تستهدف مناطق مختلفة في الضفة، في خطوة أثارت قلقا واسعا بين الأوساط الدولية والمحلية. العملية جاءت بالتزامن مع تقارير تفيد بأن الجيش الإسرائيلي قد أبلغ السلطة الفلسطينية بنيته اقتحام مستشفى جنين الحكومي، وهو ما يزيد من تعقيد الأوضاع الإنسانية في المنطقة.هذه العملية العسكرية تأتي في وقت حساس، حيث يجتمع مفاوضون من إسرائيل والولايات المتحدة ومصر وقطر في العاصمة القطرية الدوحة امس، لإجراء محادثات "فنية وعلى مستوى فرق العمل" في محاولة للتوصل إلى حلول للأزمة المتصاعدة. ولئن تهدف المفاوضات إلى معالجة التوترات المستمرة في المنطقة وضمان استقرار أكبر، تظل الأوضاع على الأرض في الضفة الغربية في حالة تأهب قصوى.
واقتحمت قوات كبيرة من جيش الإحتلال الإسرائيلي، جنين وطولكرم ومخيماتهما ومخيم الفارعة قرب طوباس، التي تقع كلها شمال الضفة، تحت غطاء من سلاح الجو.وبالتزامن مع ذلك، نفذت مسيرات إسرائيلية 3 غارت على الأقل أسفرت عن وقوع شهداء وجرحى.وأطلقت إسرائيل على العملية اسم "المخيمات الصيفية".
وقال الجيش الإسرائيلي، في بيان، إن مروحيات قتالية وطائرات مسيرة تشارك في العملية أيضًا من أجل مساعدة وتغطية القوات البرية.ولفت إلى أن العملية العسكرية "ستستمر لعدة أيام".
وأبلغت القوات الإسرائيلية أمس الأربعاء سكان مخيم نور شمس شرق طولكرم، بضرورة مغادرته خلال أربع ساعات.وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية نقلاً عن مصدر أمني أن الجيش الإسرائيلي أبلغ الأهالي بمغادرة المخيم، وأقام نقطة عسكرية في حارة المسلخ لتفتيشهم.
ودعا وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس في وقت سابق أمس الأربعاء إلى إخلاء الفلسطينيين من الضفة الغربية.وقال كاتس في تصريحات نشرها على حسابه على منصة إكس: "يجب التعامل مع التهديد في الضفة مثل غزة، وتنفيذ إخلاء للسكان، هذه حرب على كل شيء".
أهداف العملية العسكرية
واستهدفت العملية العسكرية الإسرائيلية مجموعة من المواقع في الضفة الغربية، وهي خطوة تعكس تصاعد التوترات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. وقد تسببت العمليات في وقوع اشتباكات عنيفة، مما أسفر عن وقوع إصابات في صفوف المدنيين وتدمير الممتلكات. الأوضاع في مستشفى جنين الحكومي، الذي يعتبر نقطة محورية للرعاية الصحية في المنطقة، تثير القلق البالغ بعد الإبلاغ عن نية جيش الإحتلال الإسرائيلي اقتحامه. مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني، حيث يعد المستشفى مصدرا حيويا للرعاية لمئات المرضى.وتعكس العملية العسكرية الإسرائيلية ومحادثات الدوحة تعقيدات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والتحديات الكبيرة التي تواجه المجتمع الدولي في جهوده لإحلال السلام والاستقرار في المنطقة. بينما تتواصل العمليات العسكرية على الأرض، تبقى الآمال معقودة على نتائج المفاوضات الدولية في الدوحة، والتي قد تسهم في تخفيف التوترات وتقديم دعم ملموس للمدنيين المتضررين.ففي هذه الأثناء، تتواصل المفاوضات في الدوحة بين فرق التفاوض من "إسرائيل" والولايات المتحدة ومصر وقطر، حيث تسعى الأطراف المعنية إلى وضع حلول تساهم في تخفيف حدة التوتر. المحادثات تركز على إيجاد آليات عملية لتجنب التصعيد العسكري في المستقبل وضمان توفير المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين من النزاع.
وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أكد في تصريح له قبيل بدء المحادثات، على أهمية التعاون الدولي في تحقيق الاستقرار في المنطقة، مشددًا على أن الحلول السياسية هي السبيل الوحيد لإنهاء النزاع الطويل الأمد. ومن المتوقع أن تركز المناقشات على تطوير استراتيجيات لإعادة بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة وتقديم الدعم الإنساني للمناطق المتضررة.
