فالفنون صدى للروح وصوت داخلي يناشد الحب والصدق ويشجع المختلف على الاندماج مع المجموعة او الاستمتاع باختلافه فنيا وابداعيا وفي هذا الاطار تنزل مهرجان "100كرسي" الذي ينظمه مسرح كورتينا بمدينة القلعة الكبرى من ولاية سوسة.
نجح المهرجان في تأسيس قاعدة جماهيرية، فجمهور المسرح من اصعب الجماهير والقدرة على تكوين قاعدة جماهيرية تشاهد العروض المسرحية خارج التظاهرات الكبرى وفي الجهات يعتبر فعل جبار نجح فيه مسرح كورتينا والمشرفين عليه.
الشباب قاعدة جماهيرية مميزة
استقطبت الدورة السادسة للمهرجان فئة الشباب تحديدا تلاميذ الباكالوريا "هم ابناء المسرح والفضاء، حين كانوا اطفالا كانوا جمهورا وفيا لكل حدث مسرحي واليوم اعدنا استقطابهم لهذا الفن، نريدهم جمهورا واعيا وقادرا على قراءة العروض وفهم شيفراتها، لان المسرح يعلّم المتفرج التفكير ويشجعه على استعمال العقل والبحث" حسب تعبير محمد علي سعيد مدير مسرح كورتينا.
اقبل الجمهور من الشباب بأعداد محترمة وامتلأت المائة كرسي طيلة ايام المهرجان احتراما لشعار الدورة "مائة كرسي خير من الف بلا معنى" فمائة متفرج واع وعارف باهمية الفنون ودورها الحقيقي في التغيير، افضل من الف فارغة، وشباب القلعة الكبرى من الجمهور والمنظمين (الغرفة الفتية الاقتصادية) مثلوا احدى النقاط المضيئة للمهرجان وكسب المنظمين الرهان لتأسيس قاعدة جماهيرية تحترم العروض المسرحية وتقبل على مواكبتها وتحليلها والاصرار على مشاهدة بقية العروض.
وتأسيس قاعدة جماهيرية من اول اهداف تشييد مسرح كورتينا، فتكريس ثقافة الفرجة المسرحية في اطار العزوف عن العروض كان احد اهم رهانات محمد علي سعيد لانجاز هذا المسرح في مدينته القلعة الكبرى" في جولاتنا داخل الجمهورية لاحظت عدد الكراسي الشاغرة، وكم هو مؤلم العرض امام عدد قليل من الحضور احيانا لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة، لذلك قررت ان يكون لكورتينا جمهورها ولعروض مسرح كورتينا جمهور يقبل، يشاهد ويحترم الممثل ومجهوده، ولذلك بعثنا تظاهرتين واحدة للاطفال واخرى للكهول، لان التظاهرات القارة تاسس لثقافة الفرجة والاستمرارية تضمن علاقة وطيدة ومميزة بين المتلقي والممثل" حدّ تعبيره.
نجاح تظاهرة "100كرسي" يحسب لمسرح كورتينا المدافع عن لامركزية المسرح والباحث عن الحق في الثقافة للجميع والمسرح فكرة مشاكسة وفريدة تمزج الفن بالشؤون الاجتماعية وتدافع عن الحق في الثقافة للجميع دون استثناء.
المسرح فكرة للتحرر والدفاع عن الحق في الثقافة
كورتينا مسرح صغير يحمل مقومات العروض ويحترمها يوجد في مركز النهوض بالمعاقين بالقلعة، واستقطب المسرح في البداية العروض المسرحية والورشات في المسرح واداء الممثل ومنذ العام 2018 انفتح المسرح على المجالات العلمية واسس لنفسه خصوصية وهي الملتقى التكويني العلمي للدفاع عن الاطفال حاملي الاعاقة ولكل دورة خصوصية ومجال للبحث والنقاش وخصصت الدورة الاخيرة للعلاج بالفن الموجه لحاملي اضطراب التوحد من الاطفال، فالفنون قادرة على العلاج ولها اهميتها القصوى وتأثيرها المباشر على الانسان بصفة عامة وحاملي الاعاقة بصفة خاصة، الفنون قادرة على مساعدتهم للتنفيس عن الوجع الدفين وكتابة افكارهم والتعبير عنها بطرق ابداعية شتى.
كورتينا تجربة فضاء وفكرة تدافع عن انسانية الانسان من خلال الفنون، مسرح يتسع لمائة متفرج، بعث من رحم معاناة الفنان المسرحي وبحثه الدائم عن فضاء لانجاز تدريباته وعروضه وتحقيق افكاره وكذلك استقطاب جمهور يحترم المسرح والمسرحيين، من ايمان محمد علي سعيد باهمية فن المسرح وضرورته في حياة الانسان بعث كورتينا، شامخا يواجه صعوباته منذ يومه الاول.
الفضاء الحلم انتصر لحق الانسان في الثقافة، وفر لابناء الجهة العديد من النوادي والورشات للاطفال والكهول وانتبه لحاجة ذوي الهمم للفن فقدم له ورشات تؤطر مؤطريهم وعروض تحترم حقهم في الفرجة والمتعة الفنية المسرحية والموسيقية، فكورتينا ليس مجرد جدران بل فكرة حية وثائرة تنصت للوجع الانساني وتبعث في النفوس المثقلة الامل علّها تزهر.
مسرح كورتينا في القلعة الكبرى، قلعة صامدة ضد التهميش وسلاح دفاع حقيقي عن لامركزية الثقافة داخل الجمهورية التونسية، فضاء حالم واطار للتكوين والبحث ومختبر صغير للبحث عن اليات علاجية جديدة تنطلق من الفنون، كورتينا مسرح وفكرة مشعّة رغم الصعوبات المادية الكبيرة لان اغلب العروض مجانية وكذلك النوادي ويعيش الفضاء فقط من منحة تسيير الفضاءت الثقافية، ورغم كل صعوباته لازال محمد علي سعيد من خلال كورتينا يرسم تجارب ابداعية مميزة واخرها كان مسرحية "عقاب جواب" وقبلها "تطهير" و"جرائم زوجية" و"نوار عشية" وتتميز مسرحياته بالبحث الجاد في النص والاخراج والتركيز الكلي لانجاز عمل مسرحي يحترم الجمهور.
مهرجان "مائة كرسي" بمسرح كورتينا تجربة فنية وانسانية تدافع عن الانسان وحقوقه الكونية واولها الحق في الثقافة والحق في التعلّم، تظاهرة لها خصوصياتها الثقافية والاجتماعية والعلمية تنتصر للانسان ببعده الكوني.