شيحة قحة

شيحة قحة

هذا دليل آخر على ضعف الدولة، على حظّها المنكود. هذا دليل آخر أنّ الحاكم في عجز وأنّ عجزه يدفع بالناس الى الافساد في الأرض، الى التخريب... رغم ما لها من شرعيّة، ظلّت الحكومات المتعاقبة في وهن شديد. محلّ تطاول وتهافت الجميع... تونس اليوم بلا حاكم وبلا رقيب. هي خلاء مخليّ. كلّ يأتي ما شاء من السوء. كلّ يفعل ما خطر على باله من خروق...

أصبحت الحياة في تونس عسيرة. في ما مضى، كانت الحياة أيسر. منذ الثورة، استفحل العسر. حيث أمشي، ألقى العسر. في الادارة، في الطرقات، في الأسواق، في المقبرة. أنظر في البشر كيف يمشي، في السيّاق كيف يسوقون، في المارّة كيف يسيرون، في الموظفين، في أعوان الشرطة، في الباعة، في المعلّمين، في الصبية. أنظر في المصلّين يوم الجمعة...

في هذه الأيّام، تفتح الجامعة أبوابها. ها هي الحياة فيها تعود، تنطلق، من جديد. ها هم الأساتذة وخلفهم الطلبة. الكلّ مفعم أملا، فرح بالعودة، منشرح. هي العودة الجامعيّة، يا سادتي... أنا لن أعود. هذه السنة، لن تكون لي عودة جامعيّة. لن ألتقي بالطلبة. لا قسم لي ولا درس ولا تدريس. هذه السنة، أنا حزين...

الثلاثاء, 26 سبتمبر 2017 10:34

حديث الأنا: في ضرورة تكوين الأيمّة

طوال النهار، أنا ممدّد. منذ أسبوع وأنا بين الفراش والأريكة، ممدّد. ذاك ما أمر به الطبيب. ذاك ما أفعل... أحيانا أنظر من النافذة. أنظر في السماء، في العصافير، في شجرة الليمون. اصفرت شجرة الليمون. لم ينزل الغيث منذ أشهر. يجب أن أسقي الشجرة. ما أن تعود اليّ عافيّتي، سوف أسقي الشجرة. أحيانا، أنظر في البيت المقابل. فوق السطح، عاملان في البناء.

تعجبني الأعراس. بعض الأعراس. أكره ما في الأعراس من فوضى ومن صخب وأحبّ رؤية الناس المختلفين وهم في زهو وفي فرح. في الأعراس، ترى الوجوه منبسطة والنساء في أحسن زينة ولباس. الكلّ في مرح، في غبطة، يتحدّثون لبعضهم بعضا، في وئام، في انشراح.

الحياة في مثل هذا الحرّ لا تطاق. أصبح العيش في تونس عسرا، جحيما. ليس هو بعيش بل هو العذاب. يجب أن أرحل عن هذه الأرض. يجب أن يرحل عنها ابناي. لست مطالبا بالحياة في مثل هذه الفيافي. لست مجبرا على العيش في مثل هذا الطابون... تونس بلدي. هي وطني، أقول في نفسي، يقول الناس حولي. لكن، هل كتب عليّ أن أحيا في بلدي؟ هل حرّم على الانسان تغيير الأوطان؟

أعود الى نفسي. ها أنا هنا في بيتي وحيدا. يشدّني الحرّ. تضيق أنفاسي. أتنقّل بين الغرف بلا قصد. نغلق الأبواب والنوافذ. في شبه ظلمة، في سكون، أقضي الظهيرة أتلوّى. في شبه عراء، أتنقّل من مكان الى مكان. أبحث عن هبّة نسمة.

كنت تركت البنيّة البهيّة وحدها بعد أن قضّيت وايّاها في بيت أبويها لحظات ربّانيّة. عشقت البنيّة ولدى البنيّة صدر مكتمل وعيون حوريّة وشعر أصفر حريريّ. كلّمتها بعينيّ. أجابتني بابتسامات خفيّة. فارقت الصبيّة يومها دون أن أقول لها ما في قلبيّ من وجد ومن وله. كنت يومها جبانا، غبيّا. رغم سنوات الجامعة، بقيت ريفيّا. أحمل حشمة وقيودا...

يجب أن ألقاها. يجب أن أعود اليها. عنوان بيتها مسجّل في الوصل. ها هو رقم هاتف أبويها. كلّ المعطيات بين يديّ. انشرح صدري. القضيّة سهلة. سوف أهاتفها وأقول لها ما شئت من قول. سوف أهاتفها وأحكي لها ما في القلب من شوق. ما من شكّ سوف أقنعها. ما من شكّ سوف تأتي. القضيّة منتهيّة.

في السنوات السبعين والثمانين، لمّا كنّا الى الحداثة نسعى، كان السفر الى بلاد الغرب أمرا يسيرا وكانت بلاد الغرب تسكن قلوبنا ونراها في أعيننا أرحب وأرحم. في الصيف، كلّما استطعت، أرحل الى فرنسا حيث يقيم العديد من الأخلّة ولي فيها أهل وقربى. في فرنسا، أشتغل شهرا أو أكثر وأربح مالا وأنظر في الناس

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115