اتفاق غزة في الميزان نقاط خلافية وأخرى غامضة تهدد "المرحلة الثانية"

بعد أشهر من المفاوضات المتعثرة والضغوط الدولية والإقليمية

بدأ تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق غزة التي وُصفت بأنها خطوة كسر الجمود بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، حيث شملت وقفا لإطلاق النار وتبادلا للأسرى و بعض الجثامين، وإدخال دفعات من المساعدات الإنسانية إلى القطاع عبر المعابر الجنوبية.لكنّ الأنظار الآن تتجه إلى المرحلة الثانية، التي تُعدّ الأكثر تعقيدا وحساسية، إذ يُفترض أن تشمل انسحابا تدريجيا لقوات الاحتلال الإسرائيلي من مناطق داخل القطاع، وتوسيع نطاق الإغاثة وإعادة الإعمار، وبدء ترتيبات أمنية وسياسية تمهّد لتسوية أوسع.

ورغم أجواء الحذر التي ترافق الخطوات التنفيذية، فإنّ جملة من البنود الغامضة والنقاط الخلافية — مثل آلية نزع السلاح، ومراقبة الانسحاب، وضمانات تنفيذ الاتفاق — تهدّد بإبطاء أو حتى نسف ما تحقق، ما يجعل المرحلة المقبلة اختبارا حقيقيا للقدرة على ترجمة الوعود السياسية إلى واقع ميداني .

وهذا واعلن الرئيس الأمريكي أن "المرحلة الثانية" من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قد بدأت رسميا، بعد المرحلة الاولى من الاتفاق من تبادل رهائن وأسرى وجثامين وتهدئة نسبية على الأرض . لكن وفق مراقبين فالبيان السياسي لا يساوي تطبيق البنود على الأرض، و
اذ تعد المرحلة الثانية المرحلة الأشد حساسية لأنها تنقل القضايا الجوهرية — انسحاب القوات الصهيونية، ونزع سلاح حركة المقاومة الاسلامية حماس — من إطار الاتفاق المؤقت إلى تطبيق عملي مرهون بضمانات مختلف الأطراف.
أبرز النقاط الخلافية

من بين أبرز النقاط الخلافية هو نزع السلاح الهجومي لحماس وكيفية تنفيذه —فالاحتلال يصرّ وفق الخطة على "تجريد" حماس من قدراتها الهجومية كشرط أساسي للانتقال إلى تسويات أوسع، بينما حماس تعتبر أي مطلب من هذا النوع تهديدا لوجودها السياسي والأمني، كما يتطلب التطبيق العملي لهذا البند آليات تفتيش، قوة تنفيذية دولية أو إقليمية، وجداول زمنية—جميعها متنازع عليها سياسيا. هذا الخلاف المركزي قد يحيله أحد الطرفين إلى مسألة صفرية لا تقبل التفاوض.
ثانيا انسحاب القوات الإسرائيلية وإطار زمني واضح، فالاتفاقات الأولية تتحدث عن "انسحاب تدريجي او "انسحاب كامل" بشرط التزام حماس، لكن لا يوجد جدول زمني شفاف أو آليات مراقبة دولية متفق عليها تحمي المدنيين .اذ يترك غياب جدول زمني واضح ، هامش مناورة واسع للاحتلال الاسرائيلي، وقد يُستغل لتمديد الوجود الصهيوني في غزة بحجج أمنية.
ثالث ابرز نقاط الخلاف هي آلية تبادل جثث الرهائن وشروطها، حيث تشهد عمية التعرف على هويات الرهائن صعوبات كبرى نتيجة الدمار الواسع وغياب اليات متطورة للبحث في ركام كبير وغير مسبوق قد يؤدي لتجمد المرحلة الثانية فورا في حال فشل تسليم عدد من الجثث .
رابعا الضمانات الدولية ووجود قوة أممية دولية ، فالمقترحات تتحدث عن دور "قوة دولية" أو هيئة إشرافية، لكن تكوينها، صلاحياتها، وتمويلها غير متفق عليها، وهو ما يضع تنفيذ بنود مثل نزع السلاح والانسحاب تحت تهديد الفشل إذا لم تُقدّم ضمانات قابلة للتنفيذ.

