مهرجان مسرح التجريب بمدنين: ندوة جماليات المسرح التونسي: المسرح التونسي جماليات متخبّطة ومسرح الشارع والبيت هما وجهة الممثل الحقيقية

كيف هو واقع المسرح التونسي اليوم؟ هل توجد جماليات في الفرجة والتقديم؟ هل تطورت الصورة التي يقدمها المسرح التونسي

ام توجد جماليات غير مكتملة واخرى متخبطة بسبب غياب الدعم وغياب قانون الفنان وعدم وجود طرح جمالي جديد مع اسئلة عديدة طرحت في ندوة "جماليات المسرح التونسي".

اندرجت الندوة ضمن فعاليات الدورة السادسة والعشرين لمهرجان مسرح التجريب في مدنين وقامت على مداخلات تضع "الجماليات" على محكّ السؤال والنقد.

فوزية ضيف الله: المسرح التونسي جماليات غير مكتملة
قدمت الكاتبة فوزية ضيف الله مداخلة بعنوان "المسرح التونسي جماليات اللامكتمل" واكدت في مداخلتها على ان المسرح فعل تشاركي بين المبدع والجمهور فلا يمكن تقديم جماليات مسرحية احادية يكتفي فيها المبدع بعالمه الابداعي دون مشاركة فكرته وتحفيز المتلقي على السؤال، واشارت الى انه لا يمكن للجمالية المسرحية ان تقدم امام جمهور لا يعي، كما لا يمكن للمبدع ان يتجاوز الجمهور.
وقد انطلقت في مداخلتها من مبحث فلسفي في علاقة الجماليات المسرحية بـ"الاستيتيقا" والمبحث الكانطي واشارت الى ان الجماليات لا تقتصر على السياقات التشكيلية بل تتجاوزها الى الترميزية، فالقبح والصدمة طرق جمالية مغايرة انتهجها المبدع لطرح جمالي مختلف.
كما اكدت الدكتورة فوزية ضيف الله على ان جماليات المسرح التونسي تراجعت والسبب الاول هو اختلاق ازمات غير حقيقية أولاها ازمة المؤلف لانّ المنتج احتكر كل الوظائف من كتابة واخراج واصبح المنتج يفكر عادة في منحة الدعم فقط دون الانتباه الى الجمالية، فقتل النص المسرحي افتعالا، الازمة الثانية هي ازمة النقد فالناقد لا يجد حظه ولا مكانته في جماليات الكتابة المسرحية ويندر ان ينتبه لما يكتبه الناقد او يقبله.
جماليات المسرح التونسي حسب فوزية ضيف الله تكمن في الارادة والبحث والتفكير واليوم يمكن وصفها بجماليات غير مكتملة فليست كل الاعمال في مسار حقيقي نحو الاكتمال وهناك موت لطاقة الشعور بالجمال.

كيلاني زقروبة: مسرح الشارع جمالية القرب والنقد
"نحاول ان نصنع بالمسرح ثورتنا الذاتية، نؤمن بالتغيير ونرى ان للمسرح وجمالياته المختلفة القدرة على صناعة التغيير والتاثير المباشر في متلقي العمل المسرحي خاصة مسرح الشارع" بهذه الكلمات انطلقت مداخلة المخرج ومدير مركز الفنون الركحية في جربة الكيلاني زقروبة في مداخلته عن المسرح والثورة الدائمة.
اكد زقروبة ان مسرح الشارع عانى منذ بداياته من نظرة دونية من ممارسي المسرح كذلك من النخبة، مشيرا ان المسرح ولد في الشارع ثم دخل الى العمارة المسرحية "مسرح العلبة"، واشار الى ان المسرح استطاع فك قيوده والعودة من جديد الى الشارع عبر تقنية "الكوميديا دي لارتي" في ايطاليا.
المسرح كان رديفا للثورات الثقافية في العالم، وفي تونس بعد 2011قررنا ان نقتحم الشارع بالفن وننطلق في اعمالنا من اليومي التونسي، وانصتنا الى الشارع والى وجعه وصنعنا اعمالا مسرحية اكثر فنا تصل الى المتلقي اينما كان، وتوجهنا بعروضنا الى جمهوراغلبه لم يشاهد عرضا مسرحيا في حياته، فكانت الصدمة والرفض والتشويش ثم الانتباه الى الحوار والى الممثلين، تجربة صعبة اعتبرها ناجحة لاننا تجولنا في ربوع تونس واقتربنا من المواطنين من الجنوب الى الشمال.
واشار زقروبة الى تجربة "كوميديا1" التي تناولت موضوع انتشار الفكر السلفي في تونس وارتفاع نسب الهجرة الى بؤر التوتر عبر تقنية الكوميديا دي لارتي عالجنا موضوعا ازعج التونسيين انذاك، ثم جاءت "كوميديا2" وتناولنا موضوع الهجرة غير الشرعية" "الحرقة" التي ارتفع عدد الهاربين اليها في اغلب ربوع الجنوب التونسي، والمميز في العملين اعتمادنا على الموسيقى المحلية لجهة مدنين كذلك اللهجة المحلية ، فالممثل سفير جهته والمدافع الاول عن موروثها الثقافي كما فتحنا المجال للجمهور ليشارك في العرض ويتفاعل معه وبالتالي خرج من دور المتفرج السلبي.
واكد كيلاني زقروبة على اهمية مسرح الشارع كمبحث فني وفلسفي، تجربة ورؤية لها اهدافها وليست مجرد ارتجال او "تنشيط" بل هي فعل فني ابداعي له جمالياته، ومسرح التجارب لبنة اخرى لها خصوصياتها التي تضاف الى جماليات المسرح في تونس.
مسرح الشارع تجربة تخترق المتلقي، تدعوه حتى يكون جزءا من العمل، التفاعل بين الممثل والمتفرج يكون لصالح العمل وتشريك المتلقي في المادة المسرحية يؤثر ايجابا على نجاح العمل وتطوره، فالجمالية جماليات تتطور حسب الواقع الموجود اولا والرغبة في ايصال الجمالية والفن الى المتلقي ثانيا.

