إضراب عام في الضفة الغربية يتوسّع إلى دول العالم تضامنا مع غزة ضغوط شعبية وحراك دبلوماسي دولي بعد عام ونصف من حرب الإبادة

في مدن الضفة الغربية المحتلة، حيث الشوارع تعرف وجع الغضب وذاكرة الانتفاضات، خرجت الجماهير يوم أمس الإثنين 7 افريل  2025 في مشهدٍ لا يُمكن عزله عن التاريخ الفلسطيني الممتدّ من المجازر إلى الحصار،

ومن الاجتياحات إلى الرفض.خرجوا هاتفين: "من رام الله إلى غزة، شعب واحد لا يُقهر". خرجوا لأن الجريمة لم تعد تحتمل صمتا، ولأن العدوان على غزة تجاوز حدود التصعيد العسكري، ليُلامس حدود الإبادة الجماعية الموثقة بالصوت والصورة والدم.

وسط الحجارة القديمة في الخليل، وأزقة بيت لحم، وميادين نابلس، علت الهتافات، ورفرفت الأعلام، وأُغلقَت المحلات التجارية، وأُطفئت الأضواء في يوم إضراب عام ، بدا كأنه يعيد صياغة المشهد الفلسطيني في زمن الانقسام والتشرذم.
وانطلقت مسيرة من وسط مدينة رام الله، وجابت عدة شوارع رفعت خلالها الأعلام الفلسطينية، وردد المشاركون هتافات منددة بالحرب الإسرائيلية على غزة. وقال أمين عام حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، وفق الأناضول، على هامش المسيرة، إن "الشعب بكل مكوناته موحد للدفاع عن المقاومة وعن الشعب في غزة الذي يتعرض لأبشع مجازر وحرب إبادة".
وأضاف: "نجاح الإضراب العام اليوم في كافة محافظات الضفة الغربية بما فيها القدس وبشكل غير مسبوق يؤكد أن شعبنا موحد للدفاع عن غزة ولن نسمح بفصل غزة عن الضفة والقدس، ولن نسمح بالعبث بمستقبل القضية".وطالب البرغوثي بتكامل وتصاعد المسيرات والاحتجاجات حتى وقف العدوان الإسرائيلي".
وانطلقت مسيرات مماثلة في مدينتي بيت لحم والخليل (جنوب) ومسيرات في مدن نابلس وقلقيلية (شمال)، وأريحا (شرق).وساد إضراب عام، الاثنين، كافة مناحي الحياة في مدن ومخيمات وبلدات الضفة الغربية المحتلة، تضامنا مع قطاع غزة وللضغط من أجل وقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.
لم يكن يوم 7 افريل 2025 يوما عاديا في الضفة الغربية. فقد عمّ إضراب شامل جميع المدن، بما فيها القدس المحتلة، تجاوبا مع دعوة وطنية صدرت عن القوى والفصائل الفلسطينية، امتدت لتشمل الشتات الفلسطيني، والمخيمات في لبنان وسوريا والأردن.المسيرات التي خرجت بالتزامن، لم تكن مجرد ردّ فعل عاطفي، بل كانت فعلًا سياسيا وشعبيا منظما، يتقاطع مع المعركة المصيرية التي يخوضها أهل غزة، ويؤكد أن "وحدة المصير" لم تُمحَ رغم كل محاولات الفصل الجغرافي والسياسي.هذا التحرك الشعبي في الضفة الغربية ليس فقط موقفا أخلاقيا، بل يمكن اعتباره مؤشرا على عودة الروح إلى الشارع الفلسطيني، خاصة في ظل غياب الثقة بالمجتمع الدولي، وتزايد الإحباط من العجز عن وقف شلال الدم في غزة.في الوقت ذاته، تحمل هذه المسيرات رسالة تحذير واضحة إلى إسرائيل والمجتمع الدولي: أن استمرار العدوان، والتلميحات الإسرائيلية المتكررة حول "ما بعد الحرب" من تهجير أو وصاية، سيشعل الضفة كما أشعل غزة، وقد يشعل المنطقة بأكملها.

