بين هدنة الـ30 ساعة واستئناف القتال :حرب الاستنزاف الروسية الأوكرانية تحت مجهر الضغوط الأمريكية والتحولات الدولية

استأنفت روسيا، يوم أمس الاثنين، عملياتها العسكرية في أوكرانيا عقب انتهاء الهدنة المؤقتة التي أعلنتها من جانب واحد بمناسبة "عيد الفصح الأرثوذكسي"،

في خطوة بدت أنها تحمل أكثر من دلالة سياسية وعسكرية، وسط تصاعد الاتهامات المتبادلة بين موسكو وكييف بشأن خرق وقف إطلاق النار.فبعد أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فيفري 2022، لا تزال نيران هذا الصراع مشتعلة، دون أفق واضح للحسم العسكري أو التهدئة السياسية الشاملة. وبينما يستمر الاستنزاف المتبادل، تترسخ ملامح حرب وتتجاوز حدود أوكرانيا، لتغدو ساحة تنافس جيوسياسي دولي يعيد تشكيل موازين القوى في النظام العالمي. ولفهم أبعاد هذا الصراع المركّب، لا بد من العودة إلى مفاتيح سياسية وتاريخية وإستراتيجية لفهم هذه الحرب وتأثيراتها داخليا وخارجيا.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن وقف إطلاق النار الذي أقرّه الرئيس فلاديمير بوتين مساء السبت الماضي، انطلق "بدوافع إنسانية"، واستمر حتى منتصف ليل الأحد/الاثنين. لكن، وكما جرت العادة في صراعات من هذا النوع، سرعان ما اتهم كل طرف الآخر بخرق الهدنة، في مشهد يعكس هشاشة أي محاولات لتجميد العمليات القتالية ولو مؤقتا.
واتهم الجانب الروسي القوات الأوكرانية بتنفيذ آلاف الانتهاكات، بلغت بحسب البيان الرسمي 4900 خرق، شملت استخدام المدفعية والطائرات المسيّرة ضد مواقع روسية ومرافق مدنية في المناطق الحدودية، مما دفع الجيش الروسي إلى "التصدي" واستئناف عملياته الهجومية. في المقابل، أشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى أن روسيا نفسها لم تلتزم بوقف إطلاق النار، معتبرا أن إعلان الهدنة كان مجرد "غطاء إعلامي" لمواصلة العمليات العسكرية.
هدنة ..هل تُغيّر مسار الحرب ؟
ووفق متابعين لا يبدو أن هذه الهدنة أو غيرها تملك القدرة على تغيير المعادلة الميدانية أو السياسية. فمنذ انطلاق الحرب في فيفري 2022، أخفقت كل المحاولات في فرض وقف دائم لإطلاق النار، أو حتى بناء أرضية صلبة للمفاوضات. السبب في ذلك يعود إلى إصرار روسيا على ضمان حياد أوكرانيا وابتعادها عن الكيانات العسكرية الغربية، وعلى رأسها حلف الناتو، في حين تعتبر كييف هذه الشروط مساسا بسيادتها ومصالحها الإستراتيجية.
مع انتهاء ''هدنة عيد الفصح''، يعود الطرفان إلى الميدان في وقت تزداد فيه التكهنات بشأن تغير محتمل في المقاربة الأمريكية في ظل سياسات دونالد ترامب غير المتوقعة منذ عودته إلى البيت الأبيض، وما يحمله ذلك من احتمالات وقف الدعم أو فرض تسوية سياسية.

مفاتيح لفهم المشهد
ولفهم ملامح المشهد في روسيا وأوكرانيا على امتداد ثلاثة أعوام من الحرب وتأثيراتها على النظام العالمي ككلّ ، يجب التطرق لمفاتيح الحرب الدائرة لمزيد تفكيك المشهد وفهمه .
