عبر سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى تعزيز قبضتها الاستيطانية وفرض سيادتها على هذه المناطق. ولم تعد السياسة الإسرائيلية تقتصر على توسيع المستوطنات أو إقامة البؤر العسكرية والمصادرة التدريجية للأراضي، بل امتدت إلى منح المستوطنين الحق في التملك المباشر داخل الضفة، بغض النظر عن التصنيف الإداري للمناطق وفق اتفاقية أوسلو.
في خطوة جديدة ضمن المساعي الإسرائيلية الرامية إلى تعزيز الاستيطان، طرح عضو الكنيست شلومو سلمون عن حزب "الصهيونية الدينية"، مشروع قانون يهدف إلى إلغاء القيود المفروضة على بيع الأراضي في الضفة الغربية للمستوطنين. وقد تمت المصادقة على المشروع في قراءة تمهيدية داخل الكنيست، بانتظار تمريره في ثلاث قراءات أخرى ليصبح نافذا.
على ماذا ينص مشروع القانون ؟
يقضي مشروع القانون الإسرائيلي -حسب ما أفادت صحيفة "هآرتس" بإبطال مفعول القانون الأردني رقم 40 والصادر عام 1953.ويشير إلى أن كل شخص (يهودي إسرائيلي) يسمح له وبشكل فردي شراء حقوق ملكية عقار أو أرض بالضفة، على أن يتم المضي قدما في تشريع القانون بالقراءات الثلاث، من خلال إجراءات تشريعية أخرى بموافقة من مكتب رئيس الوزراء والوزارات الحكومية وبالتنسيق مع وزارة الدفاع.
وبحسب التفسير لاقتراح القانون الجديد -كما ورد بالموقع الإلكتروني التابع للكنيست- فإنه عام 1971، بعد احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، صدر مرسوم يسمح لليهود بشراء أراضي الضفة، ولكن فقط من خلال شركة مسجلة لدى الإدارة المدنية.
ويستهدف القانون الجديد إزالة العوائق القانونية التي تحول دون امتلاك المستوطنين للأراضي، حيث يقضي بإلغاء القانون الأردني رقم 40 لسنة 1953، الذي يحظر بيع الأراضي للأجانب. كما يتضمن إلغاء بعض الأوامر العسكرية الإسرائيلية السابقة التي كانت تمنح الإدارة المدنية في الضفة سلطة التحكم في عمليات البيع والتأجير وفق تأويلات قانونية تتماشى مع المشروع الاستيطاني.
ويعدّ هذا القانون، في حال إقراره، خطوة تصعيدية تهدف إلى تغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي في الضفة الغربية، من خلال تسهيل تمليك المستوطنين الأراضي، وهو ما يهدد بزيادة وتيرة الاستيطان وتقويض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقبلية.
إدانة واسعة
وأثار تمرير الكنيست الإسرائيلي للقراءة التمهيدية لقانون يسمح بتمليك المستوطنين أراضي الضفة الغربية موجة استنكار واسعة في الأوساط الفلسطينية، حيث اعتبرته القيادة الفلسطينية خطوة تصعيدية تهدف إلى تعزيز سياسة الضم وفرض الأمر الواقع على الأرض. كما أدان مجلس الوزراء الفلسطيني مصادقة الكنيست على مشروع القانون، مطالبا المجتمع الدولي بمضاعفة الجهود للضغط على إسرائيل لوقف هذه الإجراءات التي وصفها بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي.
واستنكرت فلسطين، مصادقة الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون يسمح للمستوطنين بتملك أراض بالضفة الغربية المحتلة، واعتبرته "حلقة من مخططات الإبادة والتهجير والضم".
جاء ذلك في بيان لوزارة الخارجية الفلسطينية بعد أن صادق الكنيست في وقت سابق "بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون يسمح لليهود بتسجيل أنفسهم كملاك أراض في الضفة الغربية".
وذكرت مواقع إعلامية أنه : "تمت الموافقة على مشروع القانون بأغلبية 58 عضوا، مقابل معارضة 33" من 120 مقعدا بالكنيست.وما زال يتعين التصويت على مشروع القانون بـ 3 قراءات قبل أن يصبح قانونا نافذا.
