حديث الأنا: في ضرورة تكوين الأيمّة

طوال النهار، أنا ممدّد. منذ أسبوع وأنا بين الفراش والأريكة، ممدّد. ذاك ما أمر به الطبيب. ذاك ما أفعل... أحيانا أنظر من النافذة. أنظر في السماء، في العصافير، في شجرة الليمون. اصفرت شجرة الليمون. لم ينزل الغيث منذ أشهر. يجب أن أسقي الشجرة. ما أن تعود اليّ عافيّتي، سوف أسقي الشجرة. أحيانا، أنظر في البيت المقابل. فوق السطح، عاملان في البناء.

واحد يلبس قبعة بيضاء وقميصا أحمر ومعينه  قبعة زرقاء وقميصا أزرق. ساعة أو أكثر، أنظر في ما يأتيه العاملان. لا يأتي العاملان فوق السطح شيئا كثيرا. هما غالبا جالسان على حافة السطح. يتحدّثان. ينظران في المارة، في السماء، في الريح التي لا تنفخ. مثلي، العاملان في قلق. ينتظران نهاية الشغل. في الشغل إرهاق وتعب. لا أحدا يبتغي ارهاقا ولا تعبا. يشتغل العاملان، في ما أرى، لمّا يعود المقاول. ها هما على حافّة السطر يتحادثان. ينتظران. أنا لا أنتظر شيئا. في الصباح، في العشية، أنا دوما ممدّد. في رجلي اليسرى وجع. في العروق انسداد، تقول الصور.

دوما أنا ممدّد. أحيانا، أقرأ ما جاء في الشبكة من أخبار ومن كذب. أحيانا، أتابع ما كان في «طيّارة» من بضاعة ومن ثمن. تلقى كلّ شيء في طيّارة. يشدّني مجدّدا القلق. ألقي باللوحة جانبا. أقرأ كتابا. بين يدي منذ أسبوع، كتاب المفكر التونسي العفيف الأخضر: «إصلاح الإسلام». هدف الكاتب إنهاض همم المسلمين وقد أكلهم الفقر والتخلّف. هو يدعو الى تجديد الدين، الى تخليصه ممّا أصابه. ما كنت أعرف الرجل من قبل ولم أقرأ له. العفيف الأخضر رجل مثقّف. له رؤية وجسور. يقول ما يرى دون مراوغة...

أولى الأولويات لإصلاح أمر العرب والمسلمين هو إصلاح الدين الاسلامي ونزع ما لصق به من ترّهات ومن تقاليد. يدعو الأخضر الى إعمال العقل في القرآن، في جميع مقولاته. إعادة قراءة الاسلام ضرورة لإصلاح حال المسلمين. الخطاب الديني المتداول اليوم محبط، فاسد، غير ذي فائدة. هو لا يصلح للعصر ولا عقل فيه ولا نظر. كلّه تقليد وإعادة لما جاءه السلف... يبقى السؤال: كيف عقلنة الاسلام؟ كيف ملاءمته مع المصلحة، مع الحداثة...؟

أحيانا، أصليّ في المساجد وأحضر قصدا خطب الجمعة. في الكثير من الحالات، ألقى خطب الأيمّة ساذجة، خرافيّة، لا تسمن ولا ترشد. في المساجد، يعيد الأيمّة على المصلّين نفس الكلم. يقولون نفس العبر. يجترّون نفسي الآيات والسور. الخطاب الديني في الجوامع، غالبا، تكرار وسذاجة. يعيد نفسه. يتناول نفس الطرح والنظر. هو ثنائيّ، مسطّح. لا جديد تلقى عند أيمّة المساجد. أيمّة المساجد كلّهم من نفس المعدن. يلوكون خطبا باليّة. يعيدون ما قاله الزمن البائد. تقريبا. دون نظر. دون تمعّن...

يجب تغيير خطب الدين في المساجد. يجب تكوين الأيمّة حتّى يقولوا قولا ينفع، يدفع الهمم. الأيمّة عندنا هم في الغالب معلّمون أو أساتذة أو أدنى. لا يعرفون الدنيا وقد انتهت الدنيا عندهم في المدارس أو ما أخذوه من صحف أكلها الزمن. أكل الأيمّة الوظيف فباتوا مكرّرين لما حفظوا. يجب إعادة تشكيل الخطاب الديني في المساجد حتّى يلتقي ومقاصد الاسلام ومصالح المسلمين وقيم الحداثة...

كيف تكوين الأيمّة وقد تقدّم جلّهم في السنّ وذاك عقودا خبزهم اليوميّ؟ يجب ضرورة تعويضهم بأيمّة جدد، لهم قدرات وتكوين قويّ. يجب بعث جامعة خصوصيّة، همّها إعداد الأيمّة وفيها تدرّس العلوم الانسانيّة والتاريخ المقارن والابستيمولوجيا والاقتصاد والفلسفة... ما يفعله اليوم الأيمّة في رؤى الناس بليغ الأهمّية ومن الخطر ترك رؤوس المسلمين بين أيدي أيمّة هم أشباه مثقفين وأحيانا جهلة...

أعود لأتمدد وهذا وجع يشدّني... أنظر في السطح فأرى العاملين في حديث مطوّل. غاب المقاول. ها هو الأذان في المصادح. يجب أن أفطر، أن أذهب الى الفراش لأتمدّد.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115