بتصعيد ميداني داخلي وإقليمي في وقت تشتد فيه حدّة القصف الإسرائيلي وتتوسع داخل القطاع المحتل وعلى صعيد خارجي أيضا سواء في جنوب لبنان أو اليمن أو العراق وسوريا أيضا . وتقود واشنطن منذ الأسبوع المنقضي مبادرة لتهدئة الحرب الدائرة منذ يوم 7 أكتوبر المنقضي ولكنها تثير الجدل باعتبار الدور الأمريكي المهادن والمؤيد لجرائم إسرائيل في غزة حتى ان البعض اعتبر ان الاحتلال ما كان ليتمادى في جرائمة لولا المهادنة الامريكية الواضحة والدعم اللامحدود عسكريا ودبلوماسيا وسياسيا . وفي هذا السياق قال مسؤولون لبنانيون وفق تقارير إخبارية إن جماعة حزب الله "رفضت أفكارا أولية من واشنطن لتهدئة القتال الدائر مع إسرائيل عبر الحدود تضمنت سحب مقاتليها بعيدا عن الحدود لكن الجماعة لا تزال منفتحة على الدبلوماسية الأمريكية لتجنب خوض حرب شاملة".ويقود المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان "آموس هوكستين" مساع دبلوماسية تهدف إلى إعادة التهدئة على الحدود بين لبنان وإسرائيل فيما تسير المنطقة نحو انفجار وتصعيد كبير للصراع في إطار تبعات الحرب الدائرة في قطاع غزة المحتل . ويرى مراقبون ان سبب رفض حزب الله للدور الأمريكي هو شرط ابعاد مقاتلي الحزب عن الحدود وهو ما رفضته المقاومة اللبنانية التي تعتبر ان المعركة من أجل فلسطين هي معركة الجميع دون استثناء وان حماية حدود لبنان الجنوبية مع المحتل هو خط احمر لا يقبل المساومة ومن أجله لا يزال نزيف الشهداء متواصل في بلد الأرز .
وارتفعت حصيلة قتلى جيش الاحتلال الإسرائيلي المعلنة منذ بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر إلى 529، بينهم 193 منذ بدء عملية التوغل البري في القطاع في 27 من الشهر ذاته، وفق بيانات رسمية، كما ارتفعت حصيلة المصابين في صفوفه إلى 2602، بينهم 1152 منذ بدء العملية البرية.
وفي 7 أكتوبر 2023، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي حربا مدمرة على قطاع غزة، خلّفت حتى الأربعاء 24 ألفا و448 شهيدا، و61 ألفا و504 مصابين معظمهم أطفال ونساء، بالإضافة إلى نزوح نحو 1.9 مليون فلسطيني، أي أكثر من 85 بالمائة من سكان القطاع، المحاصر منذ 17 عاما.
وزادت الاشتباكات في عدّة مناطق أخرى بالشرق الأوسط على علاقة بالحرب الدائرة في غزة لتأخذ بعدا إقليميا خطيرا ،في غياب بوادر التوصل لوقف إطلاق نار شامل في قطاع غزة ممّا ينذر بفتح فصل كبير جديد في الصراع الإقليمي.
وقال مسؤولون لبنانيون ودبلوماسي أوروبي إن جماعة حزب الله، التي تصنفها واشنطن منظمة إرهابية، لم تشارك بشكل مباشر في المحادثات وبدلا من ذلك نقل وسطاء لبنانيون مقترحات وأفكار هوكستين للجماعة.
وقالت ثلاثة مصادر لبنانية ومسؤول أمريكي وفق ''رويترز'' إن أحد الاقتراحات التي تم طرحها الأسبوع الماضي هو تقليص الأعمال القتالية عبر الحدود بالتزامن مع تحرك إسرائيل صوب تنفيذ عمليات أقل كثافة في قطاع غزة.