وقالت الوزارة إن "السماح للمستوطنين بشراء أراض بالضفة ضم زاحف واستخفاف بالمجتمع الدولي وقراراته كما أنه يشكل حلقة جديدة في مخططات الابادة والتهجير والضم الرامية لتصفية القضية الفلسطينية".وأوضحت أنها تنظر "بخطورة بالغة" لمصادقة الكنيست على مشروع القانون ورأت فيه "تعميقاً لاستباحة الضفة بما فيها القدس الشرقية، وتطبيقاً لقوانين إسرائيلية على الأرض الفلسطينية المحتلة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي واستخفاف بالشرعية الدولية وقراراتها وباتفاقيات جنيف والاتفاقيات الموقعة".
وأفادت بأنها تواصل حراكها السياسي والدبلوماسي والقانوني الدولي "لفضح تلك الانتهاكات المتعددة والمتواصلة".وحملت الوزارة المجتمع الدولي ومجلس الأمن "المسؤولية عن حالة العجز وازدواجية المعايير والتقاعس في تطبيق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية".ويقول فلسطينيون إن حكومة بنيامين نتنياهو تدفع لفرض القوانين الإسرائيلية على الضفة الغربية توطئة لضم الضفة الغربية إلى إسرائيل.
بدورها، حذرت وزارة الخارجية الفلسطينية من تداعيات هذا القانون، مؤكدة أنه يمثل "ضمّا تدريجيّا" للأراضي الفلسطينية، ويتجاهل القرارات الدولية التي ترفض شرعية الاستيطان الإسرائيلي. كما شددت على أنّ تمرير هذا التشريع يكرس سيطرة الاحتلال على الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، مما يعد انتهاكا فاضحا للقوانين والاتفاقيات الدولية.من جانبها، أدانت مختلف الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس، مشروع القانون، معتبرة أنها خطوة جديدة في مخطط تصفية القضية الفلسطينية.
مساع حثيثة لضم الضفة
قبل تشريع القانون الجديد الذي أقرته الحكومة الإسرائيلية، كانت هناك خطوات تمهيدية هامة ضمن إستراتيجية الحكومة اليمينية المتطرفة لتكريس الاحتلال وتعميق الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية. كان وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، من أبرز المسؤولين الذين عملوا على ذلك، وهو ما يعكس توجها أوسع نحو تطبيق السيادة الإسرائيلية على المنطقة.
التشريع الذي قدمه سموتريتش لأول مرة في جويلية 2018، وهو قانون يسمح لليهود بشراء الأراضي في الضفة الغربية عبر شركات وتسجيلها بأسمائهم، يأتي في سياق مواز، حيث كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ذلك الوقت يوجه دعما كبيرا لإسرائيل في العديد من القضايا المتعلقة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ويراهن نتنياهو مجددا على الحصول على دعم من ترامب الذي التقاه يوم أمس في واشنطن.
ووفق تقارير إعلامية تستهدف الإجراءات الإسرائيلية الجديدة مناطق معينة في الضفة الغربية، وعلى رأسها منطقة (ج)، التي تشكل 61% من مساحة الضفة وتعد ذات أهمية إستراتيجية، حيث أنها تقع في حدود قريبة مع الأردن. من خلال هذ القانون المطروح ، يُسمح للمستوطنين بشراء الأراضي بشكل مباشر من دون الحاجة إلى تسجيلها عبر جمعيات أو شركات كما كان الحال سابقا. هذا التشريع يعدّ خطوة إضافية نحو تنفيذ خطة ضم الأراضي بشكل علني، مما يفاقم التوسع الاستيطاني في تلك المناطق .
ووفق نفس التقارير فمنطقة (ج) كانت جزءا من اتفاقيات أوسلو الثانية لعام 1995، التي وضعت إطارا لتقسيم الضفة إلى مناطق خاضعة للسلطة الفلسطينية وأخرى تحت السيطرة الإسرائيلية. في هذه المنطقة، يعيش نحو 400 ألف مستوطن إسرائيلي إلى جانب أكثر من 300 ألف فلسطيني من أصحاب الأرض. وتظل هذه المنطقة تحت الهيمنة العسكرية والإدارية الإسرائيلية، حيث تشرف سلطات الاحتلال على الأمن والحياة اليومية للمستوطنين، بينما تقتصر السلطة الفلسطينية على تقديم الخدمات المدنية في إطار غير رسمي.
