هل تنجح روسيا في استرجاع الأراضي الروسية المحتلة من قبل أوكرانيا؟ تحركات دولية للضغط تجاه مفاوضات سلمية

أعلنت موسكو يوم الإثنين 16 سبتمبر عن قرارها اخلاء قرى وتجمعات سكنية في منطقة كورسك الروسية على بعد 15 كم من الحدود الأوكرانية لأسباب "أمنية"

في خطوة مفاجئة لم تفسرها القيادة الروسية في حين قامت قواتها العسكرية باسترجاع 12 قرية من الجيش الأوكراني الذي نجح في غزوها منذ 6 أوت الماضي. تضارب في التوجه العسكري يعمق الغموض الذي يشوب الوضع الميداني على الحدود الأوكرانية الروسية منذ أكثر من شهر.

وإن اعتبرت القوى العظمى الغربية أن النجاح المفاجئ للجيش الأوكراني في اكتساح أراضي روسية بدون أن يتصدى على أي مقاومة روسية أدخل النزاع في مرحلة مفصلية جديدة تفتح أبواب إمكانية التفاوض بين الجانبين مع استعمال تبادل الأراضي كورقة ضغط حقيقية، فإن الخطوة الروسية الأخيرة أربكت حسابات الجميع في حين لا تزال موسكو تقصف يوميا الأراضي الأوكرانية والعاصمة كييف بصواريخ مسيرة مستوردة من إيران.
تغيير وجهة الحرب
أعلنت القيادة العسكرية الأوكرانية أنها أصبحت منذ هجوم شهر أوت الماضي تسيطر على 1300كم مربع داخل التراب الروسي في منطقة كورسك بعد أن جندت 40 ألف مقاتل لخوض المعارك وأنها تتحكم في 100 قرية حدودية. ولم تتحرك القوات الروسية إلا بعد ثلاثة أسابيع. التغييرات على رأس قيادة الجيش وعزل وزير الدفاع سيرغي شويجو في 13 ماي 2024 الذي كان يشغل المنصب منذ 2012 وتعيين وزير جديد للدفاع مدني في شخص نائب رئيس الوزراء السابق أندريه بيلوسوف لم تؤثر على مجرى الأحداث العسكرية بل أعطت إشارات على ارتباك القيادة الروسية وعدم النجاح في انهاء الحرب لصالحها. وأصبح الشق الغربي الذي ساند عسكريا أوكرانيا يأمل في التوصل إلى حل للنزاع بين روسيا وأوكرانيا.
هجمة مضادة روسية
لكن عودة الجيش الروسي للقتال في منطقة كورسك، بعد أعادة نشر الجيوش، أرجعت المعادلة إلى ما كانت عليه بعد استرجاع موسكو 100 قرية في المنطقة بفضل تجنيد عدد كبير من المقاتلين واستخدام دبابات جديدة الصنع. في نفس الوقت ركزت القوات الروسية هجومها على منطقة الدومباص لفرض حالة لا رجعة باستحواذها على قرى ومدن صغرى تعتبرها استراتيجية في حماية الأراضي التي تم دمجها لروسيا. بعد 930 يوما من بداية الحرب على أوكرانيا أعلنت وزارة الدفاع الروسي على تجنيد 180 ألف جندي إضافي لخوض المعارك القادمة مع توسيع تزويد الجيش بأسلحة وعتاد مستورد من كوريا الجنوبية وكازخستان وإيران. وحسب تقارير عسكرية غربية، تستعمل روسيا 600 ألف جندي في حين أوكرانيا جندت 400 ألف شخص منذ بداية الحرب.
مع كل هذا لا يزال المشهد غامضا و لا يزال المحللون العسكريون يعتبرون أن الجيش الروسي النظامي ليست له القوة بأن يخرج منتصرا في حربه على روسيا بعد أكثر من 930 من القتال بسبب الدعم الغربي لكييف. تحويل الحرب إلى الأراضي الروسية أدخل المعركة في منطق جديد لا يعرف بعد مستقبله خصوصا أن العواصم الغربية هي نفسها فوجئت بالهجوم الأوكراني وأجبرت على اتخاذ قرارات جيدة لدعم المجهود الأوكراني مع دخول النزاع لأول مرة في مرحلة حرب بالصواريخ البالستية.
حرب الصواريخ البالستية