وقال اثنان من المسؤولين اللبنانيين الثلاثة إن "اقتراحا نقل أيضا لحزب الله بأن يبتعد مقاتلوه لمسافة سبعة كيلومترات عن الحدود. ويترك هذا المقترح مقاتلي الجماعة أقرب كثيرا من مطلب إسرائيل العلني بالابتعاد لمسافة 30 كيلومترا إلى نهر الليطاني كما هو منصوص عليه في قرار للأمم المتحدة صدر عام 2006" .وقال المسؤولون اللبنانيون والدبلوماسي إن جماعة حزب الله رفضت الفكرتين ووصفتهما بأنهما غير واقعيتين. ودأبت الجماعة على رفض فكرة إلقاء السلاح أو سحب مقاتليها الذين ينحدر كثير منهم أصلا من المنطقة الحدودية وبالتالي يعيشون فيها حتى في أوقات السلم.
ووفق تقارير إعلامية فقد أثارت دعوات جديدة لتهجير الفلسطينيين غضبا غير مسبوق بعد أن كرر وزير الأمن القومي في سلطة الإحتلال الإسرائيلي إيتمار بن غفير، أمس الخميس، تصريحاته المتطرفة إزاء سكان قطاع غزة، مطالبا بتهجير مئات الآلاف منهم.وقال بن غفير إنه ينبغي على إسرائيل تشجيع مئات آلاف الفلسطينيين من سكان قطاع غزة على الهجرة إلى خارجها.
وأضاف في حديث: "في اليوم التالي (للحرب) يجب علينا البقاء في قطاع غزة والسيطرة عليه وتشجيع الهجرة الطوعية لمئات الآلاف من سكان غزة".وتأتي أقوال بن غفير خلافا للمطالب التي كررها أكثر من مسؤول أمريكي في الأسابيع الأخيرة برفض إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة او اقتطاع أي جزء منه ورفض تهجير السكان الفلسطينيين منه.
كما عارض بن غفير سحب القوات الإسرائيلية من شمالي قطاع غزة، مدعيا أنه "يجري إطلاق الصواريخ من المناطق التي ينسحب منها الجيش الإسرائيلي".
'' أمن الفلسطينيين ودول المنطقة تحت التهديد ''
من جهة أخرى قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن ''أمن إسرائيل ليس تحت التهديد، بل العكس أمن الفلسطينيين ودول المنطقة هو المهدد''.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده فيدان، أمس الخميس، مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في العاصمة عمان.وأشار فيدان إلى أنه من غير المقبول أبدا أن تحاول إسرائيل إضفاء الشرعية على هجماتها ضد فلسطين لأسباب أمنية، مؤكدا أن "ما تفعله إسرائيل بدعوى ضمان أمنها ليس سوى توسعية واحتلال".ولفت وزير الخارجية التركي إلى أن توسع أراضي إسرائيل بعد كل حرب وأزمة هو الدليل الأكثر وضوحا على ذلك.
وأردف: "إسرائيل تسرق أراضي الفلسطينيين بأنشطتها الاحتلالية التي تسميها الاستيطان في الضفة الغربية، فلنكن واضحين إن أمن إسرائيل ليس هو الذي يتعرض للتهديد، بل على العكس من ذلك، دول المنطقة والفلسطينيون هم من يتعرض للتهديد، ويتعين على العالم كله أن يرى هذه الحقيقة".
تكلفة باهظة
في الأثناء صوّت أعضاء مجلس وزراء الإحتلال الإسرائيلي المصغّر "الكابينت" على ميزانية 2024، بزيادة 55 مليار شيكل (15 مليار دولار) كمبلغ إضافي للإنفاق على الحرب.ويشمل التمويل الإضافي، إلى جانب الميزانية العسكرية، تعويضات للمتأثرين بالحرب، وزيادة في ميزانية الرعاية الصحية والشرطة، بحسب وكالة ''رويترز''.