تُعد أوكرانيا بالنسبة لموسكو امتدادا تاريخيا وثقافيا لما تعتبره "الفضاء الروسي"، وهو ما يتصادم جذريا مع التوجه الأوكراني الغربي منذ عام 2014، بعد سقوط النظام الموالي لروسيا في كييف. هذا التحول السياسي في أوكرانيا والتوجه نحو الناتو والاتحاد الأوروبي اعتبره الكرملين تهديدا استراتيجيا مباشرا، خاصة مع اتساع نشاط الحلف الأطلسي على حدود روسيا الغربية.
في 2014، قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم، في خطوة أدانها المجتمع الدولي واعتبرها خرقا للقانون الدولي. ثم اشتعل النزاع في منطقة دونباس، حيث دعمت موسكو انفصاليين موالين لها، ما شكّل أساسا لصراع مستمر منذ سنوات، بلغ ذروته بالغزو الشامل في 2022 .
حين أطلقت روسيا هجومها العسكري في 24 فيفري 2022، كانت التقديرات تشير إلى إمكانية حسم سريع، إلا أن المقاومة الأوكرانية، بدعم غربي واسع، غيّرت قواعد اللعبة. تمكنت القوات الأوكرانية من الصمود أمام الهجوم على كييف، وشرعت لاحقا في هجمات مضادة، وسط تدفق غير مسبوق للمساعدات الغربية، خصوصا من الولايات المتحدة وأوروبا.
مع مرور الوقت، تحوّل الصراع إلى حرب استنزاف طويلة، حيث باتت خطوط الجبهة شبه جامدة منذ أواخر 2023، وسط خسائر بشرية ومادية ضخمة من الطرفين. ولم تعد المعركة تدور فقط في الميدان، بل امتدت إلى الفضاء السيبراني، والاقتصاد، والطاقة، والمعلومات، وأصبحت ساحة معقدة لحرب تشمل الطائرات المسيّرة والهجمات على البنية التحتية الحيوية.
الانقسام الدولي
وعقب اندلاع الحرب فرض الغرب عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا، شملت قطاع الطاقة، والبنوك، والتكنولوجيا، وسلاسل التوريد. ورغم تأثيراتها، استطاعت موسكو امتصاص جزء كبير منها عبر تحالفات مع الصين، والهند، ودول أخرى في ما يُعرف بالجنوب العالمي. وهو ما كشف عن انقسام دولي واسع، حيث رفضت كثير من الدول غير الغربية الانحياز التام لأي طرف، مفضّلة التوازن أو الحياد.
وفي خضم هذا الجمود الذي يلف مسار مفاوضات وقف إطلاق النار في أوكرانيا، شهدت العاصمة الفرنسية باريس الخميس جولة مشاورات سياسية مكثفة جمعت ممثلين عن الولايات المتحدة، وأوروبا، وأوكرانيا، في محاولة لإحياء الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إنهاء النزاع المستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات.ويأتي هذا التحرّك في وقت تتسارع فيه المبادرات الدبلوماسية، وسط تباينات بين العواصم الغربية حول منهجية التعاطي مع موسكو، في ظل اتهامات أوكرانية لبعض الأطراف الغربية بتقديم تنازلات ضمنية للكرملين.
ووصف وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الاجتماعات بـ"الصريحة والمفتوحة"، مشيرا إلى أن اللقاء شكّل سابقة بجمعه وفودا أمريكية وأوكرانية وأوروبية في غرفة واحدة، في خطوة تهدف بحسب باريس إلى "بلورة مقاربة موحدة" لتحقيق "سلام عادل ودائم".
وأكّد بارو، في ختام اليوم الطويل من المشاورات، أن المداولات أفضت إلى اتفاق على عقد اجتماع جديد الأسبوع المقبل في لندن، لمواصلة الدفع باتجاه هدنة محتملة. غير أن باريس، بحسب الإليزيه، تصرّ على أن أي وقف لإطلاق النار يجب أن يراعي "الوضع القائم ميدانيًا"، بما يشمل المناطق التي لا تزال تحت الاحتلال الروسي.