ويرى خبراء أن هذه الخطوات التي قام بها سموتريتش مع الحكومة الإسرائيلية تسهم في تعزيز مواقفها الاستيطانية، وتُعد مؤشرا واضحا على مساعي الإحتلال لتعزيز السيادة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية، مما يهدد قيام دولة فلسطينية مستقلة في المستقبل .
ويوم أمس قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إن "الوضع على الأرض يوضّح ضرورة مواصلة الحملة العسكرية في غزة حتى تدمير حماس بالكامل مؤكدا أن الحكومة مصممة على ذلك".وأضاف "نثق في أنّ إدارة الرئيس ترامب ستعمل على تعزيز أمن إسرائيل"وأضاف أنه يجب عدم منح أي أمل للسلطة الفلسطينية أو للعرب بإقامة دولة فلسطينية في قلب إسرائيل''.
تشكيل لجنة عمل لإدارة شؤون قطاع غزة
في الأثناء أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى أمس الثلاثاء، تشكيل لجنة عمل لإدارة شؤون قطاع غزة.وأضاف: "تأكيداً على وحدة أراضي الدولة الفلسطينية، وحرصاً على تعزيز الوحدة الوطنية، تقرر الحكومة الفلسطينية التي تنضوي تحت قيادة الرئيس محمود عباس تشكيل لجنة عمل لإدارة شؤون قطاع غزة".
وشدد مصطفى على أن الحكومة ضمن جهودها المستمرة بالتنسيق مع مصر تعمل على تسريع وصول المساعدات الإنسانية، وفتح الطرق وإزالة الركام، وتوفير تجمعات مناسبة لإيواء من تدمرت بيوتهم، تمهيدًا لإعادة الإعمار الشامل.
وأشار رئيس الوزراء إلى أنه تم في أكتوبر الماضي إنشاء الفريق الوطني للتحضير لإعادة الإعمار الذي يعمل بالتنسيق مع مختلف المؤسسات الأممية والدولية الشريكة، للتحضير لعملية إعادة الإعمار.
وأضاف: "على الأرض تعمل الحكومة من خلال "غرفة العمليات الحكومية للتدخلات الطارئة في المحافظات الجنوبية بالتنسيق مع مختلف الشركاء، على توفير ما أمكن من الخدمات الأساسية لأهلنا في القطاع، من مياه وكهرباء وصحة وتعليم، انطلاقًا من مسؤوليتنا الوطنية تجاه أبناء شعبنا الذين عانوا ويلات الحرب طوال الخمَسة عشَر شهرَا الماضية".وأضاف رئيس الوزراء: "بعثاتنا الدبلوماسية كثفت تحركاتها واتصالاتها مع مختلف دول العالم، لفضح جرائم الاحتلال وتوثيق انتهاكاته، وحشد الدعم الدولي لحقوق شعبنا، والضغط من أجل وقف هذه الأعمال العدائية والتدميرية التي تستهدف امتداد الجغرافيا الفلسطينية، وبناءً على ذلك، ستنعقد الأربعاء في جنيف لجنة التحقيق الدائمة، التي أقرّها مجلس حقوق الإنسان، لمتابعة الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها أبناء شعبنا، خصوصا في شمال الضفة الغربية".
وبين رئيس الوزراء أن وزارة التنمية الاجتماعية أرسلت 8 شحنات من المواد الإغاثية وحليب الأطفال إلى جنين وطولكرم، وتعمل على تحضير المزيد منها، كما أطلقت حملة واسعة لإغاثة أهلنا في شمال الضفة، بالتنسيق مع الغرف التجارية والمؤسسات الوطنية والشركاء، قائلا: "رغم الحصار المالي الجائر الذي يفرضه الاحتلال بخصم أكثر من نصف أموال المقاصة، فإننا نواصل العمل على تجنيد الموارد اللازمة لإصلاح ما دمره الاحتلال، والوقوف عند مسؤولياتنا تجاه تعزيز صمود أبناء شعبنا".