مظاهرات في دول العالم
لم تكن الضفة وحدها التي انتفضت، ففي اليوم ذاته، شهدت عواصم ومدن عالمية عدة مظاهرات ضخمة دعماً لغزة:في لندن، تظاهر عشرات الآلاف أمام مقر البرلمان، مطالبين بوقف تصدير السلاح لإسرائيل.
في واشنطن ونيويورك وشيكاغو، رُفعت أعلام فلسطين على أبواب الجامعات الأمريكية ومقرات الأمم المتحدة،في باريس وروما ومدريد، شارك الآلاف في وقفات ومسيرات، كثير منها من تنظيم تحالفات حقوقية ونقابية ويهودية تقدمية.
وفي عمان وبيروت وتونس والرباط، كان الغضب الشعبي لا يقل حرارة عن مثيله في الأراضي المحتلة.هذا الحراك الشعبي العالمي لا يُمكن التقليل من أثره، إذ يساهم في زعزعة الرواية الغربية الرسمية، ويفرض على الحكومات التراجع ولو بشكل رمزي عن مواقفها المتماهية مع إسرائيل.
عمت اعتصامات وإضراب شامل، أمس الاثنين، معظم الجامعات والمؤسسات التجارية في لبنان تضامنا مع قطاع غزة الذي يعاني تصعيدا في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ أكثر من عام ونصف.وذكرت الأناضول أن معظم الجامعات الخاصة والرسمية في العاصمة بيروت شهدت اعتصامات تضامنا مع غزة وحملوا لافتات كتب عليها "المقاطعة هي الحل" و"لا تقتل إخوتك.. إنت وضميرك" و"أوقفوا إسرائيل".
رسائل سياسية
الرسالة السياسية الأهم التي حملتها المسيرات في الضفة هي رفض أي محاولة لفصل غزة عن المشروع الوطني الفلسطيني.فمنذ بداية العدوان، هناك مؤشرات إسرائيلية مقلقة عن نوايا لإعادة صياغة خارطة غزة الديموغرافية والجغرافية. في المقابل، يردّ الشارع الفلسطيني بصوت واحد: "غزة جزء منّا... لا تفريط... لا فصل".هذا الموقف لا ينطلق فقط من البُعد الوطني، بل من الإدراك العميق أن مصير الضفة وغزة واحد، وأن أي مشروع لفصل الجغرافيا هو تمهيد لفصل التاريخ والمستقبل، وهو ما لن يقبله الشعب الفلسطيني.
ووفق مراقبين قد لا تغير المسيرات وحدها موازين القوة، ولا توقف الحرب الإسرائيلية فورا، لكنها ترسم ملامح سردية مضادة، تنبع من الأرض وتُحرج صمت العالم، وتُعيد وضع الشعب الفلسطيني في موقع الفاعل لا الضحية فقط.

اليوم، الشارع الفلسطيني ليس وحيدا. فالشارع الدولي أيضا بدأ يتحرك، وبدأت عواصم العالم تعرف أن في غزة إبادة، وفي الضفة صرخة، وفي الخارج دعمٌ حقيقي يتجاوز الخطابات.لكن التحدي الأكبر يبقى في استمرارية هذا الزخم، وتصعيده سياسيا وشعبيا، بما يحوّله من موجة غضب إلى حركة ضغط متكاملة، تربك الاحتلال، وتحرج المتواطئين، وتفتح كوة في جدار الصمت العالمي.
توافق مصري–فرنسي- أردني حول غزة
في لحظة فارقة من عمر العدوان المستمر على قطاع غزة منذ عام ونصف، جاء المؤتمر الصحفي المشترك بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في القاهرة والعاهل الأردني عبد الله الثاني ، ليحمل رسائل سياسية على وقع التصعيد الإسرائيلي الأخير ف ي غزة .
