ندوة علمية دولية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة: بحوث ثرية حول إشكاليات "المعنى واللّامعنى" في أشكال الخطاب وأنظمة التواصل

حول دراسة مشكل المعنى ودلالة القول والخطاب سواء كان فنّا وإبداعا أو خطابا اتصاليا ذا وظائف معرفية أو حجاجية إقناعية،

تتجدّد الدراسات وتتنوّع البحوث وتختلف منطلقات تطبيق المناهج وأدوات التحليل والقراءة بحثا عن المعنى ورؤى الذّات المتكلمة والوعي المفكّر إلى الأشياء وغير ذلك من وجهات نظر وآراء، اعتبار لكون مستويات المعنى في مختلف طبقاتها وسياقاتها كذلك مواطن اللّامعنى في تعقّدها وتداخلها برؤى والأهواء ومقاصد المتكلّم والمتلقي تظلّ مختلفة وذات أبعاد إشكالية ومن الصعب إدراكها.

ضمن هذا السياق انعقدت أشغال الندوة الدولية العلمية: "المعنى واللّامعنى" التي نظمها قسم اللغة والآداب والحضارة العربية بكلّية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، وقد امتدّت فعالياتها على مدي يومين، 15 و 16 أفريل الجاري، حيث كانت هناك محاور وأسئلة مهمّة للغاية وإشكالية محيّرة طرحت في فعاليات هذه الندوة، يبدو من الجدير البحث والتفكير فيها، ويتمثّل أغلبها في:
- كيف ندرك مضمون المعنى في النصّ أو الخطاب؟
- ما هي حدود تصوّر المعنى، وهل المعنى واحد في النصّ أم هناك معان متعدّدة أو طبقات للمعنى أو ما يصطلح عليه بمستويات المعنى؟
- هل تتساوى سبل إدراك المعنى في النصّ وفي القول؟
- هل هناك معنى نهائيّ للقول أو النصّ يمكن التوصّل إليه والدفاع عنه وتبنّيه رأيا فصلا في التفسير والفهم؟
- ما هو مدى إمكان اعتبار اللّامعنى شكلا من المعنى؟ وهل المعنى المضادّ شكلا آخر للمعنى وصورة له أم لامعنى؟
... وغير ذلك من المسائل والإشكاليات المهمّ.

في الافتتاح وآفاق المحاور
في الجلسة الافتتاحية، نوّه عميد الكلية الأستاذ محمّد بوهلال بأهمّية تنظيم الملتقيات العلميّة وأشار إلى دورها في دعم التّكوين العلمي بالفضاء الجامعي، وعبّر عن أهمّية موضوع الندوة: "المعنى واللامعنى"، بوصفه موضوعا راهنيا، يعالج قضايا إشكاليّة دقيقة. في نفس السياق أشارت السيّدة نائبة رئيس جامعة سوسة عن أهمّية ما يقدّمه الباحثون في مجال الآداب والعلوم الإنسانيّة، وذكّرت بالتزام الجامعة بدعم هذه الأنشطة، وأشارت إلى الحثّ على تكثيفها.
أمّا الأستاذ رضا حمدي مدير قسم العربيّة بالكلّية فقد تطرّق إلى أهمّ مراحل الإعداد لتنظيم هذه الندوة العلمية. وعدّد مبرّرات اختيار موضوع "المعنى واللامعنى"، بوصفه موضوعا بينيّا إشكاليّا، أي يتناوله بالدراسة والتحليل أكثر من حقل معرفي علمي، لكونه يقبل المعالجة من وجوه شتّى، تتعلّق بلغة التعبير والكتابة ومنطلقات النظر، وبأشكال الفكر والإبداع في الفنّ والأدب والحضارة وأنساق البحث والنظر لاسيّما في عالم الفلسفة والعلوم الإنسانيّة ومجالات الخطاب التداولي في السياسة والإعلام والدّين خاصّة، فإشكالية المعنى وسبل التعبير عنه وقراءته مطروحة في كلّ هذه المجالات وفي جميع أشكال الخطاب. ومن ثمّ أشار إلى حرص اللجنة العلميّة للندوة على الالتزام بضوابط التحكيم العلمي للمقالات المقدّمة للندوة، وعبّر عن النية في استكمال التحكيم المزدوج للأبحاث المترشّحة للنشر، لنشرها في كتاب مفرد.
من ناحية أخرى تجدر الإشارة إلى أنّ أشغال هذه الندوة وما قُدّم فيها من بحوث علمية قد نُظّمت إهداء إلى الأستاذ الهادي الجطلاوي أحد أبرز أعلام الدّرس الأدبي والبلاغي حول النصوص الأدبية العربية القديمة ومصنفات التفسير وكتب المفكرين وعلماء البلاغة والدّين واللغة من القدامى.

