خلال دورة "المؤتمر" بقصر فيرساي ضمت أعضاء مجلس الشيوخ والجمعية العامة قانونا جديدا يتعلق بدسترة حق النساء في الإجهاض في البند 34 من الدستور. وصوت لصالح القانون 780 نائبا مقابل 72. بذلك تصبح فرنسا أول دولة غربية مهمة تقر دستوريا "حرية المرأة المضمونة في الإجهاض". واعتبر الرئيس إيمانويل ماكرون في تغريدة على شبكة "إيكس" أن تلك الخطوة هي "اعتزاز فرنسي ورسالة كونية".
وعبرت عديد النائبات عن اعتزازهن بهذا القرار الذي حاز على عدد فاق ثلاثة أخماس النواب الذي يفرضه القانون. وزاد ترأس المؤتمر من قبل رئيسة الجمعية العامة في رمزية هذا الحدث الذي قالت فيه النائبة ماتيلدبانو (يسار) "النضال من أجل حقوقنا متواصل دائما. سوف نحتفل بالانتصار التاريخي وابتداء من غد سوف ننطلق في النضال" في حين ازدان برج إيفل في العاصمة باريس بلافتة ضوئية كتب فيها «جسمي اختياري" أمام عدد غفير من النساء والرجال قدموا للاحتفال بالحدث. وأعلن ماتيلدبانو أنها سوف تدرج نصا جديدا تطالب فيه الحكومة بتقديمه من أجل ادراج حق الإجهاض في ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي.
مخاض طويل
وإن اعتبر الرأي العام الفرنسي هذه الخطوة "تاريخية" فإن عديد البلدان في العالم تضمن هذا الحق من بينها تونس التي أدرجته عام 1964، قبل فرنسا التي لم تنجح في ذلك إلا عام 1974 بفضل نضالات النساء وفي مقدمتهن الوزيرة سيمون فايل والناشطة الحقوقية من أصل تونسي جيزال حليمي. وكتب في هذا الصدد زعيم الحزب الاشتراكي أوليفيه فور في تغريدة: "لجيزال حليمي وسيمون فايل وإيفات رودي، لكل النسويات بدون اسم، لجمعيات تحرير المرأة والتنظيم العائلي، لكل النساء المتوفيات والتي حوكمت وأدينت، لكل النساء التي تناضل في العالم من أجل حريتهن."
لكن ذلك لن يخفي الجدل القائم في المجتمع الفرنسي بين مساند ومعارض لفكرة دسترة حق الإجهاض. إذ لاقى مشروع القانون معارضة، ولو نسبية، في كل الأحزاب. من ذلك أن صرح رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه معارضته الشخصية للقانون مع احترام التراتيب الدستورية التي مكنت البرلمان من اعتماده. وعبرت عديد الشخصيات في أحزاب اليمين خاصة عدم تصويتها على نص القانون لأسباب مختلفة منها التي تعود لاعتبارات دينية وأخرى لاختلافات في كتابة النص. لكن وزير العدل صاحب الطابع إيريك دو بون موريتي نجح في تقديم نسخة توافقية تنص على "حرية مضمونة" للمرأة جمع حولها أغلبية عريضة شقت كل الأحزاب المتواجدة في المؤتمر الانتخابي.
انتهازية انتخابية
الوجه الثاني لاعتماد القانون الجديد، وفي غياب أغلبية واضحة لحكومة غابريال أتال، هو أن كل الأحزاب دخلت منذ أسبوع في حملة انتخابية لتجديد البرلمان الأوروبي المبرمج ليومي 6 و9 جوان 2024. ولا ترغب التشكيلات السياسية في الظهور بالمعادية لمسألة تحرير النساء التي تشكل نصف الناخبين. فبالرغم من اعتراض بعض زعماء الأحزاب اليمينية على نص القانون فإن النواب اعتبروا أنهم لن يفلحوا في حملتهم الانتخابية في صورة عارضوا الراي العام الذي عبر عن مساندته لدسترة حق الإجهاض بنسبة تتراوح بين 66% و72% حسب مؤسسات سبر الآراء. ولوحظ تغيير في موقف اليمين المتطرف المتواجد في البرلمان حيث صرح زعماؤه أنهم يساندون دسترة حق الإجهاض بالرغم من مواقفهم السابقة المعارضة لمبدئ الإجهاض وذلك بسبب ضغط المجموعات الدينية التي تشارك في حزب مارين لوبان.
بعد أن تم ختم القانون في قصر فيرساي من قبل المؤتمر الانتخابي أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون أنه سوف يقيم حفلا خاصا لختم القانون يوم 8 مارس بمناسبة اليوم العالمي لحقوق النساء وذلك بمقر وزارة العدل على أن يكون حفلا جماهيريا مفتوحا للعموم، خلافا لتقاليد الجمهورية، مع الحفاظ على التراتيب باستعمال آلة ختم تم اعتمادها منذ عام 1810 لختم القوانين الدستورية. خطوة قانونية هي في الحقيقة اخراج جماهيري يندرج ، من ناحية، في إطار الحملة الانتخابية الأوروبية و، من ناحية أخرى، في الحرص الرئاسي على إدراج حفل الختم في المنافسة الدبلوماسية والإستراتيجية مع الحليف الأمريكي الذي تراجع في حق الإجهاض في عديد الولايات.