مريم الجلاصي: مسرح البيت مبحث جمالي اساسه التجديد
قدمت الممثلة والاستاذة مريم جلاصي مداخلة بعنوان "مسرح البيت: فتحي العكاري انموذجا" واشارت الى تجربة مسرحية مختلفة وجديدة على المتلقي التونسي وهي "مسرح البيت" الذي يقدمه الفنان فتحي العكاري عبر مسرحية "مقاطع" في الفترة الحالية، واكدت مريم الجلاصي التي شاركت العكاري في هذه التجربة المميزة طيلة اعوام ان المسرح مسارح والجماليات تختلف حسب المبحث الفني والهدف الابداعي، واكدت ان القرب من المتفرج والوصول اليه بافكار فنية مختلفة هو الغاية الاولى من هذا الفن الحي والمتجدد، فمسرح البيت يختلف فيه العرض حسب الفضاء والحضور ومساحة اللعب.
واشارت مريم الجلاصي الى ان المسرح التونسي بعد الثورة اصبح مسرح اختراق فالمسرح اخترق الشارع واخترق السجن واخترق البيوت وكل فضاءات اللعب الموجودة مما خلق حيوية وديناميكية جديدتين على المشهد المسرحي، واكد الجلاصي ان التجربة في تونس ليست وليدة الوقت الحالي بل وجدت في تونس منذ الثمانينات مع مسرحية "الدالية" لعز الدين قنون وفتحي العكاري ثم مسرحية "خرفني يعيّشك" وهذه الانماط المسرحية تخلق حميمية بين الباث والمتلقي للعمل المسرحي.
تجربة مسرح البيت مبحث جمالي وفني له اسسه الجمالية، تجربة بحثية وفكرية مختلفة تعتمد على قدرة الممثل على استيعاب سريع للفضاءات المتخلفة، عملية ابداعية تكسر الحاجز بين المتلقي والممثل ليصبح المتفرج بدوره جزءا من العمل، مبحث فني له اسسه وجمالياته ويعمل كثيرا على تحفيز السؤال ويدفع المتفرج حتى يكون واعيا.

انور الشعافي: المسرح التونسي متخبّط جماليا
تحدث المخرج انور الشعافي عن جماليات المسرح التونسي وعن "ضغط الواقعية" في المسرح عموما فاغلب التجارب العالمية انطلقت من الواقعية وتاريخ الجماليات هو تاريخ احداث حسب تعبير الشعافي الذي اكد ان المسرح التونسي لا يزال متخبطا جماليا خاصة بعد 2011 اذ اصبح هناك نوع من الاستسهال في التعبير ولا وجود لهويات واضحة في الجماليات.
واشار الشعافي الى ان الاساس في الفعل المسرحي هو النص بينما يعتمد مسرح اليوم اكثر على الارتجال والمشهديات اكثر من اعتماده على النص وقديما كان الاعتماد على الكتابة الركحية واليوم اصبحت هناك "كتابة البلاتو" ثم مرحلة الدراما الجديدة التي اتت بجماليات تحكي عن الراهن وعن الآن.
ونوه مؤسس مهرجان مسرح التجريب الى ان جماليات المسرح التونسي اليوم تعتمد على النجاحات الفردية الاستثنائية "فما زلنا نعيش على الاطلال وعلى ما قدمه السابقون، بينما لا نعمل على خلق جماليات تخص الراهن".

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115