إخلاء الضفة...سيناريو مماثل لغزة ؟
وفي تصريحه قال وزير خارجية الإحتلال الوزير خارجية الإحتلال الاسرائيلي يسرائيل كاتس عبر منصة "إكس"، إن "الجيش الإسرائيلي يعمل بقوة اعتبارا من الليلة الماضية في جنين وطولكرم لإحباط وتدمير" ما زعم أنها "بنى تحتية معادية تعمل بإيحاء من إيران".
وأضاف: "علينا أن نعالج هذا التهديد كما قمنا بمعالجته في غزة، بما في ذلك إجلاء مؤقت لسكان بتلك المناطق وكل إجراء ضروري آخر".وتابع "هذه حرب بكل معنى الكلمة ويجب الانتصار بها".
ووفق هذه الخطوة المثيرة للقلق، يبدو أن إسرائيل تستنسخ تجربة إخلاء سكان قطاع غزة لتطبيقها على الضفة الغربية، مما يعيد إلى الأذهان أساليب استيطانية اتبعها الإحتلال في غزة وخلف ملايين النازحين وعشرات آلاف الشهداء والمفقودين.
اليوم، تظهر مؤشرات على أن نفس الاستراتيجيات التي استخدمتها إسرائيل في غزة تُستنسخ الآن في الضفة الغربية، مما يشير إلى تحول محتمل في السياسات الإسرائيلية تجاه الأراضي الفلسطينية.
وتشمل الإستراتيجيات الجديدة في الضفة الغربية تطوير مشاريع تهدف إلى إحداث تغيير جذري في بيئة المعيشة هناك. من خلال بناء المستوطنات في مناطق إستراتيجية وتقييد الوصول إلى الموارد الأساسية مثل المياه والأراضي الزراعية، تسعى من خلالها إسرائيل إلى خلق ظروف معيشية صعبة تجعل الحياة في تلك المناطق غير ممكنة.
أحد الأساليب المقلقة التي تتبعها السلطات الإسرائيلية هو تعزيز الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي يؤدي إلى مضاعفة الضغوط على السكان الأصليين. من خلال بناء مستوطنات جديدة، توسيع المستوطنات القائمة، وتدمير الممتلكات الفلسطينية والتي تعد جميعها جزءاً من هذه الإستراتيجية.
تتسبب هذه السياسات تفاقم الأزمات الإنسانية في الضفة الغربية، حيث يعاني الفلسطينيون من نقص في الموارد الأساسية ويواجهون صعوبات متزايدة في الحصول على الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية. هذا الوضع سيؤدي وفق مراقبين إلى زيادة النزوح، مما يضعف النسيج الاجتماعي ويزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.
فيما تستمر هذه السياسات في التأثير بشكل سلبي على حياة الفلسطينيين، يتزايد الضغط الدولي على إسرائيل لوقف هذه الاستراتيجيات. فبينما تدعو بعض الحكومات والمنظمات الدولية إلى اتخاذ خطوات عاجلة لإنقاذ الوضع، يبدو أن الحلول المستدامة لا تزال بعيدة المنال.
ما يحدث في الضفة الغربية اليوم يعيد تسليط الضوء على الأزمات الإنسانية المستمرة في المنطقة ويثير تساؤلات حول الآثار طويلة الأمد لهذه السياسات على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
من جانبها علّقت حركة المقاومة الإسلامية حماس، أمس الأربعاء، على الدعوات التي أطلقها وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس، لإخلاء أهالي شمال الضفة الغربية على غرار ما حدث في قطاع غزة، وذلك في أعقاب عمليات عسكرية واسعة استهدفت طولكرم وطوباس وجنين.وقال القيادي في "حماس" عزت الرشق: "تصريحات كاتس التي دعا فيها إلى التعامل مع الضفة كما يتم التعامل مع غزة؛ هي دعوةٌ فاشيّة لتوسيع دائرة الدمار والإبادة الجماعية والتطهير العرقي بحق المواطنين الفلسطينيين".
