الهجمات السيبرانية تهزّ الصناعات من الداخل: خسائر وصلت 10 ملايين دولار والقرصان الجديد لا يحمل سلاحا من حديد بل برمجيات خبيثة

في لحظة صمت داخل مصنع عملاق تتوقف آلة بقيمة ملايين

الدولارات عن العمل، لا عطل ميكانيكياً فيها، ولا خلل في التيار الكهربائي بل هجوم سيبراني دقيق، نفّذه قراصنة من قارة أخرى لا يحملون أسلحة من نار أو حديد بل من أماكنهم البعيدة يتحكمون ويحاربون بكبسة زر. هذا المشهد لم يعد سيناريو خيال علمي، بل واقع يتكرّر بصمت عبر مصانع الطاقة، وشبكات التوزيع، وسلاسل الإنتاج في كبرى دول العالم، فقد أضحت الهجمات السيبرانية على الأنظمة الصناعية من أخطر التهديدات التي تواجه الاقتصاد العالمي، بعد أن تجاوزت الخسائر الفردية لبعض الشركات عتبة 10 ملايين دولار، وامتد أثرها إلى ثقة المستثمرين، واستقرار الأسواق، وحتى الأمن القومي.

غير أن ما يبعث فعلاً على القلق هو أن هذا الواقع ليس معزولاً، بل يندرج ضمن موجة عالمية من الهجمات التي طالت كبار الفاعلين الصناعيين في مختلف القارات.

لم تعد خطوط الإنتاج وحدها في قلب الرهانات التكنولوجية، بل باتت أنظمة التحكم الرقمية هي الهدف الجديد للهجمات السيبرانية، في ظل التحول الرقمي العميق الذي يشهده القطاع الصناعي في العالم فكلما ازدادت الصناعات ارتباطًا بالبنية التحتية الذكية والأنظمة الرقمية ، كلما ازداد حجم المخاطر وعمق التداعيات في حال حصول اختراق. وفي عالم يتحوّل بسرعة نحو التشغيل الآلي والرقمنة الشاملة، باتت المؤسسات الصناعية مهددة من الداخل، لا عبر أبوابها الحديدية، بل عبر ثغرات غير مرئية في أنظمتها الرقمية. فهل تملك النسيج المؤسساتي المناعة كافية لمواجهة هذا النوع الجديد من الحروب الاقتصادية؟ أم أنها لا تزال نؤمن أن الحماية تتوقف عند أسوار المصانع؟

أرقامًا مقلقة

كشف أخر تقرير أعدته شركة كاسبرسكي، بالتعاون مع VDC Research، أرقامًا مقلقة بينت أن أكثر من نصف المؤسسات العاملة في القطاع الصناعي تكبّدت خسائر مباشرة تتجاوز مليون دولار بسبب هجمات إلكترونية، فيما صرّحت 20 % من الشركات أن الخسائر فاقت 5 ملايين دولار، ووصلت إلى أكثر من 10 ملايين دولار لدى البعض. هذه المعطيات، وإن بدت فنية في ظاهرها، فإنها تعكس تغيّرًا جذريًا في مفهوم الأمن الصناعي، من حماية الأصول المادية إلى تأمين البيانات والبنى السيبرانية.

وفقاً للتقرير ذاته، فإن تداعيات الهجمات لا تقتصر على الخسائر المالية المباشرة، بل تشمل أيضاً توقف مفاجئ للإنتاج (70 % من الشركات أبلغت عن توقف يتراوح بين 4 و24 ساعة زه زكا تيبب لها في فقدان مواد وسلع قيد التصنيع وإتلاف معدات وأصول حيوية ودفع فديات رقمية لاسترجاع البيانات بالإضافة إلى تضرر السمعة وثقة العملاء.

توزيع الخسائر

أشار التقرير إلى أن الاستجابة للحوادث تمثل نحو 22 % من إجمالي النفقات الناجمة عن الاختراقات، تليها خسارة الإيرادات بنسبة 19.5 %، ثم التوقف غير المخطط للإنتاج بنسبة 17 %، فضلاً عن تكاليف إصلاح أو استبدال المعدات (17 %)، ومدفوعات الفدية (12 %)، وفقدان أو التخلص من المخزون قيد الإنتاج (12 %). وبخصوص فترات التوقف، أفاد 70 % من المستطلعين بأنها تتراوح عادةً بين 4 و24 ساعة، ما من شأنه أن يؤدي إلى خسائر تشغيلية كبيرة، وتعطيل في سلسلة الإنتاج، وفقدان ثقة العملاء، المتأتية من التخوفات التي تتعلق بفقدان مصالحهم في صورة عدم قدرة المؤسسات على حماية نفسها والتصدي للهجمات السيبريانية.

رغم أن بعض المؤسسات الصناعية تعتمد إجراءات صيانة دورية وأنظمة احتياطية، إلا أن معظمها لا يملك بعد بنية سيبرانية دفاعية شاملة وهنا، تبرز قيمة الحلول المتخصصة، مثل منصة Kaspersky Industrialo Cybersecurity (KICS)، التي تدمج بين الحماية،و إدارة الأصول، والتقييم المتواصل للمخاطر، والتدقيق في البيئات التشغيلية المعقدة.

تبقى المعضلة الأكبر في غياب ثقافة الحوكمة الرقمية داخل كثير من المؤسسات، واعتبار الأمن السيبراني «تكلفة إضافية» لا أولوية استراتيجية، وهذا تفكير قصير النظر، لأن كلفة الوقاية تبقى أقل بكثير من كلفة الانهيار بعد الاختراق.

قضية سيادة اقتصادية

يعتبر الهجوم السيبراني الذي استهدف شركة Colonial Pipeline في الولايات المتحدة، سنة 2021 من بين الاختراقات الرقمية الأشهر في العالم حيث إلى شلل تام في شبكة توزيع الوقود، وتسبب في خسائر مباشرة وغير مباشرة تجاوزت 4.4 ملايين دولار وكذلك هجوم النرويج، أين خسرت شركة Norsk Hydro نحو 40 مليون دولار إثر هجوم فدية أجبرها على تعليق عملياتها في عدة دول. وشركة تضررت شركة Honda اليابانية التي تضررت كثيرا من هجوم سبرياني أدى إلى توقف الإنتاج في مصانعها بشكل مفاجئ. ولعل أهم درس يستخلص من تجارب الدول المتقدمة، أن الرد على الهجمات لا يكون فقط بالبرمجيات، بل ببناء ثقافة مؤسساتية شاملة، تقودها الإرادة السياسية، وتدعمها الموارد، وتترجمها الإجراءات.

تشير كل هذه الهجمات، رغم اختلاف خلفياتها، إلى نتيجة واحدة ان الأمن السيبراني الصناعي لم يعد شأناً تقنياً بل قضية سيادة اقتصادية وأمن استراتيجي. وما تكشفه الأرقام والدراسات العالمية، لا يخص الشركات العملاقة وحدها، بل يهم كل منظومة صناعية ناشئة أو في طور التحوّل الرقمي، وخاصة في المنطقة العربية فالأمن السيبراني لم يعد مسألة تقنية، بل ضمانة للاستمرارية والسيادة الصناعية ، في زمن يُدار فيه المصنع من لوحة تحكم رقمية، فإن أي ضعف في منظومة الحماية قد يُحوّل النجاح الصناعي إلى خسارة فادحة في غضون دقائق

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115