مرايا وشظايا مسلسل "باب الرزق"يصوّر معاناة العاملات الفلاحيات: الرزق المرّ !

"خالتي زهرة" ليست هي العاملة الفلاحية الوحيدة

التي تموت مجازا في مسلسل "باب الرزق" بسبب شاحنات الموت ما بين البيت والحقل. هي مأساة حقيقية تتكرر في السنوات الأخيرة مخلّفة في كل مرة ضحية أو جريحة أو أكثر... والكثير، الكثير من التراجيديا. وحدها المسالك الفلاحية والطرقات غير المعبّدة تشهد على حجم الفاجعة أمام هول الحادثة: جثث هامدة على التراب ومن حولها تطايرت "فولارة" وتناثرت قطعة خبز مضمّخة بالعرق وبالدم!

منذ أولى حلقات مسلسل "باب الرزق"، لم تكن معاناة العاملات الفلاحيات على الهامش بل كانت في قلب المشهد وفي صلب الأحداث. لقد كتب السيناريست محمد علي دمق بعمق عن مأساة العاملات الفلاحيات ليأخذ المخرج هيفل بن يوسف على محمل الجدّ والالتزام هذه القضية ليذهب بعيدا في تصويرها وإدارة ممثليها لتظهر على الشاشة مقنعة ومؤثرة.
كان مشهد موت "خالتي زهرة" التي جسدّت دورها الممثلة القديرة فوزية بدر بعد انقلاب عربة الجرّار قادحا لتوليد حرقة في النفوس وحسرة في القلوب وكفيلا باسترجاع تفاصيل حوادث مماثلة عاشتها عديد الولايات في تونس لتغدو الضحايا مجرد أرقام ولتُنسى الفقيدات كأنهنّ لم يكنّ !
من سنة إلى أخرى، تزداد جرعة دراما هذا المسلسل الحقيقي على تخوم الأرياف وحدود المناطق الفلاحية في الوقت الذي تواصل فيه عربات الموت نقل العاملات الفلاحيات فوق الطاقة وفوق الحمولة، ودون حد أدنى من شروط السلامة ومن الكرامة الإنسانية !
هنّ عاملات فلاحيات ينطلقن قبل انبلاج الصبح إلى الحقول ويغادرن عند المغيب، أحلامهن صغيرة وقوتهن بسيط، يتسليّن بالأهازيج ويتسلّحن من الطبيعة بالصبر على مرّ الأيام... وكل أملهن أن يعدن إلى الديار بسلام ! ولكن كثيرا ما يتربص بهنّ الموت في مفترق الطرقات وفي غفلة من الحياة.
في أرقام مفزعة نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن هذه الحوادث الأليمة تمّ منذ سنة 2015 تسجيل 74 حادثا في قطاع النقل الفلاحي مما خلّف 870 جريحا وجريحة و60 حالة وفاة.
أمام اعتماد القطاع الفلاحي على يد عاملة نسائية، تشير الأرقام إلى أنّ 92 % من العاملات في القطاع الفلاحي أجورهن لا تتجاوز الأجر الأدنى الفلاحي المضمون و92% من العاملات لا يتمتعن بالتغطية الاجتماعية.
أمام قصور الحكومات والوزارات والتشريعات على حماية العمالة في القطاع الفلاحي، لم يسبق لعمل درامي قبل مسلسل "باب الرزق" تسليط الضوء بهذا الشكل والمضمون على قضية العاملات الفلاحيات ممّا من شأنه أن يحرّك المياه الراكدة.
على إثر بث الحلقة تلو الحلقة، يتأكد انخراط مسلسل "باب الرزق" في وضع معاناة العاملات الفلاحيات تحت مجهر الدراما لتصوير تفاصيل الرحلة الخطرة في سبيل "الرزق المرّ" !

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115