هل تُصيب سهام القانون الدولي حكومة الإحتلال في مقتل !؟

إمعان سلطات دولة الإحتلال في الإنتهاكات أجبر المجتمع الدولي على الإنتفاض

- ولو شكلياً - ضد ممارسات تل أبيب وحكومتها اليمينية . فأصدرت كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا بياناً مشتركاً أدانت فيه وقف إسرائيل للمساعدات الإنسانية في قطاع غزة ، بالتزامن مع بدء محكمة العدل الدولية في لاهاي جلسات استماع علنية حول مدى التزام إسرائيل - كقوة قائمة بالإحتلال في الأراضى الفلسطينية - بتعهداتها بشأن تأمين عمل المنظمات الإنسانية الدولية لتقديم المساعدات للمدنيين الفلسطينيين. وعبر وزير خارجية دولة الإحتلال عن إستياء تل أبيب ورفض المشاركة في جلسة استماع المحكمة، واصفًا إياها بـ"السيرك"، كما اتهم الأمم المتحدة بالتحيُّز ضدّ إسرائيل.

ومن الواضح أن المسؤول في دولة الإحتلال لم يكن لديه وقت للإطلاع على ما جاء بالنشرة الصادرة عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي المحتلة -الصادرة أول أمس - والتي أوضحت أن إنقطاع العمليات الإنسانية جاء بسبب النشاط العسكري الموسع ، ومنع الحكومة الإسرائيلية دخول المساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية منذ 2 مارس ، وتطرقت النشرة أيضاً إلى مقتل عمال الإغاثة ( وصل العدد إلى 418 من بينهم 295 موظفاً من الأمم المتحدة ).

هذا ، وقد جاء بيان الأمم المتحدة أمام محكمة العدل الدولية مؤكداً ضرورة إنهاء المعاناة الإنسانية المتواصلة في الأراضي الفلسطينية المُحتلة وبصفة خاصة في قطاع غزة ، وأوضح البيان أن إسرائيل - بصفتها قوة إحتلال وعضواً بالأمم المتحدة - تتحمل إلتزامات قانونية محددة بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان ، أبرزها ضمان وصول المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية دون معوقات ، وحماية الموظفين والمنشآت التابعة للأمم المتحدة ، وكذلك التعاون الكامل مع أجهزة المنظمة . كما تطرق البيان إلى منع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة منذ 2 مارس 2025 مما أسفر عن كارثة إنسانية ، مع التنويه بإستمرار تعرض موظفي ومنشآت الأمم المتحدة لإعتداءات من قبل القوات الإسرائيلية حيث تم تسجيل مقتل 255 موظفاً أممياً منذ أكتوبر 2023 وهو ما يمثل إنتهاكاً جسيماً لإتفاقية 1946 بشأن إمتيازات وحصانات الأمم المتحدة .

تشير التقديرات داخل دولة الإحتلال حول تداعيات تناول المحكمة إلى ترجيح أن تستغرق المحكمة شهورًا لإصدار حكمها النهائي، وأن القرار- رُغم عدم إلزاميته القانونية - قد يحمل تأثيرًا كبيرًا على المساعدات الدولية المُقدمة لإسرائيل، وكذلك على الرأي العام العالمى . كما يُقدر خبراء صهاينة في القانون الدولي أن تولي الجيش مسؤولية توزيع المساعدات في غزة، قد يُفسَّر على أنه دليل على سيطرة إسرائيل على القطاع، وهو ما قد يفتح الباب أمام مساءلتها قانونيًا.