نقاط غامضة
يطرح مراقبون تساؤلا ملحا حول من يراقب الالتزام عمليا؟ هل ستكون مصر وقطر وتركيا الوسطاء والمشرفين الرئيسيين، أم ستُشارك بعثة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأمريكا؟ كما أن مصير البنية الإدارية والقيادية داخل غزة يبقى غامضا، اذ يؤكد متابعون أن ثمة إشارات إلى "حكومة انتقالية" أو إشراف دولي على إعادة الإعمار، لكن لا توضيح حول بقاء مؤسسات حماس أو دمجها في هياكل مدنية، وغياب هذا التوضيح يعني أن تسوية السلطة المحلية لا تزال معلّقة.
كما ان التسلسل بين تبادل الرهائن وإعادة الخدمات والإعمار لم يوضح اشتراط تبادل كامل للرهائن قبل فتح المعابر وإطلاق برامج إعادة الإعمار.اذ تحمل النصوص المتاحة التباسا وغموضا يتيح لإسرائيل استخدام المساعدات كورقة ضغط .

عراقيل ميدانية
في الاثناء قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن انتشال جثث جميع الرهائن الإسرائيليين القتلى يمثل "تحدياً هائلاً" تحت أنقاض غزة. وقالت اللجنة إن هناك احتمالاً بأن لا يُعثر على بعضهم أبداً.
في غضون ذلك، أُعيدت جثث حوالي 45 فلسطينيا استشهدا خلال الحرب، ونقلها جيش الاحتلال الإسرائيلي في شاحنات تابعة للصليب الأحمر.
من جهتها قالت حكومة الاحتلال الإسرائيلي امس الأربعاء، إن إحدى الجثث التي سلمتها حركة حماس، الثلاثاء، بموجب اتفاق التبادل ووقف إطلاق النار في غزة، لا تتطابق مع أي من أسراها.
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي في بيان: "بعد استكمال الفحوص في معهد الطب العدلي تبين أن الجثة الرابعة التي سلمتها حماس لإسرائيل أمس لا تلائم أيا من المختطفين".
وأضاف: "حماس مطالبة ببذل كافة الجهود المطلوبة لإعادة جميع المختطفين القتلى". من جهتها اعلنت عائلات الرهائن الإسرائيليين، امس الأربعاء، أن الجندي تامير نيمرودي قُتل بسبب قصف نفذه الجيش الإسرائيلي أثناء وجوده لدى حركة "حماس" بقطاع غزة.
ومساء الثلاثاء، تسلمت تل أبيب من "حماس" جثمان نيمرودي وتأكدت من هويته، وذلك ضمن جثامين 8 إسرائيليين سلمتهم الحركة منذ الاثنين.
ومرارا أكدت "حماس" أنها تبذل أقصى جهودها للحفاظ على أرواح الرهائن، وحذرت من أن القصف الإسرائيلي الدموي والعشوائي يهدد حياتهم.
وبالإضافة إلى جثامين الأسرى الثمانية، أطلقت "حماس" الأسرى الإسرائيليين العشرين الأحياء، وتقول إنها تحتاج وقتا لإخراج جثامين الأسرى العشرين المتبقية.
في المقابل، أطلقت إسرائيل 250 أسيرا فلسطينيا محكومين بالسجن المؤبد، بالإضافة إلى 1718 اعتقلتهم من قطاع غزة بعد 8 أكتوبر 2023.
ولا يزال يقبع في سجون إسرائيل أكثر من 10 آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، ويعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، قتل العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية
دعوة لتسريع فتح المعابر
من جهته دا المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إسماعيل الثوابتة الاحتلال الإسرائيلي إلى فتح المعابر وإدخال المساعدات فورا.
وأوضح الثوابتة، وفق موقع جزيرة، آلية عمل معبر رفح وفق اتفاق وقف الحرب في غزة وأولوياته.
يأتي ذلك في وقت قالت فيه المتحدثة باسم المكتب الأممي للشؤون الإنسانية بغزة أولغا تشريفكو، إن الاحتياجات الإنسانية في القطاع لا تزال هائلة.
وأكدت تشريفكو، أن وقف إطلاق النار أنهى القتال، لكنه لم ينه الأزمة الإنسانية، ودعت المجتمع الدولي إلى مواصلة العمل من أجل ضمان الاستجابة الميدانية.
وفي هذا السياق، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر، أن الاستعدادات الميدانية متواصلة لفتح معبر رفح بين غزة ومصر، مؤكدة، أنه لن يفتح يوم امس، ولا موعد محددا لذلك، بعد أنباء راجت في وقت سابق عن إعادة فتحه امس.
سياسيا، دعت حركة المقاومة الإسلامية حماس امس الأربعاء الوسطاء إلى إلزام إسرائيل باتفاق وقف الحرب، في وقت هددت فيه تل أبيب بفرض تنفيذ الاتفاق بالقوة.
وفي الضفة الغربية، أفاد الهلال الأحمر الفلسطيني استشهاد فلسطيني من ضربه على الرأس من قوات جيش الاحتلال قرب معبر قلنديا شمال القدس، في حين اقتحم جيش الاحتلال مدنا وبلدات عدة بالضفة منذ الفجر.

