شيحة قحة

شيحة قحة

لا أحبّ العودة الى القرية. أفضّل البقاء في تونس العاصمة والتسكّع في شوارعها. في القرية، العيش فراغ والحياة ضنك. في القرية، رتابة قاتلة ونار من جهنّم. أمّا العائلة أو ما تبقّى فكانت أيّامها في تفكّك وهذا إرث يحثّ على البغضاء والمنكر. كلّ لنفسه يسعى. كلّ لصالحه يكدّ. حين يموت أبوك وتتزوّج ثانيّة أمّك، ينتهي العقد الجامع وترى الإخوة، كلّ لأمره يجري، يستأثر، يغنم. من جهة أخرى، هجّ القرية كل أصحابي وغادرها كلّ من أعرف. هاجر الى فرنسا الشباب والكهول بعد أن ضرب

لمّا كنت طالبا، في الصيف، أبقى في العاصمة، أتسكّع. لا شغل لي في العاصمة ولا شأن. خلال ثلاثة أشهر، أنا في عطلة. أنا في بطالة مطلقة. طوال ثلاثة أشهر أو أكثر، تحملني الشوارع والأزقّة. أمشي بلا غاية، بلا هدف. أتّبع ما كان من صدفة. أحيانا، تأتي الصدف بهيّة، تشرح صدري، وأحيانا تأتي الصدف مزعجة، فيها عجب وبؤس. ما كانت الأيّام كلّها مستويّة، مسطّرة. أحيانا ألتقي ببشر يفعم قلبي ويحملني الى السماء العليا وأحيانا ألقاني وجها لوجه مع مفسد في الأرض أو هو في بعض شذوذ وغربة...

ما أرى اليوم على شاطئ كاب زبيب يؤسفني. ما يحصل من تلويث للبحار ومن إفساد للشواطئ يحزّ في نفسي... كم نحن قذرون. كم نحن مفسدون. كم نحن صعاليك. أنظر من حولي فأرى القذارة وقد ملأت الشاطئ وعلى حافتيه. أنظر في الرمل فأرى وسخا من كلّ نوع. هذه قوارير وهذه قشور موز ودلّاع وبطّيخ. هذه حافظات رضّع ألقيت بما فيها على حافّة الماء. هذا أشعل نارا ليعدّ أكلا ويترك الفحم والرماد فوق الرمال حيث يلعب الصبية ويتمدّد المصطافون. هذه علب جعة منثورة. أنظر في الماء وقد اسودّت زرقته.

عشيّتها كنت في البيت. ككلّ عشيّة، أنا وزوجتي وحيدان في البيت. أنا لا أغادر البيت الّا قليلا. أنا لا أحبّ الخروج. أحبّ البقاء وحيدا في البيت. في الصباح، كلّ يوم، مضطرّا، أمشي إلى هنا

احتفلت البارحة بعيد ميلادي. عمري اليوم تقريبا 67 سنة. لا أدري بالضبط متى ولدت. لا أحد يعلم. ما كان الناس وقتها حريصين على مثل هذه الشؤون. لا تهمّ وقتها التواريخ. المهمّ هو أن يكبر المولود ويعيش.

لا أفهم ما يجري في هذا البلد. ما يجري في هذا البلد أمر عجيب. لا أفهم ما يدور في رؤوس الناس. في رؤوس الناس ألقى رداءة وفسادا. غريب أمر التونسيين. غريب ما يحمله التونسيون من نظر، من فكر، من ايمان. لماذا نحن في مثل هذا السوء، في مثل هذه التعاسة؟ لماذا يحيا التونسيون خارج الأرض

ما هي أولى أولويّات هذا البلد؟ ما هي القضيّة الأهمّ التي حولها يجب أن نلتقي وحولها يجب أن نسعى؟ هذا يقول: «كلّ القضايا مهمّة». يقول الآخر: «القضايا متداخلة، يكمّل بعضها بعضا». من حولي ترتفع أصوات عدّة... للدفع بهذا البلد، علينا أن نعتني بالقضاء وفيه فساد ومحسوبيّة

الإثنين, 15 ماي 2017 10:15

لماذا هي دوما تصرخ؟

لماذا هي دوما تصرخ؟ لماذا هي دوما تصيح؟ هل في الصراخ بلاغة وتبليغ؟ هل في الصياح اقناع وتوضيح؟ لماذا ساميّة عبّو دوما في عياط، في انفعال شديد؟ لم هي الى هذا الحدّ في حنق، في غضب شديد؟ الغضب الشديد قاتل. الصراخ

أنا لا أنظر في القنوات التلفزيّة المحلّيّة الا نادرا. حفاظا على نفسي، أتجنّب القنوات هذه. أخطئ أحيانا وتدخل القنوات التونسيّة بيتي وأراني في حرج... قد يقول البعض: «أنت تبالغ. في بعض البرامج هناك إخبار وحوارات وأحيانا إفادة». قد أكون

كان جدّي الحاج يوسف رحمه الله يسكن قرية منزل كامل بالساحل التونسيّ. قريتي ريفيّة. جدّي ريفيّ دما ومنبتا لكنّه يختلف مع أهل الريف، فكرا وقيما. ما كان يفعل ما يفعلون ولا هو يؤمن بما يؤمنون . هو مسلم أبا عن جدّ وحجّ مكّة

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115