اترك وراءك كل ادران النفس والجسد واقم صلاتك خاشعا في حضرة العود والبزق، اغمض عينيك قليلا، اترك لحواسك الحرية حد التماهي مع الصور الموسيقية المنبعث شذاها في المكان، تحسس جمالية النغم، اجعل من اذنيك وسيلتك الاولى لكتابة حلم من اجمل الاحلام، أليست الاذن تعشق قبل العين احيانا كما يقول ابن زيدون، وفي حضرة القديسين شربل روحانا وايلي خوري ستتحرر كل حواسك من جمودها، فدعها تعانق سماء الحرية ولتنر قلبك بالموسيقى ولتشرب حدّ الثمالة من كاس العود وتراقص روحك غنج البزق.
تتجلى الروح وتحلق في علياء سماء الحب، تتحرك الاحاسيس تدريجيا لتصبح حرة كليا من كل مكبلات اليومي، تتجلى نفس فتصبح كما الفراشات تحوم حول نار العشق ومتى احترقت تضيء الليالي المعتمات، يسافران بالجمهور الى عوالم سرمدية، موسيقاهم قادرة على اختراق الارواح الصماء وجعلها لينة، يجبرونك على زرع الابتسامة على محياك، وان سبق الدمع مقلتيك فلا مانع فالدموع تطهير للروح ودموع العشاق تزيد الحب بهاء.
شربل روحانا وإيلي خوري جمعهما حب الموسيقى الصامتة وبأناملهما وعشقهما لما يقدمان يكتبان في كل عرض ملحمة للحب والحرية، يسافران بالمتفرج الى ابعد حدود الحب، يلامسان الروح ويضحكان القلوب المنهكة، فالموسيقى التي يلعبانها هي سفرة الى اعماق الروح، رحلة الى عوالم النقاء والصفاء يبدع العود في نحت ملامحها ويكمل البزق التفاصيل الصغيرة لتكمل المشهدية.
في النادي الثقافي الطهر الحداد، وأمام تلك الحجارة التاريخية القديمة تنصت الاذان لأحلى المعزوفات، تتنشي الروح مع صوت العود ورقة البزق ليسفر الجميع على اجنحة الموسيقى، فهما يعزفان على اوتار الروح ويتجليان مع كل نوتة ومقطوعة وكانها نداءات متواصلة للحب فاغمض عينيك قليلا، دع الجسد وحده يتحسس الصوت المنبعث في اعماق القلب، دعه يرقص فالرقص صلاة وفي قدسية الموسيقى يكون الخشوع تطهير للروح والفكرة.
"سفر طرب" عنوان الالبوم والعرض، مقطوعة البدء والعودة، صدى الغربة والسفر يكتبها ايلي خوري اللبناني المقيم بفرنسا وتلتقطها اذن شربل روحانا العاشقة لكل جميل فتتمازج الافكار ويعزفانها قطعة للوطن والحب والغربة، يبدعان في العزف، على مصطبة اعلى من الجمهور وفي لحظات التجلي تلك ستشعر انهما غير بشريين وكأنهما ملكان نزلا من السماء ليطهرا الارواح المثقلة بالتعب، يشبهان الالهة وهي تبث الوان الحب في الاساطير القديمة، يبدوان كما الخالق يحادثان من اعلى العرش الملائكة ويبثانها قيمة العشق ألاهي الخالد فتكون الايقاعات تجلّي وتكون النشوة حد الابتسامة عنوان نجاح العرض امام جمهور اقبل لينصت ويستمتع بالموسيقى الصامتة تلك القادرة على احياء الروح من ركام التعب.
لجمهور المهرجان الدولي للعود قدما باقة من ورود الموسيقى اقتطفت بكل الشغف، فعزفا "سفر طرب" الذي اطرب الروح وكانت كلمة "يا الله" اجمل التعبيرات عن صدق الايقاع وجماليته، استحضرا المكان في "شدرا" تلك المدينة اللبنانية الجميلة استحضرها خوري في حنين بزقه، لعبا "سماء حجاز" و"لا تزعلي" وعانقوا جمال "زهرة" عبر الحوار الممتع بين انامل العازفين ففاض جمال العود وتلألئ البزق وكان هدوء الروح بعد تعبها اجمل تحية.
يكتبان عوالم موسيقية ساحرة، موسيقاهم تقوله ما يقوله الصمت، شربل روحانا العارف بالعود واسراره وتاريخه والمدافع عن جمالية الموسيقى الشرقية يلتقي بايلي خوري حبيب البزق والمهتم بالايقاعات الطربية العربية والتحديث فيها فيصنعان ثنائي موسيقي رائع يستنطقان الصمت ويحولانه الى عالم بهيّ كما حقول التوليب الممتدة، بالعزف والانتشاء مع كل مقطوعة يشعران المتفرج انهما ايضا ينصتان بالقلب لما يعزفان، وكانهما يلعبان تلك النوتات للمرة الاولى بكل خشوع.
موسيقاهم تشبه صلاة الروح في محرابها وعن المشهدية التي يصنعانها بالموسيقى يقول شربل روحانا "صورة موسيقية مسموعة ومرئية بالعين الصاغية والأذن الصاغية..اذا عرف الموسيقي كيف يقرأ في مزاج الإنسان الذي يعايشه ، فلا بد أنه قادر على مخاطبته وفق قواعد لحنية جديدة ونغمية جديدة " وفي الطاهر الحداد عرفا كيف يقرآن مزاج الجمهور وصحباه في سهرة رمضانية تجلّت فيها الروح ورقصت بكل عنفوانها.