وبينما حاولت واشنطن إظهار نواياها الدبلوماسية، عبّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن امتعاضه من ما اعتبره "تبنيا ضمنيا" للرؤية الروسية من جانب المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، أحد أبرز مهندسي المبادرة الأمريكية في الملف الأوكراني. واتهم زيلينسكي ويتكوف، الذي حضر الاجتماعات في باريس إلى جانب وزير الخارجية ماركو روبيو، بـ"الترويج لصيغة سلام تكرّس مكاسب الاحتلال الروسي".وتواصل أوكرانيا المطالبة بمزيد من الضغط الدولي على موسكو، بالتوازي مع رفض أي تسوية تتضمن تنازلات إقليمية، وهو ما يضعها في مسار تصادمي مع محاولات التهدئة الأمريكية.
من جهتها، نددت موسكو بمخرجات الاجتماعات، معتبرة أن "الجهد الأوروبي يفتقر إلى الجدية"، متهمة عدة دول بـ"عرقلة الحوار الثنائي المتجدد" بين موسكو وواشنطن. وجاء ذلك على لسان ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، الذي اعتبر أن التصعيد الغربي لا يخدم هدف "التفاهم الاستراتيجي".
خلافات في قلب الصراع
ويُنظر في موسكو بعين الريبة إلى التحركات الأوروبية – الأمريكية التي تقترن بإعادة نشر قوات متعددة الجنسيات على تخوم أوكرانيا، في إطار ما بات يعرف بـ"قوة الطمأنة" التي تسعى باريس ولندن إلى تشكيلها لضمان تنفيذ أي اتفاق مستقبلي.
منذ أن أطلقت روسيا عملياتها العسكرية ضد أوكرانيا في فيفري 2022، دخل العالم في واحدة من أكثر الحروب تعقيدا وتشابكا في العقود الأخيرة. بدأت الحرب تحت ذريعة "حماية الروس في دونباس"، وتطورت إلى غزو شامل شمل العاصمة كييف ومناطق واسعة شرقا وجنوبا، قبل أن تنجح القوات الأوكرانية لاحقًا في صد جزء من الهجوم بدعم غربي واسع بالسلاح والاستخبارات.
ورغم تراجع الزخم العسكري الروسي أواخر 2022، فإن موسكو تمكنت من ترسيخ وجودها في أجزاء واسعة من دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون، وأعلنت ضمها رسميًا، في خطوة لم تحظَ بأي اعتراف دولي.ومع فشل محاولات السلام السابقة، ومنها مبادرة إسطنبول عام 2022، وانسحاب روسيا لاحقا من اتفاق تصدير الحبوب، عاد النزاع إلى منحى تصعيدي طوال عامي 2023 و2024، فيما تتعالى الأصوات الدولية حاليًا لفتح نافذة جديدة للحل.
مقاربات متباينة بين إدارتي بايدن وترامب
مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث، تتزايد المؤشرات على تحولات محتملة في السياسة الأمريكية تجاه هذا الصراع، لا سيما في ظل الطروحات التي بدأ يروج لها الرئيس دونالد ترامب، والتي تختلف جذريًا عن نهج إدارة الرئيس السابق جو بايدن.
منذ اللحظات الأولى لنشوب الحرب، كانت واشنطن لاعبا رئيسيا في توجيه مسارها سواء عبر الدعم المباشر لأوكرانيا أو من خلال المواقف الصدامية تجاه موسكو. وتزداد أهميّة الدور الأمريكي اليوم مع تبلور رؤية سياسيّة جديدة لدى التيار الجمهوري، تميل إلى مقاربة قال مراقبون أنها مقاربة "الحسم عبر الصفقة" عوضا عن "الاستنزاف المفتوح".