وبعد مرور أكثر من مائة يوم على اندلاع الحرب في 7 الماضي، أظهرت الأرقام الرسمية الأخيرة الصادرة عن وزارة المالية التابعة لحكومة الإحتلال الإسرائيلي، ارتفاع العجز في الميزانية الاقتصادية في إسرائيل، وانخفاضاً في النمو الاقتصادي.وتعدّ هذه الزيادة على الميزانية انعكاسا مباشرا لما توقعه خبراء من تأثير للحرب على الإنفاق، وإضعاف الاقتصاد الإسرائيلي على المدى الطويل وفق تقرير لـ''بي بي سي''.
ونقلت وكالة ''رويترز'' عن تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية أنّ إسرائيل سجلت عجزاً في الميزانية قدره 4.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2023، بسبب ارتفاع الإنفاق الحربي في الربع الأخير من العام، وانخفاض الدخل الضريبي.وارتفع العجز المستهدف في موازنة 2024 إلى 6.6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كان 2.25 بالمائة.وذكرت ''رويترز'' أنّ الحرب سوف تخفض النمو الاقتصادي لعام 2024 بنسبة 1.1 نقطة، مئوية ليبلغ نحو 1.6 بالمائة.
وقالت إنّ الأثر المالي للحرب يقدّر بنحو 150 مليار شيكل (40 مليار دولار تقريباً) في 2023-2024، على افتراض انتهاء القتال العنيف خلال الربع الأول من العام الحالي.
أما في غزة فقد تعرّضت البنى التحتية في غزّة لدمار كبير طال شبكات الكهرباء والمياه والطرقات.وأدّى القصف الإسرائيلي إلى دمار واسع في المباني السكنية والأسواق التجارية والمحال والمؤسسات.وتسبّب الدمّار والقصف بحركة نزوح واسعة لا سيما من مناطق الشمال، وبأضرار جسيمة في القطاع الصحي.
وكانت غزّة تعاني من وضع اقتصادي صعب ونسبة بطالة عالية نتيجة الحصار المفروض على القطاع منذ 2007.ومع استمرار الحرب والغارات الجوية والقصف، لم تصدر بعد معلومات كافية حول حجم الأضرار الكامل في غزّة حتى الآن.
وحذّر تقرير للأمم المتحدة من الآثار المحتملة طويلة المدى للصراع على كل من غزة والضفة الغربية المحتلة، ومن أن "الصدمة" الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن الحرب، ستدفع مئات الآلاف من الفلسطينيين نحو حالة الفقر.
وأصدرت منظمة الإسكوا (لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا) بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريراً عن التداعيات الاقتصادية المتوقعة للحرب على الأراضي الفلسطينية حتى تاريخ 5 نوفمبر 2023 وفق ''بي بي سي''.
وأشار التقرير إلى أنّ الأحوال المعيشية في غزة عشيّة الحرب "كانت محفوفةً بالمخاطر نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عام 2007، والذي اقترن بعمليات تصعيد عسكري متكررة، ممّا أدّى إلى استفحال الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي".
ولفت التقرير إلى أنّه على الرغم من أن بعض الآثار الشاملة للحرب الحالية قد لا تُلاحَظ لأنها قائمة منذ زمن في غزّة مثل قلّة حركة رأس المال، والقيود المفروضة على التجارة، ومحدودية حركة اليد العاملة، "فإنّ هذه الحرب سوف تفاقم تلك التحديات لا محالة".
وذكر أنّ التعافي الاقتصادي لن يتحقّق في غزة فوراً بعد تنفيذ وقف إطلاق النار، نظراً إلى حجم الدمار، وضعف القدرة على الوصول إلى الموارد، بما في ذلك المواد والمعدّات، بفعل الحصار على غزة.وأشار إلى أنّ هذا الدمار الهائل "سيرجع بغزة سنين إلى الوراء. فآثاره لن تقتصر على خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي في الأجل القصير، بل ستمتد إلى الأجل الطويل".