وأكد قادة الأردن ومصر وفرنسا،أمسالاثنين، على ضرورة أن يقوم المجتمع الدولي بالدفع باتجاه وقف الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين بقطاع غزة.جاء ذلك خلال قمة بالقاهرة؛ جمعت الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والفرنسي إيمانويل ماكرون وملك الأردن عبدالله الثاني، لبحث الأوضاع "الخطيرة" بقطاع غزة، وفق بيان للديوان الملكي الأردني تلقت الأناضول نسخة منه.وذكر البيان أن قادة الدول الثلاث أكدوا على "ضرورة أن يقوم المجتمع الدولي بالدفع باتجاه وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، والعودة الفورية لاتفاق وقف إطلاق النار وضمان تنفيذه". كما أكدوا على ضرورة استئناف وصول المساعدات الإنسانية الكافية للحد من الأزمة المتفاقمة التي يواجهها الفلسطينيون في القطاع جراء الحصار الإسرائيلي المطبق وقطع كافة الإمدادات ومنع دخول المساعدات الإنسانية.
ويؤكد مراقبون أن التوافق المعلن بين الجانبين على ضرورة وقف إطلاق النار ورفض تهجير الفلسطينيين، يعكس إدراكا متناميا بخطورة ما يجري ميدانيا، وبالحاجة إلى تدخل سياسي عاجل يعيد التوازن إلى مشهد يتداعى إنسانيا وأخلاقيا.
وأكد الرئيس السيسي أن مصر ترفض بشكل قاطع أي دعوات أو محاولات لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، مشددًا على استعداد بلاده لاستضافة مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار.من جانبه، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى استئناف المفاوضات بشأن غزة "دون تأخير"، في إشارة إلى انسداد الأفق السياسي منذ سنوات، وتراجع فرص حل الدولتين إلى مجرد شعارات تُستخدم للتهدئة الإعلامية أكثر منها لمقاربات عملية.
يبدو أن الموقف الفرنسي يسعى إلى خلق توازن دبلوماسي بين "حق إسرائيل في الأمن" كما تصفه باريس، والحقوق المشروعة للفلسطينيين التي باتت لا تجد من يدافع عنها فعليا على طاولة القرار الدولي.
ورغم تأكيد فرنسا مرارا على دعمها لحل الدولتين، إلا أن التحركات الفعلية كانت باهتة، لا ترقى إلى مستوى الضغط السياسي أو القانوني الذي قد يُحدث فرقا حقيقيا على الأرض.من جهته جدد الملك عبد الله التأكيد على موقف الأردن الرافض لتهجير الفلسطينيين.
ملف الجولان السوري...
كما أكد الرئيسان المصري والسوري على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان السورية.هذا التصريح يعيد التذكير بأن القضية الفلسطينية ليست معزولة عن السياق الأوسع للصراع العربي–الإسرائيلي، وأن الاحتلال الإسرائيلي يتجاوز حدود غزة والضفة.
ورغم أن ملف الجولان كان قد غُيب دوليا منذ اعتراف إدارة ترامب بسيادة إسرائيل عليه في 2019، إلا أن إعادته إلى الواجهة في هذه اللحظة تحمل بُعدا استراتيجيا ورسالة سياسية إلى أن أي مقاربة شاملة للصراع لا يمكن أن تتجاهل الاحتلال المتعدد الأوجه.
يأتي هذا المؤتمر في وقت بالغ الحساسية في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر منذ شهور، حيث حصد أرواح أكثر من 20 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال.بالإضافة إلى تصاعد موجات التنديد الشعبي والحقوقي في الغرب وفي الدول العربية ، في مقابل صمت رسمي ودعم عسكري لا محدود لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة وأوروبا ، علاوة على تزايد التحذيرات من كارثة إنسانية شاملة في غزة، في ظلّ انهيار النظام الصحي ونفاد الغذاء والمياه والدواء.