وتاريخيا لم يبدأ الاحتكاك الأمريكي الروسي حول أوكرانيا في 2022، بل يمتد إلى أكثر من عقدين، حين دعمت الولايات المتحدة توسع حلف شمال الأطلسي شرقيا، بدءا من عام 1999. هذا التوسع الذي شمل لاحقا دولا من الجمهوريات السوفياتية السابقة، وصل بالحدود الأطلسية إلى تخوم روسيا، في استونيا ولاتفيا وليتوانيا.
بالنسبة لموسكو، فإن فكرة انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى "الناتو" لطالما مثّلت خطًا أحمر، وهددت مرارا باللجوء إلى القوة العسكرية لمنع تحقق هذا السيناريو. وعلى الرغم من تلك التحذيرات، وقّعت واشنطن وكييف "ميثاق الشراكة الإستراتيجية" في نوفمبر 2021، الذي دعم علنا حق أوكرانيا في الانضمام إلى الحلف.
وتبنّت إدارة بايدن سياسة صلبة تجاه التحذيرات الروسية، رافضة منح موسكو "حق الفيتو" على خيارات أوكرانيا السيادية. ومع تصاعد الحشود الروسية قرب الحدود، أطلقت واشنطن تحذيرات متكررة من غزو وشيك، سرعان ما تحقق بالفعل.وعقب الغزو فعّلت إدارة بايدن إستراتيجية رباعية: تقديم دعم غير مسبوق لأوكرانيا يشمل المال والسلاح والاستخبارات، فرض عقوبات واسعة النطاق على روسيا، تفادي أي مواجهة مباشرة مع الجيش الروسي، وتأكيد التزامها بالدفاع عن أراضي دول "الناتو".وقد تجلى هذا الموقف في زيارات رسمية لبايدن وعدد من مسؤولي إدارته إلى كييف، حملت رسائل دعم سياسي وعسكري قوية، في حين تجاوزت قيمة المساعدات الأمريكية لأوكرانيا 130 مليار دولار.
رغم هذا التوجه، بدأ الانقسام يظهر في المشهد السياسي الأمريكي، خصوصا مع تصاعد خطاب ترامب خلال حملته الانتخابية الأخيرة، والذي تعهّد بوقف الحرب، وعبّر عن رغبته في تقليص الالتزام الأمريكي تجاه "الناتو". وردا على هذه التصريحات، أقر الكونغرس قانونا في ديسمبر 2023 يمنع الرئيس من الانسحاب من الحلف دون موافقة ثلثي الأعضاء، ما يعكس قلق المؤسسة التشريعية من المساس بالبنية الأمنية الغربية.
وعقب توليه الحكم في جانفي 2025 قال مراقبون أن مقاربة ترامب للحرب الأوكرانية اتسمت بالضبابية. فهو لا يرى في روسيا تهديدا مباشرا للولايات المتحدة، بل يعتبرها "مشكلة أوروبية"، ويدعو لأن تتحمّل أوروبا العبء المالي والعسكري الأكبر. كما أنّه يصف "الناتو" بكونه عبئا على واشنطن، ويشتكي من عدم التزام الدول الأوروبية بحصصها الدفاعية.
في رؤيته لإنهاء الحرب، يطرح ترامب إمكانية التوصل إلى "صفقة" تضمن حياد أوكرانيا، وتؤدي إلى انسحاب جزئي لروسيا من بعض المناطق الأوكرانية، دون أن يقدم تفاصيل واضحة. وبدت موسكو مرحبة بهذه الطروحات، بينما استقبلتها كييف بشكوك، ورفضتها أوروبا باعتبارها تمس بسيادة أوكرانيا.ويوجه خصوم ترامب اتهامات له بأنه يتجاهل الحلفاء الأوروبيين، ويقلل من دورهم في حل الأزمة، وهو ما يفتح المجال أمام تكهنات بشأن نية ترامب عقد تفاهمات ثنائية مع موسكو، ربما في مؤتمر رفيع المستوى تستضيفه السعودية في وقت لاحق وفق ماتناقلته وسائل إعلام، بهدف صياغة مخرج سياسي مستقل عن التنسيق الأطلسي.هذا السيناريو يثير قلقا واسعا في العواصم الأوروبية، التي ترى في أي تفاهم أمريكي روسي خارج الأطر الجماعية تهديدًا لتماسك الموقف الغربي برمته.
