ماكرون يعين ميشال بارنييه وزيرا أولا ويضرب عرض الحائط التقاليد الجمهورية الفرنسية مساندة يقظة من اليمين المتطرف ومعارضة قوية من اليسار

 

عين الرئيس ماكرون يوم 5 سبتمبر ميشال بارنييه رئيسا للحكومة بعد 51 يوما قضتها فرنسا بدون حكومة

إثر تقديم غابريال أتال استقالة حكومته تباعا للقرار الرئاسي بحل البرلمان وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها. وبالرغم من أن الجبهة الشعبية الجديدة (اليسار) جاءت في المرتبة الأولى فقد رفض ماكرون تسليمها مقاليد السلطة معتبرا أن "لا أحد انتصرفي الانتخابات" باعتبار أن كل الفصائل المشاركة لم تحصل على أغلبية واضحة.
والغريب في الأمر أن حكومات الرئيس ماكرون منذ انتخابات 2022 لم تكن لها أغلبية مطلقة في البرلمان. وخير ، في هذه الحالة، التخلي عن المبادئ التي اعتمدها لنفسه من أجل الحفاظ على "الإصلاحات" التي أدخلها على النظام الاجتماعي والمتمثلة أساسا في قانون التقاعد وقانون مقاومة الهجرة وتعديل نظام البطالة. ولم يفلح ماكرون في مشاوراته السياسية، بعد انتهاء الألعاب الأولمبية في باريس، في اختيار برنار كازنوف (الإشتراكي) و غزافييه بيرتران (اليميني) كوزير أول بحكم معارضة الأحزاب لهما. وعمد إلى تعيين ميشال بارنييه من حزب الجمهوريين بعد أن حصل على موافقة حزبه و حياد التجمع الوطني المتطرف مما يطرح مسألة لائحة لوم ضد الحكومة الجديدة.
نهاية الجبهة الجمهورية
خيار ماكرون عدم تسليم الحكم لليسار، كما سار به التقليد الجمهوري مع الرئيس فرنسوا ميتران والرئيس جاك شيراك اللذان قبلا "التعايش" مع حكومة معارضة، أجهض في واقع الأمر الجبهة الجمهورية التي تأسست عليها ممارسات "الأحزاب الجمهورية" منذ 2002 في التحالف الإنتخابي لمقاومة اليمين المتطرف ومنعه من الوصول إلى الحكم. في الانتخابات الأخيرة انتفع حزب "النهضة" تحت رئاسة ماكرون بمساندة اليسار في كل الدوائر الانتخابية. لكن قرار ماكرون عدم احترام الاتفاق المبرم مسبقا اعتبره اليسار خيانة سياسية في الدرجة الأولى. وهو ما يفتح بابا واسعا أمام مارين لوبان، التي عبرت هذه المرة على حرصها لدعم الاستقرار الحكومي واستمرارية الدولة ومؤسساتها في خطوة ذكية تمكنها من ارتداء البدلة الرئاسي عام2027 لتصبح أول رئيسة للدولة الفرنسية.
رئيس حكومة خارج السرب السياسي
ميشال بارنييه ينتمي إلى حزب الجمهوريين. لكنه لا يتمتع بمساندين حركيين داخله وليس له تأثير على قواعد الحزب. وهو ما يفسر عدم نجاحه عام 2022 في تصفيات حزبه للرئاسية بالرغم من أنه نجح كرئيس لفرقة المفاوضين الأوروبيين في "البريكسيت" في فرض املاءات أوروبا على بريطانيا. وكون أنذاك لنفسه صورة رئاسية. ترأسه الحكومة اليوم يجعله ينتهج طريقا "على مسافة من كل الأحزاب" كما صرح به للإعلام الفرنسي. موقع هش في الحقيقة لأنه لا يملك أغلبية مطلقة في البرلمان و ليس له وزن حزبي داخله. بل سوف يواجه معارضة قوية من أحزاب اليسار الذين يعتبرونه منتفعا من عملية "اغتصاب للحكم" غير شرعية. في واقع الأمر يجمع الملاحظون عل فكرة أنه لن يتقدم بمشروع قانون جديد للبرلمان ما عدا قانون "نهاية الحياة" الذي ناقشه البرلمان السابق والذي يحظى بقبول كل الأحزاب و قانون المالية الذي بالإمكان تمريره بدون معارضة التجمع الوطني (اليمين المتطرف).
حكومة تحت رقابة اليمين المتطرف
تشكيلة البرلمان الثلاثية التي يقتسم فيها 3 أحزاب معظم المقاعد بدون أن تفرز أغلبيةواضحة تشكل عائقا أمام أي تشكيلة حكومية كانت. حكومة ميشال بارنييه سوف تجد نفسها مهددة بلوائح لوم من قبل اليسار ضحية الممارسة الرئاسية وتحتاج لمساندة اليمين المتطرف للبقاء. وهو ما يؤشر لسداد الأفق الحكومي حتى نهاية ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون عام 2027. مارين لوبان أوضحت أنها تدعم الاستقرار واستمرارية الدولة وأنها لا تمانع من تعيين ميشال بارنييه على رأس الحكومة بسبب احترامه السابق للأحزاب وعدم انتقاد التجمع الوطني وقبول فكرة التعامل مع كل الأحزاب الممثلة في البرلمان على قدم المساواة. لكن في المقابل، وفي صورة قبول قانون المالية الجديد، فإن حزب التجمع الوطني سوف يفرض املاءاته على ميشال بارنييه في باقي مشاريع القوانين التي تقدم للبرلمان لأن حزب "النهضة" لإيمانويل ماكرون المتحالف مع حزب الجمهوريين لا يمكنه الحصول على أكثر من 249 صوتا في البرلمان إذا اعتبرنا مساندة بعض المستقلين والتشكيلات الأقلية اليمينية في حين يحتاج إلى 289 صوتا لتمرير أي قانون. أمام معارضة أحزاب اليسار تبقى الحكومة الجديدة عمليا رهينة اليمين المتطرف.
بارنييه في طريق مسدود؟
المعروف عن ميشال بارنييه (73 عاما) في سجله السياسي أنه "رجل التوافق". فهو يجد نفسه في وضع يحتم عليه أولا وأساسا التوافق مع رئيس الحمهورية في عدم الرجوع عن الإصلاحات المعتمدة والتي تمثل إرث ماكرون. من الناحية الأخرى، بصفته الوزير الأول الخامس في عهد ماكرون، لا بد له أن يستعمل حنكته السياسية المعروفة للتوصل إلى توافقات مع النواب للمصادقة على القوانين الجديدة. وهي عملية معقدة بسبب عدم سيطرته المبدئية على النواب الذين ينتمون لأحزاب أخرى. لذلك بدأ في أول حوار للتلفزيون الفرنسي، وقبل تشكيل الحكومة، في نسج ملامح سياساته المستقبلية والمتمثلة في دعم المؤسسات التعليمية والخدمات العمومية وأمن المواطنين و التحكم في الهجرة والتشغيل و المقدرة الشرائية للفرنسيين. وهو بنامج حكومي يلتقي في غالبيته مع ما يطلبه الرئيس ماكرون و اليمين المتطرف و ما ينتظره الرأي العام الفرنسي. ويمكن للحكومة في هذا السيناريو أن تقلل من لجوئها للبرلمان لأن كل الأفكار المطروحة يمكن تحقيقها بدون قوانين جديدة.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115