الحدث الأهم اليوم هو اتهام موسكو باستخدام صواريخ بالستية من صنع إيراني من طراز شاهد 360وقرار الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا وبريطانيا فرض عقوبات جديدة على شركات عسكرية وشركة طيران إيران لتورطها في صنع وتزويد روسيا بعشرات الصواريخ، حسب ما أعلنت عنه وكالة المخابرات الأمريكية. الحكومة الإيرانية كذبت الخبر على لسان عباس أراغشي وزير خارجيتها واعتبرته تعلة لعرقلة مجهودات الرئيس الإيراني الجديد المحسوب على الشق "المعتدل" لإعادة الحوار مع الجانب الأوروبي. لكن أحد النواب أحمد باخشايش أردستاني عضو هيئة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني اعترف بتزويد موسكو بالصواريخ في عملية مقايضة بالقمح والصوجة وذلك في حوار مع صحيفة "ديدبان" الإيرانية.
وكانت مسألة الصواريخ موضوع النقاش بين الرئيس فولوديميرزيلينسكي ووزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن ووزير خارجية بريطانيا دافيد لامي خلال زيارتهما لكييف بوم الأربعاء 11 سبتمبر. وصرح بلينكن ان البلدان الغربية "عازمة على تحقيق نجاح أوكرانيا" في حين قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في واشنطن أن إدارته "تعمل على رفع العراقيل" أمام استخدام الصواريخ الأمريكية والغربية على التراب الروسي. منذ أشهر يحاول زيلينسكي الوصول إلى موافقة العواصم الغربية الداعمة إلى قبول فكرة استخدام صواريخ "اتاكمس" الأمريكية و""ستورم شادو" البريطانية و"سكالب" الفرنسية في العمق الروسي. الضوء الأخضر الأمريكي الممكن يعتبر تحذيرا لفلاديمير بوتن في إمكانية قلب موازين القوى على الأرض علما وأن الصواريخ الامريكية لها حمولة تصل 450كغ من المتفجرات و مدى 370كم في حين لا يتعدى مدى الصواريخ الفرنسية والبريطانية 250كم. لكنها كافية لضرب القواعد العسكرية والمطارات ومراكز تجميع الذخيرة. وإن استعملت فسوف تكون صادمة للجيش الروسي وتحرمه من تزويد جيوشه في أوكرانيا.
مفاوضات جانبية
في نفس الوقت الذي تدور فيه مفاوضات بين أوكرانيا والبلدان الغربية حول تطوير القدرات الهجومية للجيش الأوكراني، تجري مفاوضات جانبية بين أوكرانيا وروسيا من أجل تبادل الأسرى. ونجح الطرفان بفضل وساطة إماراتية في تبادل 103 سجين أوكراني مقابل 103 سجين روسي تم احتجازهم في مناطق مختلفة في كورسك. وتلت ذلك دفعة ثانية تم خلالها الإفراج هذا الأسبوع عن 49 مدنيا أوكرانيا من بينهم 23 امرأة.
ويعتقد المراقبون الأوروبيون أن التحركات الدبلوماسية الجارية في العلن، وكذلك في الخفاء، تصب جميعها نحو حث طرفي النزاع على الدخول في مفاوضات سلمية. لكن الجانب العسكري الأوكراني يرغب في العمل على تحقيق مزيد من الخسائر للجانب الروسي على الميدان مثل تلك التي ألحقها الدفاع الأوكراني بالقواعد العسكرية في شبه جزيرة قرم وبالاسطول الروسي في البحر الأسود. الأسابيع القادمة سوف تكون حاسمة في هذا الاتجاه خاصة وأن القيادة الروسية أصبحت تطلب من الأهالي اخلاء مساكنهم من جراء الحرب ولم تعد قادرة على إخفاء الحرب الدائرة على الأراضي الروسية والتي تمكنت أجهزة الدعاية والإعلام من إخفائها إلى حد الآن على الراي العام.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115