في المحصلة، تعكس الفجوة بين إدارة بايدن وترامب خلافا أعمق حول دور أمريكا في الحرب الروسية الأوكرانية فإدارة بايدن كانت ترى نفسها ضامنة للأمن الغربي، ومواجهة حازمة للنفوذ الروسي، بينما يسعى ترامب لإعادة رسم أولويات واشنطن، عبر الانسحاب من الأعباء العالمية، وتوظيف أوراق القوة لصياغة صفقات كبرى تخدم المصالح الأمريكية المباشرة.في ظل هذا التباين، يبقى مصير الحرب الأوكرانية معلّقًا بين رؤيتين واحدة تؤمن بالحسم عبر الدعم المستمر، وأخرى تراهن على التفاوض وإنهاء الاستنزاف عبر مساومات كبرى.
ووعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كلا من روسيا وأوكرانيا بـ"تجارة كبيرة" إذا توصل البلدان إلى اتفاق خلال هذا الأسبوع، دون تقديم تفاصيل عن الاتفاق.جاء ذلك في منشور لترامب، أمس الأول الأحد، على منصة "تروث سوشيال"، حث فيه روسيا وأوكرانيا على التوصل إلى اتفاق بعد وقف إطلاق نار مؤقت خلال عيد الفصح أمس.وأفاد ترامب في منشور "آمل أن تتوصل روسيا وأوكرانيا إلى اتفاق هذا الأسبوع، بعدها سيبدأ البلدان في عقد صفقات تجارية ضخمة مع الولايات المتحدة وتحقيق ثروة طائلة".
ولم يكشف ترامب عن أي تفاصيل تتعلق بالاتفاق الذي يأمل بتوصل الطرفين إليه.وكان الرئيس الأمريكي قد أفاد في 18 افريل الجاري إنه قد يتخلى عن محادثات وقف إطلاق النار "إذا جعل أحد الطرفين الأمور صعبة"، ومنح الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي الاختيار بين القتال أو الدخول في تجارة مربحة وفق رويترز.
الجهود الدبلوماسية
هذا وقبل هذه الإجتماعات ، برزت السعودية مؤخرا كوسيط نشط في مساعي التهدئة، مستضيفة جولات تفاوض غير مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا، وأخرى مع أوكرانيا، كان أحدثها في جدة منتصف أفريل الجاري. وتتناول هذه المحادثات مقترحات لهدنة جزئية مدتها 30 يوما، تركز على وقف الهجمات على منشآت الطاقة وضمان سلامة الملاحة في البحر الأسود، وسط غياب توافق نهائي حتى اللحظة.ووفق مراقين يعكس هذا الدور طموح الرياض لتعزيز موقعها كوسيط دولي فاعل، يحظى بقبول من الأطراف المتنازعة، ويوازن بين علاقاتها المتشعبة إقليميًا ودوليا.
ويؤكد مراقبون غياب مؤشرات حاسمة حتى الآن على نهاية وشيكة لهذا النزاع. فالمواقف السياسية لا تزال متباعدة، والميدان لم يُنتج نصرا واضحا لأي من الطرفين. وبحسب مراقبين، فإن الأشهر المقبلة قد تشهد مزيدا من الهدن الموضعية أو محاولات التهدئة الجزئية، في انتظار لحظة سياسية دولية تتيح تفاهما أوسع يُنهي هذا النزاع الذي تجاوز حدوده الوطنية ليصبح أزمة عالمية بامتياز.