تكلفة إعادة إعمار غزة 70 مليار دولار

من جهته أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة تقدر بنحو 70 مليار دولار.
ولفت ممثل البرنامج الخاص في فلسطين جاكو سيليرز في مؤتمر صحفي، إلى وجود دمار مروع في غزة.
واستدرك بالتأكيد على أن صمود الفلسطينيين في غزة لا يصدق، وأن تصميمهم على إعادة بناء القطاع عال للغاية.
وأكد ضرورة احترام كافة الأطراف لوقف إطلاق النار في غزة، مشددًا على أهمية الاستقرار والتعافي على المدى الطويل في غزة.
وأوضح سيليرز أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قام بالفعل بإزالة حوالي 81 ألف طن من الأنقاض، وهو ما يعادل حوالي 3100 شاحنة محملة بالأنقاض.
وأضاف: "تشير تقديرات التقييم السريع المؤقت للأضرار والاحتياجات الذي أجرته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي بشكل مشترك إلى أن هناك حاجة لنحو 70 مليار دولار من أجل إعادة إعمار غزة".
وأردف: "هذا يعني أن هناك حاجة إلى حوالي 20 مليار دولار في السنوات الثلاث المقبلة".
وأشار إلى أن حجم الأنقاض الواجب إزالتها في غزة يبلغ قرابة 55 مليون طن.
وفي 9 أكتوبر الجاري، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توصل إسرائيل وحماس، لاتفاق على المرحلة الأولى من خطته لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى، إثر مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين بمدينة شرم الشيخ، بمشاركة تركيا ومصر وقطر، وبإشراف أمريكي.
وبدعم أمريكي ارتكبت إسرائيل منذ 8 أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت 67 ألفا و869 شهيدا، و170 ألفا و105 جرحى، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 463 فلسطينيا بينهم 157 طفلا.

انتهاك لوقف إطلاق النار

على الصعيد الفلسطيني، قالت مصادر طبية فلسطينية في مستشفى المعمداني في مدينة غزة إن خمسة فلسطينيين استشهدوا، جرّاء إقدام جيش الاحتلال الإسرائيلي على إطلاق النار، صباح أمس الاول ،من طائرات مُسيَّرة على مواطنين، كانوا يتفقدون منازلهم في حي الشجاعية شرقي المدينة.
يأتي ذلك في اليوم الخامس لسريان وقف إطلاق النار بين "اسرائيل" وحماس في قطاع غزة.
وبحسب مصادر فلسطينية في مدينة خان يونس جنوبي القطاع،استشهد فلسطيني سادس وجرح آخر، جرّاء قصف نفّذته طائرة إسرائيلية مُسيَّرة في بلدة "الفخاري" شرقي المدينة.
كما أعلن مجمع ناصر الطبي، وصول إصابات بنيران قوات جيش التحتلال الإسرائيلي في خان يونس كذلك، فيما أُعلن عن استشهاد فلسطيني متأثراً بجروح، أصيب بها إثر قصف استهدف شرقي المدينة قبل أيام.
وقالت مصادر طبية في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس إن فلسطينياً استشهد بنيران طائرة مسيرة إسرائيلية في منطقة معن شرقي المدينة، ليرتفع بذلك عدد الشهداء خلال يوم فقط إلى 7 فلسطينيين.
وقال حازم قاسم الناطق باسم حركة حماس إن
قيام جيش الاحتلال الاسرائيلي بقتل عدد من سكان قطاع غزة،عبر القصف وإطلاق النار يشكل "انتهاكاً لاتفاق وقف إطلاق النار" في القطاع.
وطالب قاسم الأطراف المختلفة بـ"متابعة سلوك الاحتلال، وعدم السماح له بالتهرب من التزاماته أمام الوسطاء، فيما يتعلق بإنهاء الحرب على قطاع غزة"، على حد تعبيره

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115