سلسلة "سبق الخير": سلاح ناعم ينقد السلطة والسياسة

الكوميديا سلاح ناعم، الكوميديا وسيلة لإبراز قبح المجتمعات وفشل الانظمة السياسية وتمرير ذلك في قالب ضحكة الى المتلقي فترسخ المعلومة والرسالة المراد إيصالها

دون ارهاق المتلقي ذهنيا او دعوته للتفكير والتحليل.

هكذا يمكن الاشارة الى الكثير من الرسائل السياسية التي تقدمها السلسلة الكوميدية" سبق الخير" التي تبثها قناة نسمة يوميا بعد الافطار مباشرة، رسائل تشاكس المنظومة وتبرز تهلهلها وتقدم الى مستهلكي المادة الرمضانية في شكل كوميدي وهي من اخراج قيس شقير.
عبث بالسلطة عبر مواقف كويدية
السلسلة تصور "عبث الدولة" بشعبها واستهتار الحكومات امام القضايا الاستراتجية، والاهتمام فقط بقشور المواضيع وثقافة "البوز" احيانا، امام جمهور الدراما شخصية مضحكة "رئيس الحكومة" في الدولة (كمال التواتي)، قراراته مرتجلة، ينصت لمواقف وزير داخليته (لطفي بندقة) الاكثر ارتجالا، رئيس حكومة ينساق خلف حملات "الفايسبوك" و"التيكتوك" ليبرز انه "مواطن" يصعد في النقل العمومي ووزير داخليته يوثق اللحظات المبهرة في التحام الرئيس بابناء الشعب، صورة شعبوية مستهلكة يمارسها خارج "الفضاء الدرامي" عدد من السياسيين كذلك الوزراء (كم مرة صعد وزير نقل في النقل العمومي ليبرز اهتمامه بمشاكل المواطنين ويقدم تصريحات اعلامية وخطابات تؤكد على وضع الوزارة لاستراتجيات لتحسين الاسطول والتجهيزات، ثم تنتهي الحملة وتخفت اصوات المهللين ويعود المواطن الى معاناته اليومية مع بشاعة منظومة النقل واسطولها).
وزير الداخلية يوثق الخطابات والشعارات الجميلة التي يقدمها رئيس الحكومة في فيديو سينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن وزير الداخلية يمحو فيديو رئيس الحكومة وجولته ليترك مساحة لصور ابنتهوهي "تلعب في مدينة الالعاب"؟ والرسالة واضحة، لعب ابنته اهمّ من حملة رئيس حكومته "التمثيلية".

في "سبق الخير" رئيس حكومة يسرق هاتفه، ويقوم السارق بتنزيل فيديوهات كثيرة، رئيس حكومة يمسك بالسارق ويتفاوض معه في بيته امام حارسين ووزير داخليته دون تقديم السارق الى الامن او الالتجاء للقضاء، فهو صاحب الامر الاول وصاحب السلطة المطلقة في الدولة، ممثل الدولة يتفاوض مع السارق وينتهي الاتفاق بمنحه منصب "والي" (اعطيه والي)، يرفض السارق ويطلب رتبة (مستشار) او يقوم بتنزيل بقية الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي (راني نزفر، كي نزفر يهبط فيديو) فيرضخ الرئيس ويطلب منه فقط عدم المباشرة؟، مشاهد مضحكة لكنها تكشف عن تهلهل المنظومة السياسية التي اصبحت محل نقد وتهكّم الجميع، مواقف كوميدية موغلة في تفكيك "العلاقات" و"الواسطة" ومدى تاثيرها السلبي على تعيينات تهمّ وظائف عليا في الدولة.

