية مصالحة" مع روسيا من أجل صياغة جديدة للعلاقات الدولية.
في المقابل، موقف ترامب من الصين لم يتغير. فهو يعتبر أن الخطر الإستراتيجي يأتي من بيكين. اعتبارا لمواقفه الانعزالية التي تقوم على مبدئ "أمريكا أولا"، يريد ترامب تجميع قدراته للتصدي للصين التي تنافس الولايات المتحدة مباشرة في ميادين التجارة العالمية والتصنيع واكتساح الأسواق في أوروبا وافريقيا وأمريكا الجنوبية. وقد برهنت بيكين على قدرات فائقة في المجال التكنولوجي وأصبحت تنافس بقوة القدرات الأمريكية. تحييد روسيا بالوقف في صفها ضد من يرغب في مواصلة الحرب في أوكرانيا يخدم مباشرة المصالح الأمريكية كما يراها دونالد ترامب. وفي هذا الإطار يدخل مشروع "إبراهيم" للمصالحة بين إسرائيل ودول الشرق الأوسط قبل اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر الماضي.
تجديد الموقف الأوروبي
في إطار هذا التوجه الأمريكي المعلن للأعوام القادمة، تقوم بعض العواصم الأوروبية بخطوات واضحة لإعادة تسليح جيوشها ترقبا لمخاطر إضافية. فقد سبق أن أعلنت ألمانيا عام 2023 تخصيص 100 مليار يورو لتطوير قدراتها العسكرية. وصرح وزيرها للدفاع في ديسمبر الماضي أن بلاده لها 5 إلى 8 سنوات من التأخير لكن ألمانيا سوف تكون جاهزة لمواجهة أي مخاطر من الناحية الروسية في مدة لا تتجاوز 5 سنوات، وهو تغيير جوهري في عقيدة ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية. وقد قررت مد ضعف الإعانات إلى كييف خلال 2024 لتعويض الخسارة من الجانب الأمريكي.
من ناحيتها قررت فرنسا تخصيص 400 مليار يورو للسنوات القادمة لتطوير قدراتها العسكرية في إطار إعادة ترميم موازين القوى في أوروبا، في غياب محتمل لغطاء الحليف الأمريكي. وشرعت باريس، بالرغم من تداعيات "البريكست" السلبية، في ترميم علاقاتها مع لندن عبر المشاركة في الجانب العسكري من احتفالات جلوس الملك شارل الثالث على العرش. ويتم التخطيط المشترك لمواصلة التعاون العسكري بين البلدين الأوروبيين النوويين اللذين يشاركان في مجلس الأمن الدولي. وهي كلها خطوات ترمي إلى تسليح الجانب الأوروبي في صورة نفذ دونالد ترامب، يوم يدخل مجددا البيت الأبيض، ما يعد به حلفاءه.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115