هل تنتهي الحرب الروسية الأوكرانية؟ غموض وترقّب بعد تعديلات أمريكية واسعة على خطة لإنهاء الحرب

دخلت التطورات الدبلوماسية الأخيرة الحرب الروسية الأوكرانية

منعرجا شديد الأهمية، قد يجعلها على أعتاب مرحلة جديدة، بعدما كشفت صحيفة ''نيويورك تايمز'' عن إدخال تعديلات واسعة على خطة التسوية التي تعمل عليها الإدارة الأمريكية. وتأتي هذه التعديلات عقب جولة محادثات مكثّفة في جنيف بين الوفدين الأمريكي والأوكراني، والتي وُصفت بأنها مثمرة وذات طابع عملي، في وقت تسعى فيه واشنطن إلى تحقيق اختراق سياسي يعيد صياغة مسار الأزمة المستمرة منذ سنوات.
وأشارت مصادر غربية مطّلعة إلى أنّ الخطة المكوّنة من 28 بندا التي يسعى لإتمامها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خضعت لمراجعات جوهرية، وأنّ النسخة المعدلة تختلف بشكل كبير عن تلك التي تسرّبت قبل أيام عبر أحد النواب الأوكرانيين. ووفق مراقبين يعكس هذا التحرّك رغبة أمريكية متزايدة في التوصل إلى مقاربة واقعية تتناسب مع توازنات القوى الحالية، خصوصا مع إدراك واشنطن لصعوبة إعادة رسم خرائط السيطرة بالقوة العسكرية، إلى جانب الضغوط الداخلية التي تدفع الإدارة نحو الحد من أعباء الدعم المستمر لكييف.
التفاؤل الذي عبّر عنه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عقب المحادثات بدا لافتا، إذ أكد أن جنيف شهدت تقدما ملموسا في تقريب وجهات النظر، لكنه لم يُخف حقيقة أن الموقف الروسي ما يزال غامضا تجاه التفاهمات التي تم التوصل إليها بين واشنطن وكييف. وفي خضم هذا الغموض، نقلت تقارير أمريكية أن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي قد يتوجه إلى واشنطن خلال أيام لعقد لقاء مع الرئيس دونالد ترامب، وهو لقاء قد يكون حاسما في تحديد معالم النسخة النهائية للخطة.
مواقف الفاعلين الدوليين
على الجانب الروسي، بدت تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين مزيجا من الانفتاح والحزم. فقد بوتين أكد أنّ الخطة الأمريكية يمكن أنّ تشكّل أساسا لحلّ نهائي إذا راعت المصالح الروسية، مشيرا إلى أن موسكو مستعدة لإبداء مرونة، لكن دون التخلي عن المكاسب التي حققتها على الأرض. وإذ أعاد بوتين التذكير بأن الوضع العسكري الحالي يصب في مصلحة بلاده، فإنه وجه رسائل مباشرة إلى كييف وحلفائها بأن الرهان على إلحاق هزيمة بروسيا بات وهماً ينبغي التخلي عنه.
ووسط هذا التباين في المواقف، تبقى أوروبا لاعبا قلقا يراقب المشهد من موقع المعني الأول بأمنه واستقراره.فالدول الأوروبية التي أنهكتها تداعيات الحرب اقتصاديا وسياسيا تبدي استعدادا لتأييد أي مبادرة توقف النزاع، لكنها تدرك في الوقت نفسه أن أي تسوية تمنح موسكو اعترافا ضمنيا بمكاسبها قد تؤثر على البنية الأمنية الأوروبية لعقود مقبلة.
أما كييف، فتجد نفسها في موقع شديد الحساسية. فالموقف العسكري الميداني لم يعد كما كان قبل عامين، في ظل تراجع القدرات التشغيلية وتقلّص وتيرة المساعدات الغربية. وفي الوقت ذاته، تواجه القيادة الأوكرانية ضغوطا داخلية تمنعها من تقديم تنازلات كبيرة، خصوصاً في ما يتعلق ب''القرم'' و''دونباس''، وهما المنطقتان اللتان تشير المسودة الأولى للخطة الأمريكية إلى احتمال الاعتراف بهما كأراض روسية بشكل أو بآخر، رغم أن التعديلات الأخيرة قد تكون أعادت صياغة هذا البند لتخفيف وقعه السياسي.
محادثات جنيف
وتؤكد تصريحات البيت الأبيض أن محادثات جنيف حققت تقدما طفيفا، وأن واشنطن تسعى إلى صيغة توافقية يمكن أن تضع أساسا لوقف إطلاق النار وربما تسوية طويلة الأمد. ورغم أن التفاصيل الدقيقة ما تزال سرية، إلا أن المؤشرات المتوافرة وفق تقارير إعلامية، توحي بأن الخطة المعدّلة قد تتجه نحو تثبيت الوضع الميداني، ومنح أوكرانيا ضمانات أمنية غربية، مقابل الاعتراف بواقع السيطرة الروسية في بعض المناطق دون صياغة قانونية صادمة، إضافة إلى ترتيبات أمنية تمنع انضمام كييف إلى الناتو، وتسهيل رفع تدريجي للعقوبات على موسكو في حال الالتزام ببنود الاتفاق.
ورغم كل هذه التحركات، فإن طريق التسوية ما يزال طويلا ومعقدا، في ظل انعدام الثقة المتبادل بين الأطراف، وتضارب حسابات القوى الكبرى، وتعقيدات الوضع الداخلي في كل من كييف وواشنطن وموسكو.
ومع ذلك، يرى مراقبون أن اللقاءات المتتالية والتصريحات المنفتحة توحي بأن نافذة ضيقة قد فتحت، وربما تكون الأولى منذ اندلاع الحرب بالشكل الحالي مما من شأنه وضع حد لنزاع غيّر وجه الأمن الأوروبي، وسط تحذيرات من خبراء بأن هذه الفرصة إذا أُهدرت قد تدفع المنطقة إلى جولة جديدة من التصعيد غير المحسوب.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115