في ورشة عمل دولية بتونس خبراء ودبلوماسيون يناقشون جذور الأزمة السودانية وتداعيات التدخلات الخارجية

نظّم المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية

في تونس ورشة عمل بعنوان "السودان بين المأساة الإنسانية وصراع المصالح: قراءة في جذور الإبادة وأبعادها الجيوسياسية والاقتصادية"، بمشاركة باحثين وخبراء قانون وسياسة من تونس والسودان ومصر والجزائر.
وخلال مداخلته، أكد سفير السودان بتونس بخاري غانم محمد أن الدولة السودانية ما زالت قائمة ومؤسساتها تعمل بشكل متماسك، مشددًا على استمرار تقديم الخدمات الأساسية للسكان رغم ظروف الحرب. كما أوضح أن انسحاب الجيش من مدينة الفاشر كان خطوة “تكتيكية” هدفها حماية المدنيين.
وقال السفير إن المناطق التي تدخلها قوات الدعم السريع تشهد “قتلًا للأطفال والنساء واعتداءات على المدنيين وسرقة للممتلكات”، مما يدفع الأهالي للنزوح نحو المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش. وبيّن أن هذه القوات تضم ما نسبته 60% من "مرتزقة"، وأنها اقتحمت المستشفى السعودي في الفاشر وقتلت 400 مريض داخل غرفهم.
وفي ما يتعلق بالتدخلات الخارجية، والتي أثارتها رئيسة المركز بدرة قعلول خلال النقاش، أشار السفير إلى أن استمرار العنف منذ أفريل 2023 يعود إلى دعم إقليمي مكثّف لقوات الدعم السريع. كما كشف عن انضمام مقاتلين من جنسيات إفريقية وأخرى من أميركا اللاتينية إلى صفوف هذه المجموعات، معتبرًا أن تنفيذ القرار 36/27 لسنة 2024 هو السبيل لرفع الحصار عن الفاشر. وأضاف أن مندوب السودان لدى الأمم المتحدة قدّم وثائق تثبت مصادر الأسلحة المستخدمة ضد المدنيين.
من جانبه، تحدث المحامي السوداني طارق علي عن تورط دول مجاورة للفاشر مثل ليبيا وتشاد والنيجر في النزاع، مبيّنًا تنامي عدد المرتزقة الوافدين من هذه الدول ومن دول لاتينية مثل كولومبيا، إضافة إلى وجود مقاتلين أوكرانيين يجيدون تشغيل طائرات مسيّرة وأسلحة محظورة دوليًا. وأكد أن مشروع قوات الدعم السريع “أقرب إلى انقلاب منه إلى مشروع سياسي”.
وشدد طارق علي على أن عدم انهيار الدولة السودانية يعود إلى النظام الفيدرالي الذي يمنح الولايات صلاحيات واسعة في إدارة خدماتها، خلافًا للنظام المركزي السابق.
أما وائل عمر عابدين، رئيس حزب "بناء السودان"، فاعتبر أن الأزمة السودانية معقّدة وتتداخل فيها ثلاثة عوامل رئيسية؛ أولها الخلافات السياسية الممتدة منذ ما قبل الاستقلال، والتي رافقها صراع أيديولوجي بين التيارات الماركسية والقومية العربية والإسلام السياسي، وهو ما أعاق التداول السلمي للسلطة. وأضاف أن العامل الثاني يتمثل في تدخل دول الجوار، سواء عبر دعم مجموعات مسلحة أو عبر تأثيرات سياسية واقتصادية من دول خليجية. أما العامل الثالث فهو وفق تعبيره اقتصادي تنموي، إذ يقوم الاقتصاد السوداني على تفاوت واضح بين الخرطوم وبقية الولايات التي تعاني من سيطرة البنى القبلية على الأراضي.
وفي مداخلة أخرى، أوضحت ريم حسام الدين، الباحثة في مركز بدر للدراسات الدولية بالقاهرة، أن التوترات العرقية في السودان تعود جزئيا إلى ندرة المياه في الخزانات الجوفية غير المتجددة، مشيرة إلى أن مخزون المياه في الشرق — والمقدّر بـ3.6 مليون متر مكعب — يشهد تراجعا أدى إلى نزوح يقارب مليوني شخص بحثا عن مصادر مائية.

وتناول المشاركون في الورشة جملة من الأسئلة المتعلقة بمسؤولية الأطراف الإقليمية والدولية في استمرار الحرب، واستخدام الأسلحة المحظورة، وقدرة الدولة على ضمان استمرار الخدمات الأساسية كالطاقة والمياه والغذاء، إضافة إلى بحث سبل حماية المدنيين خلال المرحلة القادمة.

هذا ويشهد السودان واحدة من أعنف الحروب في تاريخها الحديث، حيث يتواصل القتال منذ أفريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مخلفا كارثة إنسانية غير مسبوقة. وامتد الصراع إلى ولايات عدة، أبرزها الخرطوم ودارفور والفاشر ، حيث تتزايد التقارير عن عمليات قتل واستهداف للمدنيين ونهب واسع للممتلكات، فضلا عن نزوح جماعي يقدر بملايين السودانيين داخل البلاد وخارجها. وتفاقمت الأزمة مع دخول أطراف إقليمية ودولية على خطّ الصراع عبر دعم عسكري وتمويل مباشر وغير مباشر، ما عزّز تعقيد المشهد وأطال أمد الحرب.
وفي ظل انهيار أجزاء كبيرة من البنية التحتية ونقص الخدمات الصحية والغذائية، يحذر خبراء من أن استمرار الحرب سيقود السودان إلى وضع إنساني أشد خطورة، ما لم تُفعَّل مبادرات دولية وإقليمية جادّة لوقف النار وفتح ممرات آمنة لحماية المدنيين.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115