"اصنع في أفريقيا 2025" والذي أعلنت عنه منذ يومين شركة Qualcomm Incorporated المنصة الداعمة للابتكار في أفريقيا، و تطوير منظومة التكنولوجيا المتقدمة من خلال توفير برامج الإرشاد والتدريب التقني والتجاري والملكية الفكرية باعتماد تقنيات الجيل الخامس (5G)، والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي (Edge-AI/ML)، والحوسبة، وإنترنت الأشياء (IoT)، وهو ما يحيلنا إلى الحديث عن منظومة الشركات الناشئة في تونس والتحديات التي تواجهها من الفكرة إلى السوق.. في خريطة الطريق الصعبة لرواد الأعمال من جيل يتنفس تكنولوجيا وذكاء اصطناعي.
تشهد تونس منذ سنوات حراكًا متزايدًا في مجال ريادة الأعمال، حيث أصبحت الشركات الناشئة من أبرز ملامح الاقتصاد الرقمي الجديد ورغم التحديات الاقتصادية والسياسية، نجح العديد من الشباب التونسي في إطلاق مشاريع مبتكرة تسعى إلى حل مشكلات واقعية بأساليب تكنولوجية حديثة، تخطت حدودها المحلية الضيقة لتبلغ مرحلة العالمية.
البيئة القانونية ودور الحاضنات
منذ إقرار قانون عدد 20 لسنة 2018 المؤرخ في 17 أفريل 2018 المتعلق بالمؤسسات الناشئة (Startup Act)ووضع إطار محفز لبعثها وتطويرها بالاعتماد على الابتكار والتجديد التكنولوجيات الحديثة والذي يندرج ضمن المخطط الوطني الإستراتيجي -تونس الرقمية 2020-Tunisie Digitale – و الإستراتيجية الوطنية للتحوّل الرقمي (2021-2025)، وفرت تونس إطارًا قانونيًا مشجعًا لريادة الأعمال، وقد ساهم هذا القانون في منح تسهيلات ضريبية، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وتوفير دعم مالي للمشاريع الناشئة، وقد تم منح أكثر من 1,040 شركة ناشئة العلامة الرسمية "Startup Label"الى حدود سنة 2024.
تلعب الدولة دورًا محوريًا من خلال Startup Act، إلى جانب الدعم اللوجستي والتكويني الذي تقدّمه الحاضنات مثل Smart Capital، Wiki Start Up، وغيرها وتوفر هذه الحاضنات بيئة حاضنة متكاملة تُرافق المشروع منذ مرحلة الفكرة حتى الوصول إلى السوق. و تشهد تونس تنوعًا في القطاعات التي تنشط فيها الشركات الناشئة، ومن أبرزها التكنولوجيا المالية (Fintech) والتكنولوجيا الزراعية (AgriTech) والتكنولوجيا الخضراء (Green Tech) والصحة الرقمية (HealthTech) كل هذه القطاعات شهدت تدفقات مالية مهمة، ما يعكس تنامي ثقة المستثمرين في الابتكار التونسي، ومن أبرز الفاعلين في دعم هذه المنظومة نذكر على سبيل الذكر لا الحصر Flat6Labs و Startup Tunisia / Smart Capitalثم The Dot و Open Startup Tunisia (OST) كل هذه المبادرات تلعب دورًا أساسيًا في توفير التمويل والتدريب والشبكات والانفتاح الدولي.
صعوبات التمويل
لقد اعلنت Qualcomm Incorporated أنه في ختام برنامج الإرشاد، ستكون الشركات الناشئة مؤهلة للاستفادة من صندوق Social Impact Fund، وذلك من خلال مبادرة Qualcomm Wireless Reach و يهدف هذا الصندوق إلى دعم الشركات الناشئة في توسيع نطاق تأثيرها المجتمعي والتجاري،و ستستفيد شركة ناشئة واحدة من الصندوق لمساهمتها المبتكرة في استخدام التكنولوجيا اللاسلكية لتلبية متطلبات المجتمع، في حين ستحصل الشركات التسع الأخرى على منح مالية لدعم نموها المستمر وتطورها. كما ستحصل الشركات الناشئة المختارة على منصات أجهزة مجانية، وإرشادات، وتدريب في مجال الأعمال، وإمكانية الاستفادة من استشارات هندسية لتطوير المنتجات، وتوجيهات حول حماية الملكية الفكرية
لقد بلغ عدد المتقدمين الى برنامج كوالكوم "اصنع في أفريقيا 2025" حوالي 435 شركة ناشئة من 19 دولة من بينها ثلاث شركات تونسية وهي Pixii Motors ، التي قدمت "سكوتر" كهربائي يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين البطارية وتوفير محطات لتبديلها وشركة AmalXR عملت على تقديم فكرة تأهيل باستخدام الواقع الافتراضي المعزز بالذكاء الاصطناعي مع تقييم سريري ومحاكاة لمراحل التحسن ثم شركة Ecobees ، التي استخدمت الذكاء الاصطناعي في تربية النحل لمتابعة صحة الخلية ومستويات الرطوبة والظروف الجوية .
التحدي الأبرز
نشير في هذا الشان الى انه ورغم الحراك الإيجابي لهذه المؤسسات ودعم الدولة التي راهن على مستقبل تكنولوجي يواكب التطورات الدولية والعالم الرقمي المتجدد، فان التمويل يبقى التحدي الأبرز الذي يواجه الشركات الناشئة أهمها محدودية رأس المال المخاطر وتردد البنوك في التمويل بالإضافة إلى قلة التمويل المتدرج والإجراءات المعقدة لصرف التمويلات، وقد اعتبر 67 %من رواد الأعمال التونسيين ان التمويل هو العائق الأساسي الذي يواجههم ، وفق تقرير Startup Genome (2025)، إلى جانب تحديات أخرى ، أبرزها البيروقراطية الإدارية وضعف ثقافة الاستثمار في المخاطرعلاوة على نزيف الكفاءات وهجرة العقول وضعف النفاذ إلى الأسواق ثم التفاوت الجهوي في توزيع الفرص والنقص في منظومات التوجيه والمرافقة، وهي كلها عوامل تُضعف مناعة المنظومة وتحدّ من تسارع نموّها.
الآفاق المستقبلية
في ضوء هذه الديناميكية المتصاعدة، تبرز الشركات الناشئة في تونس كقوة دافعة للتجديد الاقتصادي والاجتماعي، رغم التحديات التمويلية والتشريعية والهيكلية التي لا تزال قائمة، فقد تمكّنت هذه الشركات من جذب تمويلات تجاوزت 24 مليون دولار سنة 2024، موزعة على 11 صفقة، مع ارتفاع عدد المستثمرين من 16 في 2023 إلى 25 في 2024 وفق آخر الاحصائيات، كما سجّلت الحاضنات أدوارًا محورية في تطوير هذا النظام ويبدو أن المستقبل يحمل فرصًا واعدة، خاصة مع سعي الحكومة إلى رقمنة الإجراءات وتحفيز الاستثمارات في التكنولوجيا الخضراء والذكاء الاصطناعي.
يستوجب تحويل هذه الآفاق إلى إنجازات ملموسة وإرادة سياسية حازمة، ومناخًا استثماريًا مستقراً، وبيئة تشريعية مرنة قادرة على مرافقة النمو السريع لهذه المنظومة الحيوية ورغم التحديات، فإن الحركية الحالية، مدعومة بالإرادة والجهود المجتمعية، تؤسس لمشهد ريادي قد يتحول إلى قاطرة اقتصادية حقيقية إذا ما تم استثمارها بالشكل الأمثل.