"ربيع السينغال": انتخاب الشاب ديومايفاي على رأس الدولة يفتح باب التغيير درس ديمقراطي يعطيه السنغال للشعوب الإفريقية

نجحت المعارضة السياسية في السينغال في انتخاب الشاب ( 44 سنة) ديوماي فاي كرئيس للدولة

خلفا للرئيس مكي صال وذلك في الدورة الأولى بنسبة 54،26% أمام 16 مرشحا من بينهم امرأة. ولم يحصل مرشح النظام أمادو با إلا على 35،79% أي بفارق مليون صوت. عملية انتخابية كان من المقرر اجراؤها يوم 25 فيفري قبل أن يبطلها الرئيس سال وأن يتم تنظيمها، بعد فترة من الاحتجاجات الدامية ذهب ضحيتها 4 اشخاص، يوم 24 مارس بعد أن تم اطلاق سراح زعماء المعارضة المسجونين يوم 14 مارس، ومن بينهم الرئيس الجديد المنتخب، عشرة أيام قبل موعد الاقتراع.

وسجلت المشاركة في الانتخابات نسبة 61% من مجموع 7،3 مليون ناخب مسجل مكنت الشباب من الالتفاف حول مرشح "حزب الوطنيين الأفارقة من السنغال من أجل الشغل والاخلاقيات والأخوة" الذي تمكن في أقل من أسبوعين من الحملة الانتخابية من تجميع الأصوات المطالبة بالتغيير من بين الشباب والنساء والشيوخ. وإن ساهمت هذه الظروف الاستثنائية في فوز ديومايفاي، فإن صعوده إلى سدة الحكم الذي أكده المجلس الدستوري في قراره يوم الإثنين 1 أفريل لا يخفي الطابع الاستثنائي والرمزي لهذه الانتخابات.
حزب لتغيير منظومة الحكم
الرئيس السينغالي الجديد هو الشخصية الثانية في "حزب الوطنيين الأفارقة من السنغال من أجل الشغل والاخلاقيات والأخوة" الذي أسسه زعيمه أصمان سونكو عام 2014 والذي كون ميثاقه السياسي حول ثلاثة مبادئ أساسية تتمثل أولا في تأكيد "حرية المواطنين" وثانيا في "احترام الأمن العام من قبل الجميع" وثالثا في "الاعتراف بدور الدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسلام والأمن". الحزب عبارة على تجمع غير إيديولوجي ليس له ارتباط بأي حزب سابق بل يجمع موظفين من الإدارة العمومية السينغالية و نقابيين و ناشطين اجتماعيين و شخصيات من الشباب السينغالي العاملين في المجتمع المدني.
وشكل الحزب تحت قيادة أصمان سونكو عام 2017 "ائتلاف البديل الشعبي" الانتخابي مع مجموعة من الأحزاب الجديدة الأخرى لخوض الانتخابات الرئاسية ونجح في الحصول على المرتبة الثالثة بنسبة 15،67% من الأصوات مما جعله يفرض وجوده على المستوى الوطني بسبب الكاريزما التي يتمتع بها وخاصة في صفوف الشباب وفي المناطق النائية والأوساط الريفية التي تنتخب تقليديا الأحزاب القديمة. وأمام تصاعد شعبية أصمان سونكو عمدت السلطات في عهد الرئيس مكي صال إلى إيقافه بتهم شتى وإيداعه السجن صحبة الرئيس الحالي المنتخب في أفريل 2023 بتهمة ثلب وزير في الحكومة. ثم قررت الحكومة حل حزب الوطنيين في جيولية 2023. لكن الحزب لم يستسلم وعين أمينه العام ديومايفاي كمرشح للانتخابات الرئاسية التي فاز بها الأسبوع الماضي.
وطرح الرئيس الجديد على نفسه خلال الحملة الانتخابية برنامجا، نشر في كتاب وتم توزيعه على نطاق واسع في صفوف الناخبين، يهدف إلى تغيير حوكمة البلاد وإصلاح المنظومة المؤسساتية لتعديل الكفة بين السلطات ودعم استقلالية القضاء. من ناحية أخرى يهدف برنامج الرئيس الجديد إلى دفع عجلة التشغيل وتنقية الإدارة من التبعية السياسية وضمتن حيادها وإعادة التفاوض في الاتفاقيات المبرمة في مسائل الموارد الجوفية للبلاد من غاز ونفط ومقاومة الفساد والبيروقراطية من أجل تسهيل عملية التنمية.
تحديات المستقبل
انتخاب ديومايفاي ، الرجل البديل في حزبه، على رأس السينغال يشكل رمزا لكل الأفارقة من منطقة جنوب وشمال الصحراء التي شهدت في السنوات الأخيرة رجوع موجة الانقلابات العسكرية والمدنية في عديد من البلدان والتي لم تغير شيئا بالنسبة للمواطنين بل اثرت سلبا في اقتصاد البلدان الإفريقية ولم تتمكن من تحسين ظروف العيش و القضاء على الفقر و الخصاصة واللامساواة. "ربيع السينغال" الذي حصل في موسم الربيع يواجه تحديات فشل في تحقيقها "الربيع العربي" الذي بات شتاء لكل الشعوب العربية.
أول تحدي يواجه ديومايفاي شخصيا هو العلاقة مع رئيس حزبه أصمان سوكو الذي هو الزعيم الحقيقي للحركة والذي شارك جانبه في الحملة الانتخابية. أحد السيناريوهات هو أن يسند له رئاسة الحكومة تماشيا مع مبدئ اصلاح المنظومة في اتجاه تعديل الكفة بين مختلف السلطات. السيناريو الثاني يكون ربما في منحه رئاسة البرلمان لدعم النظام الديمقراطي وتحقيق المصادقة على القوانين الجديدة التي تمكن من اصلاح المنظومة. لكن التحديات الأكبر تكمن في تغيير المنظومة الاقتصادية والاجتماعية التي تتحكم فيها لوبيهات وثروات تأسست منذ استقلال البلاد على أسس مصلحية ضيقة تمكنت من التحكم في مسالك الدولة العميقة.
التحدي الأهم يتعلق بإدارة طموحات الشباب السينغالي الذي يشكل 55% من الشعب والعمل على تحقيق طموحاته في الشغل واحترام القانون الديمقراطي وتنمية قدرات البلاد الاقتصادية. ولن يتحقق ذلك في غياب الاستقرار السياسي. إذ عبرت بعض الجهات في العاصمة داكار من تخوفها أن يتحول الفوز الانتخابي إلى عملية انتقام من الرئيس السابق مكي صال الذي أذن بسجن أصمان سونكوو ديومايفاي. لكن المقربين من حزب الوطنيين يعتبرون أن ذكاء زعمائه وحنكتهم السياسية التي أظهروها سوف تساعدهم على عدم الوقوع في فخ الدولة العميقة. لكن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمثل تركة مكي صال من تدهور في القدرة الشرائية واتساع رقعة الفقر لن تترك للرجلين مكانا للدخول في عملية ثأرية خاسرة. بل إن التمسك بمبادئ الديمقراطية والتحرر الوطني هي الكفيلة بأن تضمن للنظام الديمقراطي في السينغال اشعاعا على مستوى القارة فشلت في تحقيقه جل البلدان الأخرى التي قامت بثورات أو اختارت الانقلابات العسكرية أو المدنية.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115