ثم ترأس ،في نفس تلك الدار ،تحرير النسخة الناطقة بالفرنسية «Démocratie» ثم اشتغل بعد ذلك في الاعلام المهجري بفرنسا ..
رغم وجود بعض الدراسات الاكاديمية وخاصة في معهد الصحافة وعلوم الاخبار فإن موجة الصحف المستقلة والمعارضة والتي صنعت في ثمانينات القرن الماضي ربيع الصحافة التونسية تبقى غير معروفة لدى قطاعات واسعة من التونسيات ومن التونسيين وحتى عند النخب كذلك ولاسيما الشباب وصغار الكهول منها ..
وفي الحقيقة فإنه يصعب تصور ربيع ولو نسبي للصحافة المكتوبة في ظل نظام الحزب الواحد والاعلام الرسمي الموجه ..ولكن ذلك ما حصل بالفعل لا فقط على مستوى الصحافة المكتوبة المستقلة والمعارضة ولكن أيضا على مستوى الحياة الحزبية والحقوقية (الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان) والنقابية أيضا .
هذا الربيع النسبي للصحافة المكتوبة والذي امتد من سنة 1979 الى نهايات سنة 1990 شهد توسيعا ملحوظا لدائرة النقد وللتعددية الاعلامية رغم تدخل السلطات لحجز الكثير من الاعداد والإيقافات عن الصدور من ثلاثة الى ستة أشهر بواسطة قرارات قضائية تحت الطلب..رغم كل هذا شهدت عشرية الثمانينات انتعاشة ملحوظة لحرية الرأي والتعبير وقد احصينا حوالي عشرين عنوانا من الصحف والمجلات المستقلة والحزبية سواء أكانت ناطقة بالعربية او بالفرنسية أو باللسانين معا وسواء عمّرت لسنوات أو صدرت منها بعض الأعداد فقط.
ودون غمط حق كل هذه العناوين والأقلام التي كتبت فيها والتضحيات الجسام المادية والمعنوية لأصحابها ألا انه يمكن ان نقول أن مؤسسة «الرأي» بجريدتيها كانت قاطرة هذا الربيع النسبي وذلك بفضل ما قدمه مؤسسها المغفور له حسيب بن عمار الوزير السابق في عهد بورقيبة والمناضل الدستوري العريق ثم المناضل الشرس والهادئ في آن من اجل الحريات والديمقراطية .
لقد كان حسيب بن عمار الأب الروحي لأشخاص عديدين مروا بهذه المدرسة الفريدة التي شملت كامل الأطياف الفكرية والسياسية، ورغم هذا فلم يرفض حسيب بن عمار يوما رأيا ولا تراجع عن الدفاع عن الحريات والحقوق ولا غضب من متعاون أو صحفي شاب مهما كان خطاأ واحتضنت «الرأي» معه أشخاصا تدربوا بفضله على فنّ الاختلاف والاقتصاد في الحكم والثبات على المبدإ..
كل ما يمكن أن يقال عن حسيب بن عمار لن يوفى الرجل حقه . .فهو رجل ندر وان جادت بمثله الحياة ..
حمادي بن سعيد الذي اختطفته المنية منا هو من بين أهم رموز وشخصيات مدرسة حسيب بن عمّار فقد انحدر مثله من الحزب الدستوري وكان مثله ديمقراطيا الى النخاع يأخذ بيد الجميع ويكبر فيهم كل جهد حتى وإن قلّ ويؤسس دوما على الايجابي في النفوس وفي الاعمال ..
لقد كان مهووسا بالسياسة الى النخاع ولكنها سياسة الكبار التي لم تفسد يوما حبل الود بينه وبين كل من اشتغل معه او تعامل معه في الحياة العامة .
لقد كان أخا وصديقا رائقا وأنيقا..
رحمك الله حمادي ..اننا على فراقك لحزينون والى لقياك لمشتاقون .
نقابة الصحفيين تحيي أربعينية الفقيد حمادي بن سعيد
تحيي النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أربعينية الفقيد حمادي بن سعيد غدا يوم الجمعة 24 جانفي 2024 بمقرها الكائن بشارع الولايات المتحدة بالعاصمة وذلك انطلاقا من الساعة الخامسة بعد الزوال