وتطرقت وسائل الإعلام في دولة الإحتلال إلى التوترات التي شهدها إجتماع المجلس الوزاري الأمني المصغر ( الكابينت ) وسط خلافات بشأن سياسات إسرائيل المستقبلية تجاه قطاع غزة . فقد كانت مسألة توزيع المساعدات الإنسانية من أكثر القضايا المثيرة للجدل ، وقد أكّد "الكابينت" أنه لن يتم إدخال أي مساعدات إلى غزة في المستقبل القريب، وأنه عند استئناف إدخال المساعدات، سيتم توزيعها بطريقة مُغايرة لما كانت عليه سابقاً. ولم يقف الجدل الذي تشهده الإجتماعات الحكومية وسائل الإعلام في دولة الإحتلال من إلقاء الضوء على معاناة أطفال غزة ، ونشرت صحيفة " هآرتس" مقالاً يحمل عنوان أطفال غزة الذين يعانون سوء التغذية لا يطيقون الإنتظار إنهم بحاجة إلى الطعام الآن ، وأشار المقال إلى إنتهاج الحكومة الإئتلافية سياسة التجويع بمنع دخول المواد الغذائية، وغيرها من المساعدات الإنسانية إلى القطاع ، مع الإشارة إلى إضطرار برنامج الغذاء العالمي -قبل أسبوعين - إلى إغلاق المخابز المدعومة التي كان يديرها فى غزة بسبب نقص الدقيق والوقود، ومنذ ذلك الحين يعتمد بشكل رئيسي على المطابخ المجتمعية البالغ عددها 175 مطبخاً ، ويرى العالم الصور القاسية للطوابير الطويلة أمام هذه المطابخ .

كما أدى إبقاء المحكمة الجنائية الدولية لأوامر الإعتقال الصادرة ضد كل من رئيس الوزراء ( نتنياهو ) ووزير الدفاع السابق ( غالانت) سارية المفعول إلى إثارة موجة من الإنتقادات الحادة من جانب المسؤولين في تل أبيب . ومن أبرز التصريحات ما جاء على لسان وزير الخارجية " ساعر " الذى نشر تغريدة على منصة إكس منوهاً فيها إلى سابق تأكيده على أن المحكمة الجنائية في لاهاي ليس لها ولم يكن لها إختصاص إصدار مذكرات توقيف بحق المسؤولين في بلاده ، وإسرائيل ليست عضواً في المحكمة وليست طرفاً في نظام روما الأساسي، يلاحظ هنا أن الدول الأعضاء تلتزم بتنفيذ مذكرة الإعتقال إستناداً لمبدأ التعاون، أما الدول غير المصادقة على النظام الأساسي للمحكمة فهي غير ملزمة بالإمتثال للقرار إستناداً لمبدأ الأثر النسبي للمعاهدات.
وعلى الرغم أن ردود الفعل الأوروبية حول قرار المحكمة الجنائية الدولية، قد شهدت ترحيب عدة دول أوروبية -في مقدمتها السويد والنرويج -بقرار الجنائية الدولية، إلا أن دولة مثل المجر لم تتجاوب مع قرار المحكمة ولم تقدم على إعتقال نتنياهو أثناء زيارته لبودابست. وهو ما يستدعى طرح تساؤلات حول مدى تماسك المجتمع الدولي ( دول - منظمات أممية ) في التصدي لإنتهاكات دولة الإحتلال!؟ وإلى أي مدى سيتم تقييد حركة نتنياهو الذي قام مؤخراً بجولة أوروبية محدودة وزار واشنطن مرتين !؟.
وفي ضوء إرتباط كل من السويد والنرويج بمسارات السلام في الشرق الأوسط ، فقد تبنتا مواقف واضحة فيما يخص دور المحكمة الجنائية الدولية ، وسبق أن صرحت وزيرة خارجية السويد بأن بلادها تدعم مع الاتحاد الأوروبي العمل المهم للمحكمة الجنائية الدولية ، وتحمي استقلاليتها ونزاهتها. كما أشار وزير خارجية النرويج إلى أن الجنائية الدولية تقوم بدور حاسم في ضمان المساءلة عن الجرائم ولدى بلاده ثقة أنها ستمضي قدماً.

 

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115