وشدّد الرشق على أنّ "هذه التصريحات إمعانٌ صهيوني في انتهاك القوانين الدولية، وتعبيرٌ جَلِيّ عن الحصانة التي يتمتع بها قادة الإرهاب الإسرائيليين من المساءَلة والعقاب على جرائمهم ضد الإنسانية".
وتابع قائلا: "على المجتمع الدولي والأمم المتحدة، العمل فوراً على رفع الحماية التي توفّرها الإدارة الأمريكية لمجرمي الحرب الإسرائيليين، واتخاذ إجراءات لسَوْق كاتس ونتنياهو وأزلام هذه الحكومة المتطرفة وقادة جيشها الإرهابي إلى محكمة الجنايات الدولية، لمحاسبتهم على جرائم الإرهاب والإبادة المُرتَكبة ضد شعبنا الفلسطيني الأعزل".
حملة اعتقالات
من جانبه شن الجيش الإسرائيلي ، حملة اعتقالات بحق فلسطينيين في طولكرم وجنين ومخيم الفارعة شمالي الضفة الغربية.
وذكر شهود عيان وفق الأناضول، إن الجيش الإسرائيلي اعتقل مواطنين اثنين من مخيم الفارعة بعد مداهمة منزلهما.
وأشار الشهود إلى أن الجيش عبث بالمنزل قبل انسحابه.وفي جنين، "دهم الجيش الإسرائيلي الحي الشرقي من المدينة واعتقل مواطنين، كما اعتقل اثنين آخرين من بلدة كفر دان القريبة من جنين بعد اقتحامها وتفتيش عدد من المنازل"، وفق الشهود.وفي طولكرم، "حاصر الجيش الإسرائيلي منزلا وطالب من بداخله بتسليم أنفسهم"، وفق شهود عيان.
عملية متواصلة
اقتحمت قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي، منذ ساعات الفجر، جنين وطولكرم ومخيماتهما ومخيم الفارعة قرب طوباس، التي تقع كلها شمال الضفة، تحت غطاء من سلاح الجو بحسب رصد الأناضول.
وبالتزامن مع ذلك، نفذت مسيرات إسرائيلية 3 غارت على الأقل أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى.وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، بلغت حصيلة العملية العسكرية شمالي الضفة "9 شهداء"، بينهم 7 وصلوا إلى مستشفى طوباس الحكومي جراء قصفين استهدفا مركبة قرب جنين ومخيم الفارعة للاجئين، و2 برصاص الجيش وصلوا إلى مستشفى جنين الحكومي.
وفي طولكرم، شرعت آليات عسكرية إسرائيلية في تجريف الشوارع الرئيسية، وفرضت حصارًا على المستشفيات، وتمركز قناصتها على أسطح العمارات، وفق شهود عيان، للأناضول.
الحال ذاته في مخيم الفارعة للاجئين، حيث فرض الجيش الإسرائيلي حصارا عليه، وسط تحليق مكثف للمسيرات في سماء المخيم، حسب الشهود.
بدورها، أعلنت فصائل فلسطينية في شمال الضفة الغربية، عبر بيانات منفصلة ومتلاحقة، أنها تعمل على التصدي للعملية العسكرية الإسرائيلية.
وذكرت الفصائل أنها استهدفت القوات الإسرائيلية بعبوات ناسفة وقنابل يدوية الصنع معروفة محليا باسم "كوع"، والرصاص.
وأشارت إلى أنها تمكنت من "إعطاب آليات عسكرية، وتحقيق إصابات"، دون ذكر عدد محدد.
مؤسسة القدس الدولية تحذر
على صعيد آخر قالت مؤسسة "القدس الدولية"، أمس الأربعاء، إن المسجد الأقصى يعيش واحدة من "أخطر" فتراته، وإن "المعركة عليه لم تنته، بل ازدادت سخونة وخطورة".
جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقدت المؤسسة في إسطنبول، واستعرضت خلاله التقرير السنوي الـ18 لها المعنون بـ"عين على الأقصى".
ويوثق التقرير الفترة من مطلع أوت 2023 وحتى مطلع أغسطس الجاري، ويأتي صدوره بعد أيام من الذكرى السنوية الـ55 لإحراق المسجد الأقصى في 21 أوت 1969، على يد أسترالي الجنسية يدعى مايكل دنيس روهان.