في هذا السياق، تمثل الرسائل المصرية–الفرنسية محاولة لبلورة موقف سياسي متماسك يوازن بين الاعتبارات الإنسانية والضغوط الدولية، وبين الضرورات الإستراتيجية الإقليمية.رغم أهمية التصريحات، فإن الاختبار الحقيقي يكمن في ترجمتها إلى خطوات عملية فهل ستنجح القاهرة وباريس في دفع الأطراف الدولية نحو وقف فعلي لإطلاق النار؟ وهل سيتم تجاوز الجمود السياسي والانخراط في مسار تفاوضي جديد؟وهل يمكن فعلاً كبح سيناريو التهجير الذي يلوّح به متطرفون داخل الحكومة الإسرائيلية؟
في ظل تراجع الدور الأمريكي كوسيط نزيه، وغياب موقف أوروبي موحد، قد يشكل التحرك المصري–الفرنسي فرصة نادرة لإعادة ضبط بوصلة المبادرات السياسية، شرط أن يتجاوز مرحلة البيانات الرمزية إلى فعل دبلوماسي ضاغط.

زيارة نتنياهو إلى واشنطن
على صعيد متصل وفي خضمّ تصاعد التوترات الإقليمية وتفاقم الأوضاع في قطاع غزة، حطّ رئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرحال في العاصمة الأميركية واشنطن، في زيارة تحمل أبعادا سياسية واقتصادية وأمنية حساسة، وتسلّط الضوء على التحديات المتزايدة التي تواجه تحالف واشنطن–تل أبيب.
تأتي زيارة نتنياهو بعد أيام فقط من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية عامة على مجمل المنتجات المستوردة إلى الولايات المتحدة، بنسبة تصل إلى 17%، تشمل حليفته الأقرب في الشرق الأوسط: إسرائيل. ودفعت هذه الخطوة، التي أربكت حسابات حكومة الاحتلال، نتنياهو للتحرك السريع، قادما من المجر، ليكون أول مسؤول أجنبي يلتقي ترامب بعد القرار.
بحسب مراقبين، فإن الاستعجال في ترتيب الزيارة يعكس مخاوف تل أبيب من تأثير القرار على صادراتها، لا سيما في ظل الوضع الاقتصادي الهش المتأثر بتكاليف الحرب الطويلة في غزة.
الرهائن والهدنة المعلّقة
رغم أولوية الملف الاقتصادي، إلا أن الحرب في غزة حضرت بقوة على جدول اللقاء. إذ استأنفت ''إسرائيل'' غاراتها على القطاع منذ 18 مارس، منهيةً وقف إطلاق النار الذي دام نحو شهرين. في أقل من ثلاثة أسابيع، استشهد أكثر من 1300 فلسطيني، ليرتفع عدد ضحايا الحرب إلى أكثر من 50 ألفا، بحسب وزارة الصحة في غزة.
ويسعى نتنياهو، الذي يعاني من ضغوط داخلية متزايدة في ظل استمرار احتجاز عشرات الرهائن في القطاع، من خلال هذه الزيارة إلى تأمين دعم أمريكي مضاعف، سواء سياسيًا أو عسكريًا، في ظل تعثّر جهود الوسطاء الإقليميين والدوليين لإعادة الهدنة.
الملف الإيراني لم يغب بدوره عن أجندة اللقاء. فكل من ترامب ونتنياهو يلتقيان عند سياسة "الضغوط القصوى" ضد طهران. وفي ظل ازدياد التكهنات بشأن احتمال تنفيذ هجوم إسرائيلي–أمريكي مشترك على المنشآت النووية الإيرانية، تتبادل الأطراف التصريحات التصعيدية، وسط حالة من الترقب الحذر. خاصة وأن الرد الإيراني على عرض ترامب بإجراء محادثات مباشرة كان رافضا بشكل واضح.
وتكشف زيارة نتنياهو إلى واشنطن عن حجم التحديات التي تواجه "إسرائيل"، داخليا وخارجيا. فعلى الصعيد الاقتصادي، تجد تل أبيب نفسها مهددة من حليفها الأكبر، في لحظة فارقة. أما في غزة، فالحرب التي باتت تستنزف كل الأطراف تزداد تعقيدا في ظل العجز عن تحقيق نصر عسكري واضح أو تسوية سياسية .
أما على الجبهة الإيرانية، فإن التصعيد المتبادل يضع المنطقة على صفيح ساخن، ويطرح تساؤلات جدية حول نوايا إسرائيل والولايات المتحدة في الأشهر المقبلة، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية في كلا البلدين.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115