بنيامين نتنياهو برفقة وزير الحرب يوآف كاتس إلى الجولان المحتل حالة من الجدل لما حملته من دلالات ورسائل تتخطى حدود المشهد الميداني إلى مستويات إقليمية ودولية. وقد جاءت الزيارة المستفزة، التي ظهر خلالها نتنياهو مرتديا سترة واقية وخوذة إلى جانب وحدات صهيونية داخل الأراضي السورية، بمثابة خطوة اعتبرتها دمشق اعتداءا سافرا على سيادة سوريا ومحاولة لفرض أمر واقع بالقوة"
ووفق مراقبين تقرأ دمشق هذه الجولة بوصفها إعلانا "إسرائيليا" واضحاً بأن الانسحاب من المواقع الإستراتيجية في الجولان المحتل ليس مطروحا على الطاولة، ولا سيما تلك المناطق التي سيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد سقوط النظام السياسي السابق في سوريا.
تنديد سوري أممي
في المقابل، نددت سوريا بزيارة نتنياهو للجانب السوري من خط فض الاشتباك حيث يتمركز جنود إسرائيليون.وقالت الخارجية السورية في بيان إن دمشق تدين بأشد العبارات الزيارة غير الشرعية التي قام بها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي ووزيرا الدفاع والخارجية، معتبرة أنها تمثّل محاولة جديدة لفرض أمر واقع يتعارض مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وفي ذات السياق، طالبت الأمم المتحدة ومندوبون بمجلس الأمن إسرائيل بوقف انتهاكاتها المتكررة ضد سوريا.وقالت نجاة رشدي نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي بشأن سوريا، إن إلغاء جميع العقوبات عن دمشق يسهم في استقرارها وإعادة الإعمار فيها، وعلى إسرائيل وقف انتهاكاتها للأراضي السورية.
بدوره، أدان مندوب الجزائر في مجلس الأمن عمار بن جامع العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة على الأراضي السورية، مؤكدا أن الجولان يمثل جزءا لا يتجزأ من الأراضي السورية. ومن جانبه، اعتبر مندوب باكستان في مجلس الأمن عاصم أحمد التوغلات الإسرائيلية وانتهاك اتفاقية فض الاشتباك (المبرمة بين الجانبين عام 1974) خطوات تهدد الاستقرار وتستحق الإدانة.
رسالة ضغط إقليمية
وفي البعد الإقليمي، تحمل الجولة رسالة واضحة مفادها أنّ الاحتلال الإسرائيلي مصمّمة على تثبيت رؤيتها للحلول السياسية في المنطقة، وأنّ أي مفاوضات حول السلام يجب أن تأخذ أولا في الاعتبار شروط تلّ أبيب ومصالحها.
أما داخل الكيان الإسرائيلي، فتأتي الجولة وفق محللين في سياق سعي نتنياهو لترميم مكانته أمام القواعد اليمينية التي تُشكّل ثقلا أساسيا في بقائه السياسي. إذ يتعرض نتنياهو المطلوب للعدالة الدولية ، لضغوط داخلية متواصلة منذ تبني مجلس الأمن المبادرة التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي وُصفت بأنها تتضمن إشارات غير مباشرة إلى إمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل.ويحاول نتنياهو، عبر ظهوره في الجولان، توجيه رسالة إلى التيارات الأكثر تطرفا بأنه ما زال ممسكا بزمام المبادرة وفق رؤيته المزعومة.
رسائل مزدوجة
ووفق مراقبين تحمل الزيارة أيضا بعدا موجها إلى الولايات المتحدة. فمن جهة، يذكّر نتنياهو الدوائر الداعمة له في واشنطن بأنه يسعى إلى ترجمة الدعم السياسي والعسكري إلى مكاسب ميدانية. ومن جهة أخرى، يبعث إشارة إلى إدارة ترامب بأن ''إسرائيل'' ليست مستعدة بالكامل للالتزام بكل ما تطرحه واشنطن من استراتيجيات أو آليات للتحرك في المنطقة.
هذا واثارت زيارة نتنياهو المستفزة للجولان ردود فعل غاضبة، على رأسها الموقف السوري والإقليمي الذي رأى في الجولة اعتداء جديدا على السيادة، ومحاولة صهيونية لإعادة رسم الواقع السياسي في جنوب سوريا دون أي التزام بالقانون الدولي.
وبينما تطرح الزيارة الكثير من الأسئلة حول اتجاهات المرحلة المقبلة، يبقى المؤكد أنها خطوة لإبلاغ رسائل صريحة إقليميا ودوليا بأن كيان الاحتلال يواصل رسم حدوده وسرقة أراضي المنطقة وأمنها .