البحوث المقدّمة ومجالات التحليل والقراءة، حول المعنى واللّامعنى

تعدّدت محاور المداخلات العلمية التي كانت عبارة عن ملخصات وورقات مختزلة حول البحوث التي أنجزها أصحابها بخصوص سائر محاول هذا الملتقى العلمي حول "المعنى واللّامعنى". ولقد كانت أوّل المداخلات للمحتفى به الأستاذ الهادي الجطلاوي، فجاءت في شكل تعليقات وتساؤلات مشفوهة بتحليل عميق كان نصّا على نصوص أخرى بخصوص توجّه أحد المعترضين على اللبس والغموض في شعر أبي تمّام، بالقول له: لِمَ لا تقول من الشعر ما لا يُفهم؟. فالمعنى هنا مرتبط بالفهم، وبالبحث عن دلالة الكلام. وفي السياق نفسه كان بحث الحبيب الدريدي؛ المعنى في الشعر الجاهلي، وبحث آمال النخيلي "الإفراط في المعنى في الشعر الجاهلي".
وفي قراءة الشعر المعاصر قدّمت راوية اليحياوي (الجزائر) مداخلة حول "المعنى المفتوح في أدونيادا أدونيس"، وقد بدا هذا المعنى المفتوح لا حدود له، وهو مختلف عن المعنى المغلق. وفي ما له صلة بلغة القرآن الكريم حاول محمّد النوّي أن يبحث في مسألة المعنى المفقود وعلاقته بفواتح السور القرآنية، حيث اختلف المفسرون والمتكلمون عن علماء أصول الدين، وكذلك الفلاسفة والصوفية حول المراد الدلالي من حروف فواتح سور القرآن الكريم. أمّا مداخلة سالم بوخدّاجة فقد تعلّقت محاورها بمحاولة فهم أوسع لمسألة المعنى القرآني من منظور مقاربة أنتربولوجية، متّخذا نموذجا لذلك أعمال الأستاذة جاكلين الشابي.
وبخصوص قضايا الفكر والنقد والخطاب ومشكل المعنى في الفكر العربي المعاصر قدّمت إيمان المخينيني مداخلة مميّزة كان محورها "سؤال المعنى في لعبة المعنى لعلي حرب". وضمن مثل هذا السياق كانت مداخلة عفاف بالغالي "الخطاب الإديولوجي العربي المعاصر وأزمة المعنى ميشال عفلق نموذجا".
وفي ماله صلة بالمعنى في الفنّ تطرق رضا الجوادي إلى مشكلة المعنى في أعمال الرسام الكبير سلفادور دالي.
وبخصوص إشكالية المعنى في الخطاب الصوفي وكتابات صوفيّة الإسلام باعتبارها ذات دلالة لا متناهية ترتبط بالمجاز والرؤى وبمدارات الكشف والتجلّي وسمّو الذات في إدراك حقائق العالم والوجود، كانت مداخلات نجاة قرفال ومحمّد الكحلاوي وحياة الخياري والجامعي الجزائري محمّد قراش.
وتمحور عدد مهمّ من المداخلات العلمية الأخرى حول بحث مشكل المعنى من منظور علوم اللغة واللسانيات والعلوم الإدراكية العرفانية وفلسفة اللغة، لارتباط مجالات اهتمام هذه الحقول العلمية باللغة ذاتها وباستعمالاتها. وفي معرض ذلك كانت مقاربات آمال بادة حول المعنى بين النحو التقليدي واللسانيات الحديثة، وصابر حباشة حول علم الدلالة العرفاني ومشكل قول المعنى عبر اللغة، وشيراز دردور حول العطف وعلاقته بالمعنى المحال وتشكّل المعنى المجازي في نماذج من الشعر الحديث. وفي السياق نفسه اشتغال هواري بلقندوز (الجزائر) على مسألة تشييد المعنى في اللسانيات التداولية. وغير ذلك من مداخلات أخرى مهمة ألقيت في مجال دراسة هذا الموضوع الإشكالي...

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115