"سبق الخير" سلسلة ناقدة وجريئة، عمل يضع على طاولة التشريح الكوميدي السلطة وقراراتها الارتجالية واستهتار الوزير بمنصبه وبشعبه وعدم مبالاة رئيس الحكومة بالقضايا المهمة والانتباه فقط للمشاكل الجانبية، ضحكة مغلفة بالكثير من الوجع تجاه الدولة وتراجع هيبتها كذلك عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب (اعذرني، انا حبيت على وزير سياحة نحوس واتجول بين الدول فقط، لكنك عطيتني وزير داخلية)، جمل كثيرة بين المواقف المضحكة تكشف عن تهلهل السلطة وأن المناصب توزع دون احترام لهيبة الدولة او جديتها كما راى كاتب سيناريو سلسلة "سبق الخير".
خلف الضحك الكثير من النقد و"المباشراتية" نقطة ضعف
"سبق الخير" رسائل كوميدية ومواقف مضحكة مشحونة نقدا، عمل جمله تضحك المتلقي لكنها توجه اصابع النقد الى المشهد السياسي وتكشف عن تشتت ابناء الدولة وتفكيرهم الفردي على حساب المجموعة، مجموعة من المواقف تشبه السم الموضوع في العسل، تبدو مضحكة وخفيفة على الذهن لكنها تدعو للطرح السؤال عن كيفية تسيير شؤون الدولة ومدى يحترم أصحاب المناصب الى القانون؟ ام انهم يحترمون فقط قراراتهم الفردية ويخافون من "البوز" و"البارتاج" لا من سلطة القانون ودستوريته.
"سبق الخير" سلسلة كوميدية تنقد السياسة والمجتمع لكنها تسقط في المباشراتية في الكثير من المواقف حتى يصبح المشهد مستهلكا او انه سبق طرحه وتداوله كثيرا عبر وسائل التواسط الاجتماعي، والمميز في السلسلة تشريكها لنجوم الكوميديا في عمل واحد ابرزهم كمال التواتي ولطفي بندقة ورياض النهدي ولطفي العبدلي وكريم الغربي.

كمال التواتي: نجم كل الاوقات وسيد جميع الشخصيات
فنان متميز ومختلف، كلما مثّل اقنع وتماهى مع الشخصية وتفاصيلها الجسدية والنفسية والحركية، اداؤه مثل دروس في فن الممثل، شخصيات مركبة تفكك وتشرّح ثم يعيد الفنان اعادة تركيبها وتقديمها لجمهوره، الممثل كمال التواتي الذي خبره الركح واحبته الشاشة الكبرى السينما وبرع في التلفزة من نجوم الدراما الرمضانية للموسم 2023 وهو يطل على الجمهور بسلسلتين كوميديتين، يجسد في كل سلسلة شخصية مختلفة تتناقض آلياتها الادائية مع الاخرى.
كمال التواتي ممثل "كامل" يرافق الجمهور التونسي منذ اكثر من عشرة اعوام او يزيد في سلسلة "شوفلي حل" حتى اصبحت شخصية "سليمان الابيض" وصم يوصم به التواتي مما يجعل شخصياته الجديدة الاخرى تنافس مباشرة شخصية تجاوز عمرها العشرة اعوام رافقت التونسي في اوقاته.
كمال التواتي الممثل "الغول" امام الكاميرا له اسلوبه الهادئ في التعامل مع عنت الشخصية وتركيبتها، يلعب أمام الكاميرا بشغف طفل وحنكة محترف، في سلسلة "سبق الخير" يقدم شخصية رئيس الحكومة وما تتطلبه من صرامة وهزل في الوقت ذاته، ويقدم في "الكابتن ماجد" شخصية "عبد الماجد العسكري المتقاعد" بين الشخصية الاولى والثانية اختلاف كبير يبدع التواتي في المسك به ليجبر المتفرج على اتمام السلسلة الاولى ومواصلة متابعة السلسلة التي تليها.
كمال التواتي الممثل المسرحي الذي عرفه الركح جيدا واقنع جمهور المسرح لاعوام، نجح في الدراما واصبح من النجوم الصادقين مع ذواتهم وجمهورهم، له اسلوبه الخاص في اقناع المتلقي ويمكنه المزج بين الكوميديا والتراجيدا في الشخصية ذاتها.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115