وقال حميد الأحمر، رئيس مجلس إدارة المؤسسة، خلال المؤتمر الصحفي: "نجتمع اليوم بعين ترقب ما يجري في قطاع غزة (الذي يواجه حربا إسرائيلية منذ 7 أكتوبر 2023)، وأخرى لما يجري في الضفة والقدس والمسجد الأقصى" من تصاعد اعتداءات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين بالتزامن مع الحرب على غزة.
وأضاف: "يعيش المسجد الأقصى واحدة من أخطر فتراته في ظل جنوح المجتمع الصهيوني للتطرف لهدم الأقصى وبناء المعبد (المزعوم)، ووجود حكومة بنيامين نتنياهو التي تضم أكبر عدد وزراء داعمين لتهويد القدس وتصفية القضية الفلسطينية".
وأشار الأحمر في هذا الصدد كذلك إلى وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي "يطالب بتغيير الوضع القائم في القدس، والذي أعلن قبل أيام نيته بناء كنيس داخل الأقصى".من جهته، قال البرلماني التركي حسن توران: "بعد السابع من أكتوبر، احتلت القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى أجندة العالم".
وأضاف خلال كلمة في المؤتمر ألقاها عن بعد: "اليوم تُمارس إسرائيل الإرهاب بحق العالم الإسلامي بدعم غربي، وتهدد كل من يقف بوجهها".
واعتبر توران أن "إسرائيل هي الولايات المتحدة والغرب المصغر في المنطقة، ولا يمكن كسر ذلك إلا عبر المقاومة".بدوره، استعرض ياسين حمود، المدير العام لمؤسسة "القدس الدولية"، خلاصات التقرير.
وقال: "قدم التقرير صورة واضحة عن مسارين متناقضين متصارعين، المسار الأول هو مسار العدوان على المسجد الأقصى الذي يقوده الاحتلال الصهيوني المدعوم من أمريكا، وحكومات غربية، وأنظمة التطبيع".وأضاف: "أما المسار الثاني فهو الذي يقوده الشعب الفلسطيني بمرابطيه ومقاوميه ومعه شرفاء أمتنا وأحرار العالم".
وأفاد حمود بأن "التقرير رصد جملة تطورات في المسار الأول مثل فكرة بناء المعبد المزعوم، التي لها حاضنة قوية في مفاصل القرار السياسي والأمني الصهيوني".
ولفت إلى أن "منظمات المعبد المتطرفة قرأت رسالة (عملية) طوفان الأقصى جيدا، وأدركت أنه تهديد غير مسبوق لمكاسبها التي حققتها في المسجد في السنوات الماضية، وقررت رفع شعار معركة المعبد في وجه طوفان الأقصى".وأوضح: "بلغ عدد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى في مدة الرصد نحو 50 ألفا و70 مقتحما، من المستوطنين والطلاب اليهود وجنود الاحتلال".
وأشار إلى أن الشرطة الإسرائيلية "فرضت حصارا مشددا على المسجدِ الأقصى؛ فتراجع عدد المصلين فيه في بعضِ الجمع إلى نحو 3500 مصل فقط (من ما بين 35 ألفا إلى 50 ألفا في الأحوال العادية)، ونكلت بالمصلين وموظفي الأوقاف الإسلامية، وأبعدت سلطات الاحتلال نحو 374 فلسطينيا عن المسجد الأقصى".
وأكمل: "نصبت قوات الاحتلال حواجزا وأقفاصا حديدية عند 3 من أبواب الأقصى، هي: باب الحديد، وباب الغوانمة، وباب الملك فيصل".
واعتبر أن "هذه الإجراءات الأمنية الصارمة أسهمت في خلو المسجد نسبيا من المصلين والمرابطين والمرابطات، في مقابل فتح أبوابه أمام المستوطنين المقتحمين الذين لم يجدوا ما يمنعهم من أداء طقوسهم الدينية داخل المسجد".
ولفت إلى أن "الاحتلال واصل حفر الأنفاق والحفريات أسفل المسجد الأقصى وفي محيطِه، واستمر في تنفيذ المشاريع التهويدية حوله".
وختم قوله عن التقرير، قائلا: "فصول المعركة على المسجد الأقصى لم تنته، بل ازدادت سخونة وخطورة".
وشهدت الفعالية إلقاء خالد مشعل رئيس حركة حماس في الخارج كلمة، فضلا عن استعراض مجموعة من المشاهد والفيديوهات.