للرئيس رجب طيب أردوغان البلاد في أزمة سياسية حادة. وقد وجه المدعي العام التركي تهم بالفساد ومساندة حركة إرهابية وعدد آخر من التهم. وقامت وحدات الأمن بإيقاف موظفين من بلدية إسطنبول ومساعدين لأكرم إمام أوغلو وصحفي تركي.
وجاءت هذه الاعتقالات في سياق موجة شملت في الأشهر السابقة عددا من السياسيين المعارضين من مختلف التنظيمات السياسية المعارضة. وتقرر إيقاف أكرم إمام أوغلو يوما بعد أن أسقطت جامعة إسطنبول عنه شهادته الجامعية تحت ضغوطات حكومية وقبل انعقاد التصفيات للرئاسة في حزبه يوم السبت 22 مارس. وهي الخطوة التي تنزع عن زعيم المعارضة حق المشاركة في الانتخابات الرئاسية بسبب عدم حوزته على شهادة جامعية كما ينص عليه الدستور الجديد.
مظاهرات فورية
وخرجت إثر نبئ اعتقال زعيم المعارضة مظاهرات شارك فيها عدد كبير من الطلبة في جامعة إسطنبول نادت بإطلاق سراح أكرم إمام أوغلة. واعتبرت شخصيات من حزب الشعب الجمهوري (وسط يسار) الذي ينتمي إليه عمدة إسطنبول أن العملية الأمنية هي "محاولة انقلاب على الديمقراطية" في حين اعتبرت الحكومة التركية أن القرار ليس سياسيا، بل هو قضائي لم تتدخل فيه. لكن في نفس الوقت أمرت الحكومة بمنع أي تجمع أو تظاهر حتى يوم الأحد. وأصدرت دائرة الاتصالات التابعة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بيانا تأكد فيه أن الرئاسة تعتبر اتهامها بالاعتقال "حملة تشهير غير عقلانية".
وانتشرت وحدات من الأمن التركي في مختلف الشوارع في إسطنبول وأمام الجامعات وحول الإدارات الرسمية خشية أن تتواصل الاحتجاجات. وأخذت وزارة الداخلية إجراءات مماثلة في عديد من البلدان التركية خاصة التي يدير بلدياتها حزب الشعب الجمهوري الذي تمكن من الفوز على حزب العدالة والتنمية الإسلامي في انتخابات 2019 وركز نفوذه في إسطنبول واستحوذ على العاصمة أنقرا ليصبح جراء ذلك أكرم إمام أوغلو، الذي تحالف مع القوى الكردية الديمقراطية، زعيما محتملا للمعارضة. وفرضت السلطات التركية قيودا على شبكات التواصل الاجتماعي وشبكة الأنترنت وأوقفت خطوط النقل العمومي و مترو أنفاق إسطنبول من أجل منع أي تجمع أو مظاهرة.
معركة البقاء
قامت السلطات التركية باعتقال إمام أوغلة بالرغم من عدم إمكانية الرئيس أردوغان التقدم لانتخابات عام 2008 بسبب توليه الرئاسة في ولايتين منذ 2018 حسب نص الدستور الجديد الذي تم اعتماده عام 2017. وتعتقد تنظيمات المعارضة أن هذه الخطوة تهدف إلى نسف النظام الديمقراطي في تركيا وإحلال نظام استبدادي بدله يلغي الحياة التعددية. وطالت الإيقاعات في الأسابيع الماضية عددا من المسؤولين المنتخبين في صفوف الحركات الكردية من ينهم 4 رؤساء بلدية ينتمون لأحزاب كردية في جو عام كان يتجه نحو الانفراج بعد أن أعلن زعيم الحزب الكردي العمالي أوجلان، الذي يقبع في السجون منذ سنوات، عن نيته التخلي عن المعارضة المسلحة في تركيا. وبدأت المفاوضات معه في إطار جلب كل الفصائل الكردية إلى نفس الموقف.
لكن بريق حزب إمام أوغلو الذي ينتمي إلى العائلة الأتاتركية العلمانية جعل حزب أردوغان يعيش معركة بقاء خاصة حسب عمليات سبر الآراء التي تشير إلى تصدر إمام أوغلو المشهد الرئاسي وتقهقر حزب العدالة والتنمية الإسلامي في جل المدن التركية. وهو ما جعل بعض المحليين الغربيين يعتبرون أن الاعتقالات هي نتيجة صراع داخلي في الحزب الإسلامي الذي لا يرغب في الخروج مخزوما من انتخابات 2008.
وإضافة إلى التنديدات الداخلية الآتية من أحزاب المعارضة التركية فإن المفوضية الأوروبية، التي تتحرك في الظروف الحالية لكسب مشاركة تركيا في المجهود الحربي الجماعي، أعربت عن "قلقها" من اعتقال عمدة إسطنبول وانشغالها من تراجع استقلال القضاء والتوجه الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان. وعبرت فرنسا وألمانيا على نفس الموقف وعدد من العواصم الأوروبية الحليفة لتركيا. ولا يعتقد أن تعدل السلطات التركية عن متابعة المعارضين الأساسيين للحكم الإسلامي في البلاد. وهو ما قامت به من قبل بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 حيث قامت بحملة اعتقالات غير مسبوقة في صفوف الحركات الإسلامية المنافسة وعمدت إلى تصفية معارضيها في صفوف الأمن والجيش والقضاء. وهو ما يدل على فرضية أن خطوة اعتقال أكرم إمام أوغلة هي قضية حياة أو موت بالنسبة للإسلام السياسي في تركيا.