حرب أوكرانيا والتأثيرات السورية
كان للحرب الأوكرانية تأثيرات على منطقة الشرق الأوسط خاصة سوريا . اذ تؤكد الباحثة في مركز الاهرام للدراسات صافيناز محمد أحمد في دراسة خاصة ترابط المسارات بين الحرب الأوكرانية الروسية والملف السوري . فهي تعتبر ان دخول روسيا في الصراع السوري عام 2015، غير تدخلها العسكري تماماً من خريطة التفاعلات الداخلية والخارجية في سوريا. فعلى مستوى تفاعلات الداخل، رجحت روسيا بتدخلها العسكري كفة النظام السوري في مواجهة المعارضة المسلحة، وبحلول عام 2019، كان النظام قد استعاد توازنه واستكمل خريطة سيطرته على معظم المناطق التي كانت خاضعة للمعارضة، باستثناء إدلب التي خضعت لاتفاق تخفيض التصعيد في مارس 2020 "اتفاق إدلب 2" بين روسيا وتركيا.
أما على مستوى التفاعلات الإقليمية والدولية، فاستقرت التعاطيات بين القوى المنخرطة في الأزمة عند حد "توازن المصالح" الاستراتيجية، مما أدخل الأزمة في مرحلة "الثبات والجمود"؛ وهى المرحلة التي توقفت معها مسارات البحث عن تسوية سياسية للأزمة.ومع انخراط روسيا في بؤرة صراع جديدة في أوروبا ، تم فرض معادلة صراع جديدة داخل أوروبا كان لها انعكاساتها وتداعياتها السياسية والاقتصادية على العالم والشرق الأوسط عامة، وعلى الأزمة في سوريا خاصة؛ وذلك كنتيجة طبيعية لتعارض مصالح القوى الدولية والإقليمية، وهي نفسها في الأزمتين الأوكرانية والسورية. ويرى البعض ان السقوط المدوي لنظام الأسد على علاقة مباشرة بالأحداث في أوكرانيا وانه احد تأثيرات صفقة محتملة " سوريا مقابل أوكرانيا". فتعاطي إدارة ترامب مع هذا الملف وتقاربه مع روسيا مقابل موقف عدائي مع الرئيس الاوكراني خاصة في لقائهما الأخير ، يفتح التساؤلات حول مدى جدية هده الفرضية في عالم السياسة والعلاقات الدولية القائمة على المصالح وعلى روابط الخسارة والربح . في المقابل يرى البعض ان روسيا في الآونة الأخيرة تراجع اهتمامها بالتسوية السورية قبل سقوط النظام بسبب انشغالها بالحرب الأوكرانية التي تحولت الى حرب استنزاف طويلة الأمد، وكان لهذا التراجع سببا في ضعف الامدادات العسكرية وصمود النظام.

تقاطعات مع الملف الإيراني
بالتوازي مع مباحثات أوكرانيا، ناقشت الوفود في باريس الملف النووي الإيراني، في ظل استئناف نادر للمحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن بوساطة عمانية، كان آخرها في مسقط ويُتوقع استمرارها في روما قريبًا. وتأتي هذه اللقاءات بينما حذّر مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي من أن إيران "ليست بعيدة عن عتبة السلاح النووي"، في تصريحات تعكس تصاعد القلق الغربي من مسار البرنامج النووي الإيراني.
مع انقضاء اجتماعات باريس، تتجه الأنظار إلى الجولة المرتقبة في لندن الأسبوع المقبل، حيث من المتوقع أن تتضح معالم المقترح الغربي لوقف إطلاق النار. لكن ما بين رفض موسكو لأي "وجود عسكري أجنبي" في أوكرانيا، وتشبث كييف بسيادتها الكاملة، تبقى فرص نجاح التسوية مرهونة بإرادات كبرى، لا تزال حتى الآن على تناقضها.

 

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115